قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

كيف سحب أردوغان البساط من تحت الجيش في تركيا

كيف سحب أردوغان البساط من تحت الجيش في تركيا

عندما وصل أردوغان إلى السلطة في تركيا، لم يكن عدوه الأساسي أحزاب المعارضة كما هو الحال عادة في أي بلد ديمقراطي يتنافس فيه السياسيون عبر صناديق الانتخاب، بل كان الخصم الأكثر أهمية وخطورة هو الجيش، حيث كان الجيش التركي هو الحامي والمدافع الأساسي والرئيسي للعلمانية في تركيا، كما ويعتبر أحد أقوى الجيوش في العالم، ويحتل مرتبة متقدمة على مستوى العالم في الإنفاق العسكري، إضافة إلى أنه يحتل المرتبة الثانية في الناتو بعد الجيش الأمريكي، وعلى الرغم من كل ذلك إلا أن أردوغان نجح في الإصلاح التدريجي للنظام العلماني السائد في تركيا لعقود، وصولا إلى سحب البساط من تحت الجيش في تسيير الدولة والتدخل في السياسة والحكم.


لقد كان هناك عشرات المحطات من الصراع بين أردوغان والجيش، وأهم وأبرز هذه المحطات بدأت بعد خمسة أشهر فقط من وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2003، حيث صدر أول بيان للجيش يشدد فيه على ضرورة حماية مبادئ العلمانية، إلا أنه وبعد ثلاثة أشهر أخرى وافق البرلمان على إصلاحات تاريخية لتقليص نفوذ الجيش في السياسة، بحيث كان عذر أردوغان في هذه الخطوة هو الاستجابة لمتطلبات الاتحاد الأوروبي من أجل الانضمام إليه، وكانت هذه واحدة من أذكى وأقوى ضربات أردوغان لمؤسسة الجيش طوال فترة حكمه، حيث ضرب في نفس الوقت الغرب والجيش والمعارضة العلمانية ضد بعضهم البعض.


هذا ولم ينتهي عام 2003 حتى رفع أردوغان السرية عن مجلس الأمن القومي الذي يسيطر عليه الجيش، وبعد صبر الجيش على أردوغان لمدة عامين ونصف، انفجر ودعا إلى احتجاجات علمانية حاشدة، مستغلا مقتل قاضي علماني على يد محامي إسلامي، وانتقد هنا أردوغان وحزبه تدخل الجيش بشدة، أما في أبريل لعام 2007 هدد الجيش حزب العدالة والتنمية بانقلاب، كما وحشد العلمانيون أنصارهم في مظاهرات حاشدة، وبعد شهرين من ذلك اكتشفت الحكومة أول مخطط الانقلاب وتم اسقاطه، ونفى الجيش علمه بالمؤامرة على الرغم من إلقاء القبض على العشرات من المتورطين في هذه المحاولة الانقلابية، وكل ذلك كان يتم بموجب القانون وتحت سلطة القضاء.


كشفت الصحافة في منتصف عام 2009 عن خطة انقلابية أخرى والجيش نفاها أيضا، ثم تم اكتشاف خطة لاغتيال أردوغان، لكن أردوغان هنا كان يستخدم دائما شعرة معاوية عندما يقترب الحبل من رقبته، بحيث كان يخرج إلى وسائل الإعلام بعد كشف كل مخطط، ويتحدث لساعات عن الديمقراطية والحقوق والقوانين والنظام العلماني في تركيا، كما وينزل أنصاره إلى الشوارع لدعمه، ثم تهدأ الأمور ويهدأ الشارع، ويعلن أن علاقته بالجيش بخير ويتصافح مع الضباط وقادة الجيش أمام الكاميرات.


أما في مطلع عام 2010 فقد كشفت الصحافة عن مخطط انقلاب تم تدبيره عام 2003، أي منذ العام الأول للحكم، وشمل على سلسلة تفجيرات وعمليات إرهابية واغتيالات، وهنا وجد أردوغان فرصة جديدة لاعتقال وتسريح العشرات من أعدائه في الجيش وتعيين ضباط موالين له، ونلاحظ هنا كيف استخدم أردوغان كل مخطط أو محاولة انقلابية تم كشفها ضده بضربة مضادة ضد خصومه، وهكذا وفي العام نفسه قام أردوغان بترقية مستشاره الشاب، حقان فيدان، ليصبح رئيس المخابرات، حيث كان رجله الأمين في هذا المنصب المهم، وقال أردوغان للصحفيين أكثر من مرة بشأنه: (لقد احتفظ بأسراري، واحتفظ بأسرار الدولة).


هذا وفي عام 2011 تمت محاولة جديدة للإطاحة بضباط كبار في الجيش والمخابرات وتسريحهم وسجنهم، أما في عام 2012 فقد وصلت قوة أردوغان إلى نقطة محاكمة الضباط المتقاعدين الذين نفذوا انقلابات سابقة منذ 1980، وخلال هذه الفترة كانت هناك موجات شبه شهرية من المحاكمات والاعتقالات، وتسريح المئات من ضباط الانقلاب القدامى والجدد، كما كان من المهم بث محاكمات مذلة لهؤلاء على التلفزيون ونشرها في كل وسائل الإعلام، وذلك حتى يشعر الناس بالفخر ويحتشدون بقوة خلف رئيسهم القوي.


