سألني صديقي ونحن على شاطيء البحر عند الغروب: لماذا تحب القهوة وألحظك تتذوقها بمتعة تحسد عليها ؟
أجبته قائلا: ربما لأن في القهوة الكثير من المرأة والحب
قال: كيف ؟
قلت: تعال نستعرض الأمر وحدة وحدة وشفة شفة
قال: كلي آذان صاغية،هات يا فيلسوف القهوة
قلت: المرأة كالقهوة والقهوة كالمرأة - أذواق -
بعضنا يحبها حلوة ... وبعضنا يحبها مُرة
بعضنا يحبها خفيفة ... وبعضنا يحبها ثقيلة
بعضنا يحبها وسط ... وبعضنا يحبها عالريحة
البعض يحبها مغلية ... والبعض يحبها مزبوطة
آخر يحبها رايقة ... وآخر يحبها وعلى وجهها قشوه
واحد يحبها ساخنة ... والثاني يحبها فاترة
الثالث يشربها شفة شفة ... والرابع يشربها شفطا
الخامس تسمع صوته وهو يشفها ... والسادس يذوقها على الساكت
ضحك وقال: صحيح والله صحيح،أكمل جعلتني أعشق القهوة
قلت: الدنيا أمزجة
ناس يشربونها بفنجان كبير ... وناس يشربونها بفنجان صغير
ناس يمسكون الفنجان من وسطه ... وناس يمسكونه من أذنه
ناس يشربون الفنجان كاملا ... وناس لا يشربون إلا نصف الفنجان
ناس يشربون القهوة ويكتفون ... وناس يحملونها معهم بالترموس
ناس يشربونها في كل مكان ... وناس لا يشربونها إلا في بيوتهم
رجل يحب القهوة إفرنجية ... ورجل يحبها عربية
رجل يحبها نسكافيه ... وآخر يحبها كافي وبس
واحد يحبها مع حب الهيل ... وآخر يحبها كلها حب هيل ... والباقي لا حب ولا هيل
البعض يريدها على الطريقة الفرنسية ... آخرون على الطريقة التركية ... والباقي على الطريقة العربية البحتة
هناك من لا يشرب القهوة إلا إذا عرف نوع البن ... وهناك من يشربها كيفما كان البن
هناك من يبحث في البن عن ماركته العالمية ... وهناك من لا يهمه من البن إلا نكهته الأصلية
هناك من يشتري البن ليحمصه على يده ... وهناك من يشتريه مطحونا خالصا
هناك من يشتري كيس البن مقفلا ... وهناك من يشتري كيس البن مفتوحا
وبعد أن يشربوا القهوة ينقسمون إلى قسمين :
قسم يهوى قراءة الفنجان ليعرف الأسرار ويفك الرموز ... وقسم يضحك على القارئين
لأن رواسب القهوة مثل بعض النساء لغز لا سبيل إلى حله أبدا أبدا
قاطعني وقال: ولكن هناك نساء يدعِين معرفتهن بقراءة الفنجان
قلت: طبعا ... لأنه لا يفهم المرأة إلا المرأة،ولا تنسى يا صديقي أنه وبرغم محبتنا للقهوة لا بد أن نفهم أن الإفراط في كل شيء ضار إلاّ في الحب،فالإنسان كلما أفرط فيه أحس بجمال الدنيا وروعة العمر وخفايا نفسه
سألني: وأنت يا عاشق القهوة كيف تحب القهوة ؟
قلت : أحبها مزبوطة لا حلوة كالقطر ولا مُرة كالحنظل
سألني: مغلية أم عكرة ؟
قلت: مغلية جدا
سألني: رايقة أم على وجهها قشوة ؟
قلت: رايقة جدا
سألني: وإذا جاءتك وعلى وجهها قشوة ؟
قلت: أنفخ أو أمسح القشوة عنها حتى يعود إليها صفاؤها
سألني: وكيف تشربها ؟ شفة شفة أم شفطا
قلت: الذين يشربون القهوة شفطا هم الناس العاديين الذين لا يحسنون الإستمتاع بلذة الأشياء،أما الذين يشربونها شفة شفة فهم الفنانون الملهمون المقدرون لعظمة البن
قال: وهل يسمع الناس صوتك وأنت ترشف القهوة ؟
قلت: كانوا يسمعون صوتي عندما كنت صغير،أما الآن فلا يسمع حفيف فمي إلا فنجاني وحده
قال: وكيف تمسك بالفنجان ؟
قلت: من وسطه
قال: لماذا لا تمسك به من أذنه ؟
قلت: أبدا،فالفنجان كالزئبق الذي إذا تركته في راحتك إستقر في راحتك،أما إذا ضغطت عليه تسلل من بين أصابعك
سألني: وهل تشرب القهوة في كل مكان أم تشربها في بيتك وحده ؟
قلت: قد لا أشربها في بيتي وحده ولكنني لا أشربها في كل مكان
قال: أين تشربها إذن ؟
قلت: حيث يكون فنجاني
قال: كيف تفضل القهوة ؟ عربية أم أفرنجية
قلت: أفضلها حيث أحبها،فالوطن هو الحبيب والحبيب هو الوطن
سألني: والبن هل تفضل أن تحمصه على يدك أم تشتريه مطحونا خالصا ؟
قلت: أحمصه على يدي،حتى إذا إحترق كنت أنا المسؤول الأول والأخير
قال: ولماذا يحترق ! ألا تحسن التحميص ؟
قلت: ما من محمصاني إلا ويخطئ،حتى ولو كان أمهر الطهاة
سأل: وهل أنت من هواة قراءة الفنجان ؟
قلت: أنا من هواة الدراسة
قال: وهل تخرجت من المدرسة ؟
قلت: أبدا،فلا زلت تلميذا مجتهدا في معهد القهوة،ولا أريد أن أنتقل من صف لصف،حتى لا أصل إلى التخرج
قال: آه وبعدين ؟
قلت: القهوة هي المرأة والمرأة هي الحب والحب هو المرأة،وكلاهما كافيين الحياة ولذة الوجود،وصدقني فإن لذة الرجل تكون عندما يشتغل بالقهوة طائعاً مستسلما وسعيدا