تطور القانون الدولي الاقتصادي وأهم مصادره
القانون الدولي الاقتصادي - International Economic Law هو مجموعة المبادئ والقواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية، والتي تحكم تنقلات الأشخاص واستثماراتهم، والتجارة الدولية للأموال، والخدمات وتمويل هذه النشاطات، بمعنى إن هذا القانون ينظم إقامة عناصر الإنتاج على الأرض الوطنية من أشخاص وأموال آتية من الخارج بما في ذلك التبادلات التي تتم بين المجالات الاقتصادية الوطنية المختلفة، وذلك تحقيقا لمبدأ تمتين التعاون الاقتصادي بين الدول والأمم والشعوب.
كما وتعد الدول والمنظمات الدولية أهم أشخاص القانون الدولي الاقتصادي، يضاف إليها أحيانا الشركات المتعددة الجنسيات، وذلك على الرغم من أن شخصيتها القانونية الدولية المستقلة لا تزال مثار جدل بين الفقهاء القانونيين اليوم، هذا ويتميز مفهوم القانون الدولي الاقتصادي بالحداثة نسبيا، وذلك بسبب تزايد أهمية العلاقات الدولية الاقتصادية وتطورها في عصرنا الراهن، فالنظام القانوني الذي يحكم هذه العلاقات تتصارعه منذ القرن التاسع عشر وجهتا نظر متعارضتان هما:
1-الليبرالية أو تحرير التجارة العالمية.
2-الحمائية أو تدخل الدولة في تنظيم العلاقات الدولية الإقتصادية.
بينما اكتفى ميثاق الأمم المتحدة بالنص في مادته الأولى والمادة /55/ على ضرورة تمتين التعاون الاقتصادي وحسن الجوار في العلاقات الاقتصادية بين الأمم، وبناء عليه تداعت الدول إلى وضع أطر قانونية محددة لتنظيم العلاقات الاقتصادية فيما بينها، والتي تؤكد غالبيتها على ما يبدو أفكار التحرر الاقتصادي، وبما أن القانون لا ينفصل بتاتا عن غيره من العلوم الأخرى، ومنها الاقتصادية وتحديدا ما يتعلق بالاقتصاد الدولي، فقد تطبّع القانون الدولي الاقتصادي المعاصر بروح وقواعد سيادة الحرية الاقتصادية، كما ولا يزال القانون الدولي الاقتصادي يتطور بصورة ملحوظة، لدرجة أن بعض مجالات تطبيقاته الأساسية بدأت تشكل فروعاً مشتقة منه، وبتسميات مختلفة أهمها:
ـ القانون الدولي التجاري - International Commercial Law: وهو الذي يهتم أساسا بتنظيم العلاقات الدولية التجارية مثل اتفاقات التبادل التجاري، وإقامة التكتلات والتنظيمات ذات الطابع التجاري كمناطق التجارة الحرة والإتحادات الجمركية، وخاصة ما يتعلق بالاتفاقية العامة حول التعرفة الجمركية والتجارة GATT وبمنظمة التجارة العالميةO.T.W.
ـ القانون الدولي المالي - International Fiscal Law: وهو الذي يتضمن أسسا قانونية محددة بهدف تنظيم القروض الدولية، والتمويل ودعم ميزان المدفوعات، والتأمين الدولي على تنقلات الأشخاص والأموال والبضائع، وخاصة ضمن نطاق صندوق النقد الدولي IMF والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير IBRD.
ـ القانون الدولي للتنمية - International Law Of Development: وهو الذي يعالج موضوعات مختلفة تهدف إلى تضييق الهوة بين الدول المتقدمة والدول النامية، وخاصة فيما يتعلق بنقل التقنية وتمويل مشروعات التنمية، والمساعدات الهادفة إلى تنمية الإستثمارات الأجنبية لدى الدول النامية وحمايتها.
وهكذا رأينا كيف يشكل القانون الدولي الاقتصادي فرعا من فروع القانون الدولي العام، لكن الفارق البين بينهما يتمثل في أن القانون الدولي العام هو ذو طبيعة حمائية بالدرجة الأولى، ومستقر بأكمله على فكرة ضمان استقلال وسيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، في حين يعد القانون الدولي الاقتصادي مستقرا على فكرة تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الدولي، وذلك مهما كانت العوائق المتوجب إزالتها، إضافة إلى تعميق روح التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول، وبما أن القانون الدولي الاقتصادي لا يهتم كثيرا بالطبيعة القانونية الدولية للشخص بقدر اهتمامه بمدى مساهمة هذا الأخير في الحياة الاقتصادية الدولية، لذلك فإنه يتلاقى مع القانون الدولي الخاص من حيث تطرقهما إلى موضوعات مشتركة كالوضع القانوني الاقتصادي للأجنبي وإستثماراته، والعقود الدولية، والتحكيم التجاري والشركات المتعددة الجنسيات، كما أن القانون الدولي الاقتصادي يهدف أساسا إلى إيجاد قواعد إسناد دولية موضوعية ومستقلة وموحدة، تحكم آلية تسوية النزاعات الناجمة عن علاقة دولية اقتصادية بين شخص دولي وبين فرد طبيعي أو إعتباري.
مصادر القانون الدولي الاقتصادي
تؤدي مصادر القانون الدولي العام، وخاصة تلك المنصوص عليها في المادة /38/ من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، دورا مهما في تكوين قواعد القانون الدولي الاقتصادي، إلا أن وجود مصادر مشتركة بين القانونين لا يعني توحدهما في التكييف والتطبيق، كما أن هنالك مصادر أخرى لها أهميتها القصوى للقانون الدولي الاقتصادي، وهي لا تتمتع بالأهمية ذاتها في مجال القانون الدولي العام، ومنها خاصة قرارات المنظمات والمؤتمرات الدولية، والتصرفات الإنفرادية للدول ذات التأثير الحاسم في تنظيم العلاقات الدولية الإقتصادية، أما المصادر الرئيسية للقانون الدولي الاقتصادي فتتمثل في:
1ـ الإتفاقيات الدولية: تأتي الإتفاقيات الدولية من دون منازع في قمة الهرم بين مصادرالقانون الدولي بفروعه كافة، ومن أمثلة الإتفاقيات الدولية ذات الطابع الإقتصادي:
أ-إتفاقيات بريتون وودز لعام 1944 المؤسسة لصندوق النقد الدولي والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير.
ب-الإتفاقية العامة حول التعرفة الجمركية والتجارة/الغات/ لعام 1947.
ج-إتفاقية مراكش لعام 1994 المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية.
كما توجد مئات الإتفاقيات الثنائية والجماعية التي تعقدها الدول بقصد التبادل التجاري وإقامة تكتلات اقتصادية، أو بغاية تلافي الإزدواج الضريبي، أو التخفيض والإعفاء من الرسوم الجمركية، إضافة إلى إتفاقيات القروض والتمويل، والمعونة الفنية والإستثمار وغيرها.
2ـ الأعراف والمبادئ العامة: توجد على المستوى الدولي أعراف ذات طبيعة اقتصادية أو تجارية أسهمت في تحديد بعض المبادئ العامة القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية، وذلك على الرغم من تشكيك الدول النامية في مدى إلزامية بعضها، وأهم هذه المبادئ تتلخص في السيادة الدائمة للدول والشعوب على ثرواتها الطبيعية، وحرية اختيار النظام الاقتصادي والاجتماعي للدولة، والمنفعة المتبادلة، والتعاون الدولي في مجال التنمية والتطوير، واستبعاد التمييز في العلاقات الدولية الاقتصادية، وشرط الدولة والأمة الأكثر رعاية.
3ـ قرارات المنظمات الدولية: بغض النظر عن الجدل الفقهي القائم حول إلزامية القرارات الصادرة عن بعض أجهزة المنظمات الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن تكرار المبادئ التي خصصتها هذه المنظمات العالمية والإقليمية والمتخصصة، أدت أيضا دورا مهما في تكوين الأعراف الدولية، وتحديد القواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية، وهنا لابد من التذكير بأهمية البيان الختامي لمؤتمر باندونغ لعام 1955عندما اقترح المؤتمرون تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد، وهذا الاقتراح جرت صياغة أحكامه العامة في الوثائق التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974، كما وأضيف إلى تلك الوثائق القرارات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية حول تحرير التبادلات التجارية الدولية، وقرارات المؤسسات المالية الدولية الهادفة إلى تمويل المشروعات الاستثمارية والخدمية للدول النامية، وتحقيق التوازن في سعر الصرف والمدفوعات، بالإضافة إلى الوثيقة الختامية لمؤتمر هلسنكي لعام 1975 حول الأمن والتعاون في أوروبا، وكذلك قرارات الوكالات الدولية المتخصصة والتكتلات الاقتصادية المختلفة.
4ـ اجتهادات المحاكم والفقه القانوني: وهي تشكل مصدرا استدلاليا للقانون الدولي الاقتصادي، وذلك مع أن دورها في القانون الدولي الاقتصادي أقل منه في القانون الدولي العام.
5ـ التصرفات الانفرادية للدول: لا ينازع أحد بأن القوانين والقرارات الوطنية المتعلقة بتنظيم الاستثمارات الأجنبية وتشجيعها، أو رفع العملة الوطنية وتخفيضها هو من صميم الاختصاص الداخلي للدولة، لكن لا يستطيع أحد أن ينكر أيضا أن مثل هذه التصرفات السيادية الانفرادية لا يمكنها سوى أن تؤثر مباشرة في علاقات الدولة الاقتصادية مع غيرها من الشركاء التجاريين، وخاصة فيما يتعلق بتدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال الخارجية، وفيما يتعلق بمستوى صادرات ومستوردات الدولة، فإن الدول تعتمد عادة تشريعات متماثلة للاستثمارات الأجنبية، ونماذج محددة للعقود الدولية تسهم في تطور قواعد القانون الدولي الاقتصادي.