قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

قصة سيدنا يحيى عليه السلام

قصة سيدنا يحيى عليه السلام
كان سيدنا يحيى عليه السلام نبيا ومن الصالحين كما كان بارا تقيا ورعا منذ صباه،وسيدنا يحيى هو إبن نبي الله زكريا والذي ولد إستجابة لدعاء زكريا لله أن يرزقه الذرية الصالحة،كما أنه ولد في السنة نفسها التي ولد فيها سيدنا المسيح،وقد جعل الله تعالى آية مولده أن لا يكلم سيدنا زكريا الناس ثلاث ليال سويا،كما وقد شهد الحق عز وجل لسيدنا يحيى عليه السلام أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا،بالإضافة إلى أن الله تعالى قال عنه: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا) فمثلما أوتي الخضر علما من لدن الله،أوتي يحيي حنانا من لدن الله،والعلم مفهوم أما الحنان فهو العلم الشمولي الذي يشيع في نسيجه حب عميق للكائنات ورحمة بها،حيث إن الحنان درجة من درجات الحب الذي ينبع من العلم.

وقد كان ميلاد سيدنا يحيى عليه السلام معجزة،فلقد جاء لأبيه زكريا بعد عمر طال حتى يئس الشيخ من الذرية،كما أنه جاء بعد دعوة نقية تحرك بها قلب النبي زكريا،ولهذا جاءت طفولته غريبة عن دنيا الأطفال،فكان معظم الأطفال يمارسون اللعب،أما هو فكان جادا طوال الوقت،وكما كان بعض الأطفال يتسلى بتعذيب الحيوانات،كان يحيى يطعم الحيوانات والطيور من طعامه رحمة بها وحنانا عليها،ويبقى هو بغير طعام أو يأكل من أوراق الشجر أو ثمارها.
ولقد كان سيدنا يحيي في الأنبياء نموذجا لا مثيل له في النسك والزهد والحب الإلهي حتى سميّ بالنبي الناسك،حيث كان يضيء حبا لكل الكائنات المخلوقة،لهذا أحبه الناس وأحبته الطيور والوحوش والصحاري والجبال،إلى أن أهدر دمه جرّاء كلمة حق قالها في بلاط ملك ظالم وذلك بشأن أمر يتصل براقصة بغي.
وكان كلما كبر سيدنا يحيى في السن زاد النور في وجهه وإمتلأ قلبه بالحكمة وحب الله والمعرفة والسلام،حيث كان يحيى يحب القراءة في العلم من طفولته،وهكذا فلما صار صبيا نادته رحمة ربه،حيث قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) وهنا صدر الأمر الإلهي ليحيى وهو صبي أن يأخذ الكتاب بقوة،وذلك بمعنى أن يدرس الكتاب (كتاب الشريعة) بإحكام،حيث رزقه الله تعالى الإقبال على معرفة الشريعة والقضاء بين الناس وهو صبي،فكان أعلم الناس وأشدّهم حكمة في زمانه لأنه درس الشريعة دراسة كاملة وتامة،ولهذا السبب آتاه الله الحكم وهو صبي،حيث كان يحكم بين الناس ويبين لهم أسرار الدين ويعرّفهم طريق الصواب ويحذرهم من طريق الخطأ.
ومع مرور الزمن زاد علم سيدنا يحيى وزادت رحمته كما وزاد حنانه بوالديه والناس والمخلوقات والطيور والأشجار،حتى عمّ حنانه الدنيا وملأها بالرحمة،فقد كان محبوبا لتنسكه وزكاته وتقواه وعلمه وفضله،لهذا لم يكن هناك إنسان يكره سيدنا يحيى أو يتمنى له الضر،بالإضافة إلى أنه كان يدعو الناس إلى التوبة من الذنوب كما كان يدعوهم إلى الله ويدعو الله لهم،بحيث إذا وقف بين الناس ليدعوهم إلى الله أبكاهم من الحب والخشوع وأثّّّر في قلوبهم بصدق الكلمات كونها قريبة العهد من الله وعلى عهد الله.
وهكذا جاء صباح يوم خرج فيه سيدنا يحيى على الناس وبدأ يتحدث قائلا: إن الله عز وجل أمرني بكلمات أعمل بها وآمركم أن تعملوا بها،وهي أن تعبدوا الله وحده بلا شريك،فمن أشرك بالله وعبد غيره،فهو مثل عبد إشتراه سيده،فراح يعمل ويؤدي ثمن عمله لسيد غير سيده،فأيكم يحب أن يكون عبده كذلك ؟ وآمركم بالصلاة لأن الله ينظر إلى عبده وهو يصلي ما لم يلتفت عن صلاته،فإذا صليتم فإخشعوا،كما آمركم بالصيام،فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرّة من مسك جميل الرائحة،كلما سار هذا الرجل فاحت منه رائحة المسك المعطر،وآمركم بذكر الله عز وجل كثيرا،فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه أعداؤه،فأسرع لحصن حصين فأغلقه عليه،وأعظم الحصون ذكر الله ولا نجاة بغير هذا الحصن.
كما ويذكر العلماء فضل سيدنا يحيي ويوردون لذلك أمثلة كثيرة،فقد كان سيدنا يحيي معاصرا لنبي الله عيسى وقريبه من جهة الأم (إبن خالة أمه)،حيث تروي السنة أن يحيي وعيسى إلتقيا يوما،فقال عيسى ليحيى: إستغفر لي يا يحيى فأنت خير مني،فقال يحيى لعيسى: إستغفر لي يا عيسى فأنت خير مني،فرد عيسى: بل أنت خير مني،سلّمت على نفسي وسلّم الله عليك،وتشير هنا القصة إلى فضل سيدنا يحيى،وذلك حين سلم الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا،ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوما،فوجدهم يتذاكرون فضل الأنبياء،فقال قائل: موسى كليم الله،وقال قائل آخر: عيسى روح الله وكلمته،وقال آخر: إبراهيم خليل الله،ومضى الصحابة يتحدثون عن الأنبياء،فتدخل الرسول عليه الصلاة والسلام حين رآهم لا يذكرون يحيى قائلا: أين الشهيد إبن الشهيد ؟ يلبس الوبر ويأكل الشجر مخافة الذنب،أين يحيي إبن زكريا ؟

وقد قيل أنه في عهد سيدنا يحي كان أحد ملوك ذلك الزمان طاغية،ضيق العقل قاسي القلب يستبد برأيه،حيث كان الفساد منتشرا في بلاطه،وكان يسمع أنباء متفرقة عن سيدنا يحيى،فيدهش لأن الناس يحبون أحدا بهذا القدر،وهو ملك ورغم ذلك لا يحبه أحد،وقد كان هذا الملك يريد الزواج من إبنة أخيه،حيث أعجبه جمالها،وهي أيضا طمعت بالملك وشجعتها أمها على ذلك،ولكنهم كانوا يعلمون أن هذا حرام في دينهم،فأرد الملك أن يأخذ الإذن من يحيى عليه السلام،فذهبوا يستفتون يحيى ويغرونه بالأموال ليستثني الملك من هذا الحكم،كما لم يكن لدى الفتاة أي حرج من الزواج بالحرام،فلقد كانت بغيّ فاجرة،لكن يحيى عليه السلام أعلن أمام الناس تحريم زواج البنت من عمّها،وذلك حتى يعلم الناس أنه إن فعلها الملك،فإنه سيكون قد إنحرف عن الشريعة الصحيحة،فغضب الملك وإمتنع عن الزواج،لكن الفتاة كانت لا تزال طامعة في الملك،وفي إحدى الليالي الفاجرة أخذت البنت تغني وترقص فأرادها الملك لنفسه فأبت وقالت: إلا أن تتزوجني،فقال الملك: كيف أتزوجك وقد نهانا يحيى،قالت: إئتني برأس يحيى مهرا لي،وأغرته إغراءا شديدا،فأمر في حينه بإحضار رأس يحيى له،فذهب الجنود ودخلوا على سيدنا يحيى وهو يصلي في المحراب فقتلوه،وقدموا رأسه على صحن للملك،فقدّم بدوره الصحن إلى هذه البغيّ وتزوجها بالحرام،وأخيرا يقال أن رأس سيدنا يحيى مدفون في الجامع الاموي في دمشق والله أعلم.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart