العلاقات الإستراتيجية للدول بين الإستعمار والنفوذ الخارجي
العلاقات الإستراتيجية
تتمتع كل الدول بوضع إستراتيجي معين بالنسبة للعالم ككل،وهذا الوضع الإستراتيجي الخاص إكتسبته كل دولة من واقع سياستها الخاصة التي تحكم
سلوكها وتؤثر فيه،ولكن هذا الوضع الإستراتجي تؤثر فيه أيضا الدول الأخرى بسبب
تقيمها للوضع الخاص لتلك الدولة،لهذا فإن العلاقات الإستراتيجية لكل دولة يجب أن
تكون مرتبطة دائما بالظروف والتغيرات التي تطرأ على إستراتيجية هذه الدولة ووضعها
الإستراتيجي التي تجد نفسها فيه من وقت لآخر،وليس أدل على ذلك من التغير الجذري
الذي حدث في سويسرا منذ القرن السابع عشر وحتى الآن.
إن الإستراتيجية التي إتبعتها سويسرا في القرنين السادس
عشر والسابع عشر،كانت بسبب أن النمسا هي الدولة القوية الوحيدة في ذلك الوقت التي
يخشى بأسها حول حدود سويسرا،بينما كان بقية جيرانها عبارة عن دول ضعيفة صغيرة
الحجم قليلة البأس،في حين كانت سويسرا في ذلك الوقت عبارة عن (دولة الإتحاد الفيدرالي
السويسري)،فإتبعت عندها سياسة مختلفة في علاقاتها الإستراتيجية الخارجية،حيث لجأت
إلى أسلوب التحالف من وقت لآخر مع عدد من جيرانها الذين كانوا في صراع مع بعض
الدول الأخرى المجاورة،ولكن بتعدد القوى الكبرى حول حدود سويسرا،تنبهت إلى خطورة
التحالف مع أي من هذه القوى وفضلت الإستفادة من قدرتها وميزانية الإستراتيجية
الطبيعية في تحييد سياستها وإستراتيجيتها تجاه كل جيرانها دون إستثناء وتعاملت
معهم معاملة واحدة.
وقد إستمرت سويسرا
في هذه الإستراتيجية إلى حد يومنا هذا،وذلك بالنسبة لعلاقاتها مع الدول الأوروبية
جميعا،وعلى الرغم من ظروف سويسرا الموقعية (الجغرافية) وظروفها الطبيعية،والتي جعلتها دولة
محاطة بعديد الدول أو القوى المعادية أو التي لا يؤمن جانبها تماما كما لا يمكن
الإستهانة بقدرتها الدفاعية،حيث كان لكل دولة من الدول المحيطة بسويسرا،أفكارها
ونظرياتها الخاصة في التوسع وبسط النفوذ على بقية الأراضي المجاورة لها،لكن سويسرا
ظلت تعمل جاهدة لتلافي الدخول في صراعات دامية مع هذه الدول المجاورة والتي تعرف أنها
لا تقوى عليها،كما أنها أدركت أن ميزان القوى بين هذه الدول المجاورة يتغير بسرعة
من كفة إلى أخرى،لذلك رفضت أن تنتظم في فلك واحد منها،حيث خشيت إن فعلت ذلك أن
تضيع وسط هذا الصراع وتضيع هيبتها الدولية إذا إبتلعتها أي من هذه القوى،ولذلك
فضلت أن تعمل على إتخاذ موقف محايد مستغلة الوضع الدفاعي الممتاز الذي تتمتع به
والذي مكتها من الإستفادة منه في علاقتها بالدول المجاورة المتصارعة،وهذه هي
الإستراتيجية التي إتبعتها سويسرا وظلت متمسكة بها حتى الآن بالرغم من حربين عالميتين
داميتين ذهب ضحيتها الملايين،وبذلك ما زالت سويسرا نموذجا ليس له نظير في الحياد.
وإذا أخذنا مثال
آخر عن أهمية الوضع الإستراتيجي للدولة،فإننا نأخذ ما حصل بعد أن توحدت دولة
ألمانيا في 1871،حيث تغيرت الخريطة الإستراتيجية لأوروبا تغيرا جذريا بسبب قوة ألمانيا
من النواحي السياسية والسكانية والإقتصادية،فإضطرت عندها جميع دول أوروبا بما فيها
بريطانيا العظمى إلى تغيير أسلوب تعاملها مع ألمانيا،وبالتالي غيرت إستراتيجيتها
وعلاقاتها الإستراتيجية مع ألمانيا من ناحية ومع بعضها البعص من ناحية أخرى.
الإستعمار والعلاقات السياسية بين الدول
إن أكثر العلاقات السياسية تأثيرا بين دولة من الدول
والأجزاء الخارجية أو الأراضي الأخرى هو السيطرة السياسية المؤثرة،وأقوى أنواع
العلاقات السياسية على الإطلاق،هي أن تسيطر دولة على أرض خارجية وبالتالي تكون قد
حددت نوع علاقاتها مع هذا الجزء الذي سيطرت عليه،وهي في هذه الحالة علاقة إحتلال
وإستعمار،وقد كان هذا النوع من العلاقات السياسية شائع في أفريقيا وأسيا وذلك في
العصر الإستعماري،حيث أننا نجد في هذا العصر أن بعض الدول التي إستعمرت مساحات في
بلدان أخرى حاولت أن تصبغ إجراءاتها بشرعية معينة،وكان من أهم هذه الدول
الإستعمارية الكبرى بريطانيا وفرنسا والبرتغال وهولندا وإيطاليا وبلجيكا بالإضافة
إلى اليابان وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
كما أن الإستعمار ليس واحدا في كل الدول،بل هناك درجات من الإستعمار وهي :
1-المحميات. 2-الممتلكات. 3-التوابع. 4-المستعمرات : وهي
أنواع متعددة وليس ذلك فحسب بل أن هناك درجات مختلفة من الشرعية للدول
الإستعمارية تحاول أن تكسبها لوجودها في تلك البلدان،كما أن هناك مستعمرات لنفس
الدولة تختلف الدولة الإستعمارية في التعامل مع كل واحدة منها (فرنسا كانت لا تميز
في التعامل بين مستعمراتها)،ولهذا يجب معرفة الدرجة التي تتحكم بها الدول
المستعمرة بمستعمراتها وإلى أي حد تمكنت من نقل نظمها الخاصة لتسيير مستعمراتها،وأخيرا
فإنه بالرغم من إستقلال معظم دول العالم إلا أن الدول الإستعمارية ما زلت تتعامل مع
مستعمراتها السابقة بطريقة تؤثر على إستقلاليتها وتضر بإقتصادها وتفرض عليها وصاية
معينة وتضيق عليها المساعدة والتمويل،حيث لا زالت تعتبر هذه الدول ضمن مناطق
نفوذها.
النفوذ الخارجي (العلاقات السياسية الخاصة)
هناك كثير من الدول المستقلة التي تتصرف مع غيرها من الدول
بصفتها مستقلة،ولكن نجد في الحقيقة أن هذه الدول خاضعة بدرجة أو أخرى لنفوذ أو
لسيطرة أجنبية على شئونها السياسية والإقتصادية داخليا وخارجيا،ومثال ذلك تحكم
الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة أمور بنما ومعظم دول أمريكا الوسطى على الرغم
من الإعتراف الدولي بتلك الدول كدول مستقلة،وفي حالات أخرى نجد أن الدولة صاحبة
النفوذ على دولة أخرى قد لا تمارس سيطرة مباشرة على أي جزء من أجزاء الدولة الأخرى،ولكنها تمارس نوع من السيطرة المحدودة ويكون ذلك في صورة أجهزة إستشارية من
الدولة صاحبة النفوذ لدى الدولة الأخرى،حيث تكون لهذه الأجهزة صلاحيات خاصة في أمور
الحكم والعلاقات الخارجية والجمارك والموازنة العامة،ومثال ذلك سيطرة الولايات
المتحدة على دول منطقة الكاريبي وبدرجة أقل سيطرت ونفوذ الإتحاد السوفياتي على
العلاقات السياسية بين دول الكتلة الشرقية الملاصقة لها مع الدول الغربية في
أوروبا ومع الولايات المتحدة،كما خضعت الصين لمثل هذا النوع من السيطرة الخارجية
وذلك عندما قامت مجموعة من الدول لسنوات عديدة بتنظيم شئون الجمارك والتعريفات
الجمركية على البضائع الصادرة من الصين والواردة إليها حتى سددت الصين دينها
القومي.
العلاقات السياسية
الأخرى
إن إعتراف الدول بسيادة دولة معينة معناه إقرار من
المجتمع الدولي بسيادة هذه الدولة ووجودها وقدرتها على إقامة علاقات سياسية
متكافئة مع الدول الأخرى،وإقرار أيضا من الدول التي إعترفت بها بأن هذه الدولة
ليس لها إرتباطات سياسية خاصة تنقص من سيادتها في علاقاتها مع الدول الأخرى،ومع
ذلك كله فإنه توجد دول معترف بها دوليا
لكنها لا تتوافر على الأسس والشروط والقواعد الواجب توافرها فيها حتى تحصل على
الإعتراف،وسبب ذلك أن الدول صاحبة النفوذ عليها قد عملت على دعمها في المحافل
الدولية وإستغلت نفوذها لكي تكسب هذه الدولة الإقرار والإعتراف من جانب الدول
الأخرى،ومن خلال ذلك تحقق هذه الدولة واجهة شرعية من الإستقلال وإنعدام النفوذ
الخارجي،كما إن الدولة صاحبة النفوذ فيها تتصرف بحرية أكثر في ظل السيادة الشكلية
لهذه الدولة على أراضيها،ومثال ذلك ما فعلته بريطانيا مع مستعمراتها السابقة،حيث
كونت تنظيما سياسيا وإقتصاديا يجمع بين هذه المستعمرات السابقة والتي أصبحت دولا
مستقلة وسمته بالكومنولث البريطاني والذي كان الإنضمام له إختياريا،وقد عمل هذا
التنظيم على إعطاء ميزات إقتصادية للدول المشاركة فيه،ولكن بعض الدول الأخرى
إختارت في نفس الوقت الدخول في إتحاد كونفيدرالي مع المملكة المتحدة وهو إرتباط
سياسي لا يمس بالسيادة الداخلية للدول المشاركة فيه،ولكنه كان نوع من الإتفاق على
التشاور الدوري بين هذه الدول فيما يخص الشئون السياسية الدولية وعلاقاتها
الإقتصادية والسياسية مع بعضها البعض.
وكما نجحت بريطانيا في تكوين الكومنولث البريطاني نجحت
الولايات المتحدة الأمريكية في تكوين منظمة الدول الأمريكية،حيث أن نفوذ الولايات
المتحدة الأمريكية على دول هذه المنظمة يفوق بمراحل نفوذ بريطانيا على دول
الكومنولث البريطاني،كما أن التنظيمات العسكرية مثل حلف الأطلسي ومع أنه حلف
عسكري يربط دول شمال الأطلسي في أوروبا مع
الولايات المتحدة في إتفاقات دفاع مشترك وإجراءات أمن عالية وخاصة،فإننا نجد له
ظلال كثيرة على العلاقات السياسية بين هذه الدول بعضها والبعض وبين هذه الدول
منفردة وغيرها من دول العالم.
وأخيرا فإن إقرار العالم بالأسلوب الخاص والمتميز الذي
تتعامل به دولة،نجده أيضا مع دولة أو دول أخرى صغيرة،لأن لها مصالح معها،فإنه من الأفضل
أن تحكم هذه العلاقة إتفاقات بحيث أن لا تغفل إتفاق الدول على إقرار علاقة عالمية
معروفة في رابطة أو منظمة دولية هي منظمة الأمم المتحدة،وهي منظمة إنضمت إليها كل
دول العالم ووقعت على ميثاقها وإعترفت بنظام العمل بها وتحترم قراراتها وقبلت
الإنتظام والإشتراك في نشاطها كل دول العالم،ولكن ليست كل الدول في هذه المنظمة
توفي بالإلتزامات المطلوبة منها ودليل ذلك ما قامت وتقوم به إسرائيل في فلسطين المحتلة وتجاهلها التام لقرارات ونداءات
المجتمع الدولي ومن خلفها أمريكا الداعم الرئيسي لإسرائيل والمتحدي الأكبر
للقرارات الدولية.