يمكننا القول أن أردوغان تمكن أخيرا من احتواء الجيش تماما في عام 2013، وذلك حين عدّل مجلس النواب قانونا صدر بعد الانقلاب الأول على عدنان مندريس، أول رئيس وزراء تركي أعدمه الانقلابيون، والذي يسمح للجيش بحماية العلمانية، وأصبح دور الجيش هو الدفاع عن المواطنين ضد التهديدات الخارجية، وليس إصلاح الجمهورية التركية وحمايتها، هذا وبعدها وعلى الفور، أجرى أردوغان تغييرات كبيرة في قيادة الجيش وعين جنرالات موالين له في أعلى المناصب، وظهرت نتيجة ذلك في نفس العام، وذلك حين دعت المعارضة إلى مظاهرات حاشدة لإسقاط أردوغان بحجة اكتشاف الفساد في الحكومة ومحاولة أسلمة الدولة، لكن الجيش هنا أصدر لأول مرة بيانا قال فيه إنه لن يتدخل في السياسة، وذلك مع أن الشوارع كانت تعج بالمظاهرات لأشهر ولكن دون جدوى، حيث وجدت المعارضة نفسها للمرة الأولى بدون دعم قوي من الجيش.


أما في عام 2014 فقد حوكم الجنرال المتقاعد، كنعان إيفرين، البالغ من العمر 96 عاما، وذلك لأنه قاد الانقلاب العسكري عام 1980 على مندريس وشنقه، وكان الأتراك يتابعون المحاكمة ويذرفون دموع الفرح، وأنه كيف أطال الله تعالى بعمر هذا الطاغية ليذوق الذل قبل أن يموت، إلا أنه وفي الوقت نفسه كان القضاء يفرج عن عشرات الضباط لعدم وجود أدلة على تورطهم في الانقلاب على أردوغان، وفي عام 2015 تم تعيين الجنرال، خلوصي أكار، رئيسا لأركان الجيش، وأوميت كان دوندار، قائدا للجيش الأول، وكلاهما موال لأردوغان، وهكذا أصبح معظم القادة الكبار في الجيش خارج إطار العلمانية المتطرفة.


قد يظن البعض أن الرئيس القوي أردوغان سيكون مرتاحا الآن بعد كل هذه الإنجازات، لكن في تموز 2016، انطلقت أقوى وأخطر محاولة انقلاب عسكري ضد أردوغان، حيث وصفت السفارة الأمريكية في أنقرة منذ الساعات الأولى لمحاولة الانقلاب أن ما يجري هو انتفاضة تركية حقيقية، كما وظلت وسائل الإعلام الغربية والعربية متحفزة، حتى أن بعضها بدأ بالاحتفال بسقوط أردوغان ونشر الأكاذيب الصريحة حول ما يحصل، وذلك مثل طلب أردوغان للجوء وهربه من البلاد.


لكن أردوغان وقف حازما أمام هذه المؤامرة وأصرّ على أنه لن يفر كما رغب خصومه، كما ساعده على ذلك ولاء الضباط الذين أفلح في وضعهم في قيادة الجيش والمخابرات، إضافة إلى نزول الآلاف إلى الشوارع من أنصاره وخصومه رفضا لأي محاولة إنقلابية جديدة في البلاد، كل هذا ساعد في إسقاط المحاولة في ليلة واحدة فقط، وأعطى أردوغان أكبر فرصة للقضاء على كل خصومه الباقين، والملاحظ هنا أن أعداء أردوغان لم يعودوا العلمانيين فقط كما كانوا منذ عهد أتاتورك، بل جاء الاختراق هذه المرة من حلفاء سابقين ودينيين، وهم جماعة فتح الله غولن، وهو الداعية السياسي التركي، والذي كان شيخ طريقة وقائد جماعة، مزج التصوف بالسياسة، حيث حارب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وأيد العسكريين وتحالف مع العلمانيين ضده.


هذا وإن التحقيقات في محاولة الانقلاب كشفت في غضون أيام أن طائرتين أقلعتا من قاعدة إنجرليك الأمريكية لتزويد طائرات إف -16 بالوقود خلال الانقلاب، كما حاول رئيس القاعدة التماس اللجوء في أمريكا، لكن الأمريكان رفضوا التورط في هذه المسألة، ثم اعترف قائد منطقة هاتاي العسكرية أن التخطيط ظهر قبل ثلاثة أشهر في قاعدة إنجرليك الجوية بحضور ضباط أمريكيين، كما وكانت هناك مؤشرات على أن روسيا وإيران كانتا على علم بالأمر، وأنهما بدآ بالتخطيط لسيناريوهات لمستقبل سوريا بعد الإطاحة بأردوغان، كما تضمن الانقلاب خطة لاغتيال أو اعتقال أردوغان.


لهذا وفي اليوم التالي لمحاولة الانقلاب، وقبل أن يتهم أي شخص أمريكا، صرح وزير الخارجية، جون كيري، أنه لا علاقة لهم بالانقلاب، ثم هدد بتوتر العلاقات إذا اتهموا أمريكا، كما ووصلت تصريحات غربية مثل السيل الهادر، مطالبة أردوغان باحترام حقوق الإنسان وعدم توسيع اعتقال خصومه من جماعة فتح الله غولن، أي بدلا من تهنئته على سلامة البلاد من الفوضى والانقلاب على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، سارعوا إلى إدانته وتهديده منذ اللحظة الأولى، وكأنهم يقولون له أن خصومك يا أردوغان هم جماعتنا ولن نسمح لك باعتقالهم، طبعا لم يأبه أردوغان لذلك وأطلق أكبر حملة اعتقالات وتسريح في ظل دعم شعبي غير مسبوق له ولحزبه، كما ولا تزال أمريكا ترفض تسليم غولن لتركيا.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart