قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مفهوم الإدراك وبناء الإنطباع

مفهوم الإدراك وبناء الإنطباع
الإدراك

يختلف الناس في الكيفية التي يستخدموا فيها المعلومات المتاحة لهم مباشرة في المواقف الإجتماعية كي يدركوا ويفسروا هذه المواقف،وهنا تلعب التنشئة الإجتماعية دورها وذلك بأنها تحدد بصورة جزئية كيف يستخدم الناس مثل هذه المعلومات دون أن نغفل طبعا العوامل المحددة لكل شخصية،فغالبا ما يمكن تفسير نفس المعلومات المادية الإجتماعية بعدة طرق مختلفة،فمثلا الضوضاء في حفل ما قد تعني الفرحة لشخص ما والخوف لشخص آخر،حيث أن هناك العديد من الطرق التي يمكن أن يتم بها تلقي نفس الموقف المنبه،ففي البحوث الخاصة بالمعلومات المادية-الإجتماعية من الضروري مساواة الدوافع والعادات لدى الأشخاص اللذين تجري عليهم التجربة أو تغييرها بطريقة منظمة لكي نقيم أثر المعلومات الحالية المباشرة على إدراكهم وأحكامهم.

ومن ناحية أخرى فإن هناك عدة طرق لإرسال المعلومات بهدف تحقيق نفس الإدراك أو الحكم،فمثلا يمكن أن تشعر شخصا ما بأنه مرغوب فيه بعدة طرق مختلفة،وهذه الطرق الخاصة والمنوعة لإرسال المعلومات تثير مشاكل بالنسبة للبحوث في علم النفس الإجتماعي،وهنا تجدر الإشارة إلى أن الظروف التي يتم بها تلقي المعلومات بصورة دقيقة غالبا ما تختلف تماما عن الظروف التي ترسل بها نفس تلك المعلومات،وعلى الرغم من أنه يمكن رصد الحركات والتنغيمات التي تدل على أن شخصا ما يوشك أن يوجه إنتقادا،فإن تلك الحركات والتنغيمات والأصوات لا علاقة لها في كون ذلك الشخص ميال أصلا إلى الإنتقاد في المقام الأول.


فشل الإدراك

لقد أعد عالما النفس الإجتماعيان أينيش كوبر وماريا ياهودا رسوم كاريكاتورية تصور شخصا متعصبا بشكل ينم عن نقدهما للتعصب،ولكن من السخرية أن المشاهد شديد التعصب رأى في تلك الرسوم أنها تدافع عن التعصب ولا تذمه،وهنا تكمن الحقيقة في أن فشل الشخص في إدراك الأحداث الإجتماعية بمعناها الصحيح يثير الدهشة وغالبا ما يكون هذا الإخفاق محزنا ومثيرا للأسى،وهنا تبرز أهمية دراسة الظروف اليومية التي تؤدي إلى إتخاذ الأحكام الدقيقة وغير الدقيقة على الأحداث الإجتماعية،بالإضافة إلى الإهتمام بدراسة الحالات الإنفعالية لدى الآخرين ونوايا الناس وإدراكاتهم من مختلف الطبقات الإجتماعية الهرمية في الجماعات التي ينتمون إليها.


مشكلة الإدراك

يعامل الباحثون الإدراك أحيانا على أنه واقع خاص جدا وشخصي بطريقة خفية لها علاقة بما نراه حقيقة ونسمعه ونشعر به،وأنها تختلف عما نفعله إتجاه الأشياء التي نراها ونسمعها ونشعر بها،كما أن هناك خلاف في مفهوم الإدراك حيث يعتبره البعض هو إدارك الشخص للشيء أو للحادث الماثل بالفعل أمامه،فيما يشيرون في الحقيقة إلى عمليات أخرى مثل المعرفة،وهي عندما يحكم الملاحظ على موضوع أو حادث في الماضي القريب أو يستدعيه.

وفي الحقيقة إن إدراك الأحداث الإجتماعية قد لا يكون في الواقع نوعا خاصا من الأحداث،وقد إقترح دونالد كامبل إرتباطا وثيقا بين كيفية رؤيتنا لشيء ما وما نفعله تجاه ذلك الشيء،وفي الحقيقة إن الكيفية التي يتم بها رؤية الشيء قد لا تكون أحيانا أكثر من مجرد طريقة بديلة للإعلان عما ننوي فعله تجاه ذلك الشيء،فالإدراك هنا هو طريقة للفعل ذات علاقات وثيقة بطرق أخرى للفعل،ولذلك فإنه لأجل أغراض البحث فإنه يعتبر أن الشخص قد أدرك موضوعا ما عندما يقوم بصورة متسقة بالتحدث أو بالفعل على نحو ما بشكل مختلف في وجود ذلك الموضوع تحت ظروف يكون الباحث فيها قد تحقق بصورة مستقلة من وجود ذلك الموضوع أو قام بتغير وجوده،أما التحدي الكبير في مثل هذه البحوث هو كيفية التحكم في وقوع الحدث الإجتماعي بحيث يمكن دراسة ظروف إدراكه،ومثل هذا التحكم  يتطلب كثير من الفطنة والذكاء والإكثار من إستخدام وسائل جديدة وحيل إجتماعية من قبل الباحثين،ومع ذلك فإن خلق الشعور الظاهري بوقوع الأحداث الإجتماعية بإستخدم كل ما توفر من أفضل الوسائل والمعدات ووسائل الإيهام والحيل الإجتماعية إنما هو أمر محدود ويكاد يكون من المستحيل خلق واقع حقيقي لبعض الأحداث الإجتماعية .

كما وتوجد فروق فردية كبيرة في مدى السرعة والدقة التي يكتشف بها الأشخاص وقوع حدث إجتماعي أو وقوع تغير في موقف ما،لأن مثل هذه الأحكام تعتمد إلى حد كبير على التعلم السابق (التعليم الماضي للأفراد وحاجاتهم وتحيزاتهم،تؤثر كلها في طريقة إستخدامهم للمعلوماات الإجتماعية)،وبالتالي فإنه من الصعب في موقف البحث تقرير ما إذا كانت سرعة الشعور بوقوع حدث إجتماعي قد نجحت عن تنويع القائم بالتجربة للمعلومات أو عن عادات سابقة للإنتباه لدى المفحوص.


بناء الإنطباع

إن الطرق التي يستخدم بها الشخص خط نظره أو وجهه للتعبير عن إنفعالاته أو لإرسال معلومات محددة هي طريقة مهمة من الناحية الإجتماعية،لأنها تسمح للشخص لأن يكون إنطباعاته عن شخصية شخص آخر،وهذه الإنطباعات ذات أهمية علمية،لأنه ما زال يستخدم الناس مثل هذه الإنطباعات للتنبوء بسلوك الفرد في المستقبل ولتحديد سلوكهم الخاص إستجابة لذلك،كما وما يزال البحث حول تكوين أو تلقي الإنطباعات في تقدم،ومن الذين ساهموا في ذلك سولومون آش،حيث توصل إلى أنه من الممكن تنويع الإنطباعت المتلقاة بالتغيير الدقيق لما هو معروف من مركزية وهامشية الكلمات الدالة على السمات،كما وتجري الآن الكثير من الأبحاث لإكتشاف كيفية تجميع قوائم المعلومات المتلقاة.

وفيما يخص المعاني المركبة والتي تشكل نواحي أساسية للعملية الإدراكية،فقد دلل على ذلك فريتز هايدر بصورة مقنعة للغاية،حيث قال أن كل منا يطبق مجموعة المعاني الخاصة به عند تكوين إنطباعاته،أي أننا نحول الإنطباعات المراد إرسالها بطريقة ما إلى تلك الإنطباعات التي نتلقاها بالفعل،حيث إن أساليبنا المميزة للإدراك تساعد البعض منا على النظر من خلال مرشحات إدراكية وردية اللون وتساعد الآخرين على النظر من خلال مرشحات إدراكية زرقاء اللون،بحيث تتكون لدينا مدركات وتفسيرات جد مختلفة لنفس المجموعة من المنبهات المثيرة،وتوجه البحوث إلى تفهم الكيفية التي تتشكل بها هذه الأنظمة من الترشيح المميز خلال عملية النضج أو من خلال التنشئة الإجتماعية أو من خلال الخبرات الخاصة للتفاعل بين الأفراد.

ومن هنا فإن كل مفردة من المعلومات تسهم في تكوين الإنطباع ضمن سياق ما يطلب من الشخص إعطاء حكم عليه،وإذا ما عرفنا المعلومات التي يتلقاها هذا الشخص وما يطلب منه إصدار حكم عليه بصدد شخص آخر،يصبح بإمكاننا أن نتنبأ بمضمون حكمه أو إنطباعه،وهنا يجب على الشخص الحكيم أن يعطي إنطباع السيطرة على كلا هذين العاملين،فليس من المجدي كثيرا بالنسبة لتاجر الصابون مثلا أن يعلن عن بضاعته ويقول إن صابونه أملس ونقي في حين أن المستمع يتنظر أن يحكم على قوة الصابون وفعاليته بنفسه،حيث إن المجرب وإلى حد ما المعلن يستطيع التحكم في التهيؤ العقلي الذي يختاره للمفحوص،ولكن من الصعوبة بمكان التنبؤ بما هو نوع التهيؤ العقلي الذي سيحدث بالفعل في ظروف الحياة اليومية،ولكن الدراسة النفسية الإجتماعية للإدراك المتبادل بين الأشخاص سوف تحرز تقدما كلما إهتمت بالتفصيل في دراسة رغبات المفحوصين وإهتماماتهم وأنظمة الترشيح الشخصية الخاصة بهم.

وعلى الرغم من أن التأثيرات الشبيهة بالتأثيرات التي توصل إليها آش،قد ظهرت عندما إستخدم الأشخاص أنفسهم بدلا من الوصف اللفظي للأشخاص في ظروف التجربة،فإن البحث في المدى الشامل للمعلومات المتوفرة لتشكيل الإنطباع ما يزال في بدايته،وعلى الرغم من ذلك فقد تمت عدة إكتشافات حول الكيفية التي يستطيع فيها الناس أن يشاركوا الآخرين وجدانيا في مشاعرهم وأحكامهم،حيث وجد يوري برنجنبرنز وزملاؤه مهارتين على الأقل أو مقدرتين على المشاركة الوجدانية،ألا وهما الحساسية تجاه الشخص الآخر بصفة عامة أو الشعور أو الحكم الوسط لدى جماعة من الأشخاص والحساسية تجاه مشاعر وأحكام أشخاص معينين.

كما وإن المشاركة الوجدانية تشكل ميدانا معقدا للأبحاث مليئا بكثير من المطبات الجذابة،وبخاصة لأن المفحوصين قد يبدون مشاركين وجدانيا في حين أنهم يعملون بالفعل على بعض القواعد الأخرى غير المعلومات المباشرة المتلقاة،فمثلا من الممكن غالبا تخمين ما يفكر به 5 أشخاص إختيروا عشوائيا حول موضوع ما دون أن نكون قابلنا هؤولاء الأشخاص أبدا وبخاصة إذا كنا نعرف ما هو الرأي العام حول ذلك الموضوع (فلقل مثلا 5 طلاب لم تقابلهم أبدا) وقد تكون دقيقا إلى درجة مدهشة في التخمين حول بعض الشخصيات،وهذا الأداء الذي يفوق الآداء العشوائي لا يمكن أن يكون ناجما عن أي مقدرة للمشاركة الوجدانية تثيرها معلومات معينة حول أولئك الأشخاص المعنيين،وبإختصار فمن الصعب إستبعاد آثار الأنماط الجامدة التي قد تكون صحيحة إلى حد ما،كما أنه من الصعب التركيز بدقة على معرفة أي من المعلومات المستمدة من مصادر أخرى هي التي تحدث المشاركة الوجدانية أو تكوّين الإنطباع،ومع ذلك يدلل فيكتور كلاين على مدى دقة بعض الأشخاص ومدى إرتباك بعضهم الآخر في تكوين الإنطباعات التي تتجاوز الإعتماد على الأنماط الجامدة.

وتختلف الطريقة التي ينقل بها شخص ما المشاركة الوجدانية،حيث أنه لدى بعض الأشخاص سيطرة على هذه المقدرة إذ أنهم يتركون عند الآخرين إنطباعا واضحا بأنهم يفهمون ويشعرون معهم حتى عندما لا يكونون بالفعل مشاركين وجدانيا،ويترك البعض الآخرين فاترين تجاههم لأنهم غير قادرين على نقل المشاركة الوجدانية،ومنه فإن المقدرة على إرسال المعلومات حول  المشاركة الوجدانية أو حتى الإيهام بها قد تكمن خلف نجاح السياسي أو البائع أو المعالج،وقد ينبع بعض هذه المهارة من المقدرة على العمل بموجب مفهوم مكتسب عن الشخص المشارك وجدانيا،حيث قد ينجم بعض من هذه المهارة عن إشارات دقيقة تدل أي إنسان على المشاركة الوجدانية،وعلى كل حال نستطيع بواسطة إجراء التجارب أن نكتشف في النهاية أنواع المعلومات المطلوبة للحكم بأن هذا الشخص يفهم الآخر،وآخيرا فإنه كلما إزداد علمنا بالتعبير عن المشاركة الوجدانية نصبح أكثر قدرة على تمييز المزيف من الحقيقي.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart