قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

معجزة إستجابة الدعاء

معجزة إستجابة الدعاء
قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)

ذكر علماء اللغة والبيان أن من الروائع في قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) ما يلي:

1- أنها الآية الوحيدة التي خالفت بقية الآيات التي تبدأ بسؤال الناس للنبي الكريم، حيث كلها تأتي بصيغة ((يسألونك)) مثل ((يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل ... )) - ((يسألونك عن الخمر والميسر قل ... )) - ((يسألونك عن الأنفال قل ... )) - (( يسألونك عن اليتامى قل ... )) - ((يسألونك ماذا أحل لهم قل ... )) - ((يسألونك ماذا ينفقون قل ... )) - ((يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل ... )) - ((يسألونك عن الروح قل ... )) - ((يسألونك عن الجبال فقل ... )) - ... إ
لأ هذه الآية ! فمن عظمة الله أنه سبق المؤمنين بالسؤال وهم لم يسألوا بعد ! وكأنه سؤال إفتراضي، فالله تعالى هنا هو الذي وضع السؤال وبادر بالإجابة (من قبل أن يُسأل)، وذلك حبا منه بالدعاء وبسرعة الإجابة وهذا كله من واسع رحمته.

2- على غرار ((ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا)) كان القياس أن يقول الله تعالى ((وإذا سألك عبادي عني فقل ربي قريب يجيب دعوة الداع))، لكنه تبارك وتعالى تكفل بالإجابة بنفسه وقال ((فإني قريب أجيب دعوة الداع))، حيث ابتدأ جوابه بأنه قريب للدلالة على عدم حاجته للوسطاء والأولياء أولاً، وللدلالة على حفاوته بالدعاء والسائلين ثانيا، كما لم يتحدث بضمير الغائب عن ذاته، حيث لم يقل ((يجيب دعوة الداع)) لأن ذلك يدل على البعد والعلو، بل نسبها لنفسه للدلالة على دنوه وقربه من السائلين.

3- أنه تعالى لم يعلق الإجابة بالمشيئة، كأن يقول ((أجيبه إن أشاء)) بل قطع وأكد أنه يجيب دعوة الداعي.

4- أنه قدم جواب الشرط على فعل الشرط، وذلك للدلالة على قوة الإجابة وسرعتها، لهذا 
لم يقل ((إذا دعان أستجب له)) .

5- أنه قال ((أجيب دعوة الداع إذا دعان)) ولم يقل ((أجيب دعوة الداع إن دعان)) وفي هذا معاني بلاغية غاية في الدقة، منها أنه إستخدم أداة الشرط ((إذا)) ولم يستخدم أداة الشرط ((إن))، فما الفرق بينهما ؟
السبب أن (إن) تستخدم للأحداث المتباعدة والمحتملة الوقوع والمشكوك فيها والنادرة والمستحيلة، كقوله ((قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين)) وقوله ((وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا)) لأن الأصل عدم اقتتال المؤمنين، وقوله ((ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)) ولم يقل (إذا) استقر مكانه وقد علمنا أن الجبل دك دكا، وكقوله أيضا ((قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا)).

بينما (إذا) تعني المضمون حصوله أو كثير الوقوع، مثل قوله ((كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت)) لأن الموت واقع لا محالة، وقوله ((وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم)) وقوله ((فإذا إنسلخ الأشهر الحرم)) وقوله ((فإذا قضيت الصلاة))، ولذلك نرى أن كل أحداث يوم القيامة تأتي بـ (إذا) ولم تأت بـ (إن)، ومثال ذلك قوله ((إذا زلزلت الارض زلزالها)) وقوله ((إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت ...)) وقوله ((اذا وقعت الواقعة)) وغيرها من أحداث يوم القيامة، حيث لم تأتي أيا ًمنها بأداة الشرط (إن) والتي تحتمل الندرة وعدم الوقوع، كما أنه من روعة هذا البيان هو حينما تأتيان معاً في موضع واحد، حيث تستخدم (إذا) للكثرة و(إن) للندرة مثل قوله تعالى ((اذا قمتم الى الصلاة فإغسلوا وجوهكم ...وإن كنتم جنبا))، فجاء بـ (إذا) للوضوء لأنه كثير الوقوع و بـ (إن) للجنب لأنه نادر الحصول، ومثل قوله ((فإذا أحصن فإن أتين بفاحشةٍ)) فالإحصان متكرر والفاحشة من النوادر.
ومن هنا نفهم أن المعنى من قوله تعالى ((إذا دعان)) أنه يشير إلى كثرة الدعاء وبأنه دعاء متكرر ومستمر وكثير وليس نادرا وقليلا، لأن الله تعالى يغضب إن لم يدعى، والقلب الذي لا يدعو قلب قاسٍ، حيث قال تعالى ((فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون، فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم)) وقوله ((ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون)).

6-  كما نلاحظ أنه قال تعالى ((أجيب دعوة الداع)) ولم يقل ((أجيب الداع)) لأن الدعوة هي المستجابة وليس شخص الداعي، وفي هذا إشارة دقيقة جداً إلى مكانة الدعوة بغض النظر عن شخصية الداعي.

7-  قال تعالى ((عبادي)) بالياء ولم يقل ((عباد))، وسبب ذلك أن ((عبادي)) تشير إلى عدد أكبر من ((عباد))، فالياء تعني أن مجموعة العباد أكثر، أي يجيبهم كلهم على اختلاف إيمانهم وتقواهم، وذلك كقوله تعالى للدلالة على الكثرة ((قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم)) والمسرفون كثر، وكقوله ((قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)) لأن أكثرهم يجادل، أما للقلة فيقول ((فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) وهؤلاء قلة، وقوله ((وقل يا عباد الذين آمنوا إتقوا ربكم)) والمتقون قلة.

8-  نلاحظ أن الله تعالى قال ((أجيب دعوة الداع)) وكان القياس أن يقول ((أجيب دعوتهم))، وذلك للدلالة على أنه يجيب دعوة كل داعي وليس فقط دعوة السائلين، فهنا وسع دائرة الدعوة ولم يقصرها على السائلين.

9- قال  تعالى ((فإني قريب)) ولم يقل ((أنا قريب))، وهذا تأكيد بـ (إن) المشددة والمؤكدة لأن (أنا) غير مؤكدة.

10 - أن الآية توسطت آيات الصوم، وهذا يعني أن الدعاء ديدن الصائم وأن للصائم دعوة لا ترد كما ورد في الأثر (ما لم تكن بقطيعة رحم) فالدعاء شعار الصائمين، ومن عظمة الدعاء ومنزلته عند الله، أن الله أحاطه بآيات الصوم والذي قال عنه في الحديث القدسي ((الصوم لي وأنا أجزي به) لأن الصوم من شعائر الإخلاص لله، وذلك لأنه شَعيرة غير ظاهرة الأثر على صاحبها ما لم يرائي، فكذا الدعاء أراده الله أن يكون خالصا له وهو الذي يجزي به من دون شرك فيه لأحد، وذلك من دون وساطة نبي أو ولي أو شرطي أو موظف.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart