قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الأحزاب السياسية بين الأهداف والتكوين

 الأحزاب السياسية بين الأهداف والتكوين

تعريف وأهداف الأحزاب السياسية

تتعدد التعريفات المختلفة للأحزاب السياسية وذلك كأي مفهوم من مفاهيم العلوم الإجتماعية، إلا أنه ومن خلال النظر لهذه التعريفات يمكن الإشارة إلى أن الحزب السياسي هو: (إتحاد بين مجموعة من الأفراد بغرض العمل معا لتحقيق مصلحة عامة معينة وفقا لمبادئ خاصة متفقين عليها، وذلك من خلال الوصول إلى السلطة وممارستها)، وللحزب السياسي هيكل تنظيمي يجمع قادته وأعضاءه، وله أيضا جهاز إداري معاون، كما ويسعى الحزب دائما إلى توسيع دائرة أنصاره بين أفراد الشعب.

هذا وتعد الأحزاب السياسية إحدى أدوات التنمية السياسية في العصر الحديث، فكما تعبر سياسة التصنيع عن مضمون التنمية الإقتصادية، فإن الأحزاب والنظم الحزبية تعبرعن درجة التنمية السياسية في النظام السياسي، وقد حافظت الأحزاب السياسية على أهميتها بالرغم من تطور مؤسسات المجتمع المدني، والتي اكتسب بعضها مركزا مرموقا على الصعيد الخارجي، لكن هذه المؤسسات لم تستطع أن تؤدي وظيفة الأحزاب في عملية التداول السلمي للسلطة، إضافة إلى وظائفها المتنوعة الأخرى في المجتمع وعلى الصعيد الدولي.

أما أهم أهداف الأحزاب السياسية فتمثل بالعمل على تنظيم إرادة قطاعات من الشعب وبلورتها، وتوفير قنوات للمشاركة الشعبية والصعود بمستوى هذه المشاركة إلى درجة من الرقي والتنظيم الفاعل، وذلك بشكل يسهل للأفراد طرح الأفكار واختيار البدائل للتفاعل السياسي، وبمعنى آخر فإن مهمة الأحزاب هي  سد الفراغ الناشب عن إحساس الهيئة الناخبة بالحاجة للإتصال مع الهيئة الحاكمة.

إضافة إلى أن الأحزاب السياسية تسعى دوما للحصول على تأييد الجماعات والأفراد بغية تسهيل الهدف المركزي من وجودها، وهو الوصول إلى السلطة والإستيلاء على الحكم بالوسائل السلمية، وفي هذا الشأن تقوم الأحزاب باختيار مرشحين لها في الإنتخابات لتمثيلها وتحقيق مبادئ محددة (هي مبادئ الحزب)، والعمل على خلق إدارة كيفية للرقابة على الحكومة وتشريع ما تريده من قوانين، وذلك لأن الأفراد لا يستطيعون بمفردهم القيام بهذا العمل، لا عن عجز ولكن لعدم توافر التنظيم والمعلومات اللازمة للقيام بذلك.  

تكوين الأحزاب السياسية

الأحزاب السياسية تم تكوينها في دول العالم بأشكال وأساليب مختلفة أهمها:

1- ارتباط ظهور الأحزاب السياسية بالبرلمانات ووظائفها في النظم السياسية المختلفة، إذ أنه مع وجود البرلمانات ظهرت الكتل النيابية التي كانت النواة لبزوغ الأحزاب، حيث أصبح هناك تعاون بين أعضاء البرلمانات المتشابهين في الأفكار والأيديولوجيات والمصالح، ومع مرور الوقت تلّمس هؤلاء حتمية العمل المشترك، وقد ازداد هذا الإدراك مع تعاظم دور البرلمانات في النظم السياسية، إلى الحد الذي بدأ نشاط تلك الكتل البرلمانية يظهر خارج البرلمانات من أجل التأثير في الرأي العام، وقد حدث ذلك في العديد من الأحزاب الأوروبية كما حدث في العالم النامي، وذلك مثل حالة حزب الحرية والإئتلاف العثماني الذي كان في الأصل مجرد كتلة للنواب العرب في البرلمان التركي عام 1911.

2- ارتباط ظهور الأحزاب السياسية بالتجارب الإنتخابية في العديد من بلدان العالم، وهي التجارب التي بدأت مع سيادة مبدأ الاقتراع العام عوضا عن مقاعد الوراثة ومقاعد النبلاء، حيث ظهرت الكتل التصويتية مع ظهور اللجان الإنتخابية التي تتشكل في كل منطقة من المناطق الإنتخابية بغرض الدعاية للمرشحين الذين أصبحوا آليا يتعاونون مع بعضهم البعض لمجرد الإتحاد في الفكر والهدف، وقد اختفت تلك الكتل في البداية مع انتهاء الإنتخابات، لكنها سرعان ما استمرت بعد الإنتخابات وأسفرت عن أحزاب سياسية تتألف من مجموعات من الأشخاص متحدي الفكر والرأي، أي أن بداية التواجد هنا كان خارج البرلمان ثم أصبح الحزب يتواجد داخله، وقد سعت هذه الأحزاب فيما بعد إلى تكوين هياكل تنظيمية دائمة لكسب الأعضاء ومراقبة عمل البرلمان والسلطة التنفيذية.

3- ظهور منظمات الشباب والجمعيات الفكرية والهيئات الدينية والنقابات، وقد سعت بعض هذه المؤسسات لتنظيم نفسها بشكل أكبر من كونها جماعات مصالح تحقق الخدمة لأعضائها، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك حزب العمال البريطاني الذي نشأ بداية في كنف نقابات العمال، وكذلك الحال بالنسبة لأحزاب الفلاحين وخاصة في بعض الدول الإسكندنافية، حيث كان أصل نشأتها الجمعيات الفلاحية، إضافة إلى ذلك فقد كان أساس تكوين بعض الأحزاب المسيحية في أوروبا هو الجمعيات المسيحية، أما في أمريكا اللاتينية فإنه لا يوجد أي أساس للنشأة البرلمانية للأحزاب السياسية، ولذلك فإن البحث في أصول الأحزاب هناك يركز على التحليل الاجتماعي والاقتصادي لأوضاع هذه البلدان بعد جلاء الاستعمار، وبما يعكس مصالح كبار الملاك والعسكريين والكنيسة، وكانت تلك هي اللبنة الأولى لظهور الرعيل الأول من الأحزاب السياسية هناك.

4- ارتباط تكوين الأحزاب السياسية (في بعض الأحيان وليس دائما) بوجود أزمات التنمية السياسية، فأزمات مثل الشرعية والمشاركة والاندماج أدت إلى تكوين العديد من الأحزاب السياسية، ومن الأحزاب التي نشأت بموجب أزمة الشرعية وما تبعها من أزمة مشاركة، الأحزاب السياسية الفرنسية التي نشأت إبان الحكم الملكي في أواخر القرن الـ18، بالإضافة إلى الأحزاب التي نشأت خلال الحكم الإستعماري الفرنسي في خمسينات القرن الماضي، أما بالنسبة لأزمة التكامل فقد أفرخت في كثير من الأحيان أحزابا قومية، وفي هذا الصدد يشار على سبيل المثال إلى بعض الأحزاب الألمانية والإيطالية، إضافة لبعض الأحزاب العربية التي جعلت من الوحدة العربية والفكرة القومية هدفا لها. 

5- ظهور الأحزاب السياسية كنتيجة لقيام بعض الجماعات بتنظيم نفسها لمواجهة الاستعمار والتحرر من نير الاحتلال الأجنبي، وهو الأمر الذي يمكن تلمسه على وجه الخصوص في الجيل الأول من الأحزاب السياسية التي ظهرت في بعض بلدان العالم العربي وأفريقيا.

وهكذا بدأ تكوين الأحزاب السياسية في العالم، وعلى هذه الأسس وبشكل أولي منذ نحو قرنين من الزمان تقريبا، ولكنها لم تتطور وتلعب دورا مهما إلا منذ حوالي قرن، وعلى الرغم من التباين في أسباب ودواعي النشأة والتكوين، إلا أن الأحزاب وبشكل عام كانت إحدى أهم آليات المشاركة السياسية ومن أهم أدوات التنشئة السياسية في المجتمعات، وذلك بالرغم مما قيل عنها في بداية النشأة من أنها ستكون أداة للإنقسام، وللفساد السياسي، وستفتح الباب عمليا أمام التدخل الأجنبي، وأنها ستكون مصدرا لعدم الاستقرار السياسي وانعدام الكفاءة الإدارية، وذلك كله على حد تعبير (جورج واشنطن) مؤسس الولايات المتحدة الأمريكية.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart