قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مراحل توجه حكم أردوغان نحو الهوية الإسلامية

مراحل توجه حكم أردوغان نحو الهوية الإسلامية 

حاول أردوغان تحريك المجتمع التركي نحو هويته الإسلامية منذ توليه منصب رئيس بلدية اسطنبول في عام 1994، وذلك حتى قبل أن يؤسس حزبه العدالة والتنمية، حيث أن إصلاحات أردوغان في المجتمع التركي بدأت منذ التسعينيات، والتي بذل فيها قصارى جهده لإغلاق أكبر عدد ممكن من نوادي القمار وبيوت الدعارة، وقدم المساعدة للبغايا اللواتي يرغبن في الإقلاع عن الدعارة وإيجاد حياة كريمة، كما تجرأ على حث الناس على الصلاة في المساجد وصولا إلى دعوته لصلاة الاستسقاء في جميع مساجد اسطنبول عند تأخر موسم الأمطار.


أما محاولات أردوغان لتعديل القوانين العلمانية في تركيا، فقد بدأت بعد عامين تقريبا من وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، ففي عام 2004 اقترح أردوغان في البرلمان تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وحظر الدعارة، وهنا تمرد عليه النظام العلماني على الفور وانتفض العلمانيون ضده، كما وأبلغه الاتحاد الأوروبي أنه لا توجد دول في أوروبا تجرم الخيانة الزوجية، وأن هذا يعتبر تخلفا، بل إن الخيانة حق من حقوق الإنسان، ولأن أردوغان كان في حاجة ماسة إلى اكتساب المزيد من الشرعية من خلال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، سحب الاقتراح وأرجأ إصلاحاته حتى يتمكن من الاستيلاء على المزيد من السلطة.


بداية هيمنة التأثير لصالحه جاءت بعد انكشاف خطة انقلابية ضده عام 2010، حيث وجد أردوغان في ذلك فرصة سانحة لاعتقال وتسريح العشرات من أعدائه في الجيش، وهنا وفي نفس العام بدأت الإصلاحات الاجتماعية والقانونية تظهر أكثر فأكثر، فمثلا الحجاب كان ممنوعا قانونا في المؤسسات التعليمية والحكومية لعقود، لكن في هذا العام بدأ رفع الحظر في الجامعات، ثم في المؤسسات الحكومية في عام 2013 وفي الثانوية عام 2014، ثم في قوة الشرطة عام 2016 وأخيرا في نفس الجيش الذي كان حامي العلمانية المتطرفة عام 2017، وهكذا حتى وصل الأمر إلى أن أصبحت معظم وسائل الإعلام الحكومية في تركيا ذات طابع محافظ تقريبا، رغم الانتقادات الشديدة من العلمانيين في الداخل والخارج.


وهكذا بدأ أردوغان وبعد عام 2010 بامتلاك المزيد من مفاصل السلطة من وضد العلمانيين، بحيث أصبح أغلب الجيش والمخابرات خلف الرئيس، والمعارضة ليس لديها سوى الخطب والإعلام وصناديق الاقتراع كما في أي دولة ديمقراطية، ولم يعد يخشى المضي قدما في إصلاحاته وتغييراته، كما وشنت وسائل الإعلام الغربية حملة ممنهجة ضده، وذلك بعد قطع العلاقات مع إسرائيل في عام 2011، حيث بدا واضحا منذ ذلك الوقت أن ورقته قد احترقت بالكامل في الغرب، ولم يعد واحد من الإسلاميين الجدد الذين يريد الغرب في دعمهم والتحالف معهم.


هذا ونجح أردوغان في عام 2013، وبعد نقاش طويل في البرلمان بإصدار قانون يحظر بيع الكحول في الليل، وكذلك قرب المدارس والمساجد، كما وحظر إشهارها في وسائل الإعلام، وهنا عادت وأطلقت وسائل الإعلام الغربية والعلمانية صيحات الاستهجان وتحدثت عن أسلمة أردوغان للدولة، كما تمكن الحزب بعدها من مضاعفة الضرائب على الكحول للحد من تجارتها وانتشارها، حتى أنه وفي عام 2015 تم إلغاء مهرجان سنوي كبير للكحول في أضنة، وبالطبع انتفضت مرة أخرى وسائل الإعلام العلمانية والغربية على الفور.


أما في عام 2014 فقد تم إدخال مناهج التربية الدينية الإسلامية في المدارس الحكومية، وعندما احتج العلمانيون، قال عصمت يلماز، وزير التربية والتعليم، الموالي لأردوغان، إن القانون يأتي استجابة للمطالب الشعبية، فردوا عليه أن الحكومة هي التي تقود هذه المطالب وليس مجرد الاستجابة لها، أي أن حكومة العدالة والتنمية لديها خطة لتثقيف الجيل حول الدين والتدين، كما وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري (حزب أتاتورك): (نوايا أردوغان الحقيقية هي إنهاء الاختلاط في التعليم ككل)، وهذه مؤامرة خطيرة على علمانية تركيا!!.


هذا وعلى مرّ السنين بعدها استطاع أردوغان وأنصاره تعديل العديد من المناهج الدراسية، وإدخال مفاهيم الجهاد والشهادة في سبيل الله تحت مسميات الدفاع عن الوطن، ثم التخلص من وجهة النظر الأوروبية والغربية عموما في التاريخ وقرارات حقوق الإنسان، واعتماد مصادر التاريخ الإسلامي وإدراج اللغة العثمانية كموضوع إلزامي، وذلك حتى تجرأ وزير التعليم على القول إن نظرية التطور الداروينية لم تكن صحيحة علميا ويجب استبعادها من المناهج الإسلامية.


استمر الأمر على هذا النهج وذلك بافتتاح أردوغان في عام 2014 وحده حوالي 73 مدرسة دينية لتخريج الأئمة والخطباء كان قد أغلقها العلمانيون في التسعينيات، وكانت الصحافة العلمانية تشكو وتبكي كل يوم، وفي عام 2015 عين أردوغان الرجل المحافظ، إسماعيل كهرمان، رئيسا للبرلمان، حيث كان هذا الرجل وزيرا للثقافة في عهد أربكان لفترة وجيزة قبل الانقلاب، ولم يخجل كهرمان من القول بضرورة إزالة كلمة علمانية من الدستور، وأن يكون دستورا دينيا يشار فيه إلى الله تعالى، ويعتبر هذا البيان بمثابة قنبلة نووية في تركيا، ومع ذلك بقي إسماعيل كهرمان رئيسا للبرلمان، الذي يقرّ التعديلات والقوانين في ولاية حكم أردوغان، وفي العام نفسه دخلت 21 سيدة محجبة البرلمان التركي مرتدين الحجاب لأول مرة.


كما تمكن أردوغان أخيرا من وضع مديرية الشؤون الدينية المعروفة باسم (ديانت) التي أسسها أتاتورك عام 1924 لتنظيم الخدمات الدينية مع إدارة علمانية، تحت سلطته المباشرة كرئيس، وكان مديرها، علي أربش، يشارك في المناسبات العامة إلى جانب أردوغان، وفي كل فترة كانت تصدر هذه المديرية فتاوى وقرارات جديدة تتعلق بالمدارس الحكومية والتعاليم الدينية المطلوب تنفيذها والتوجه نحوها، مستغلة بذلك الرئيس نفسه رغم غضب ومعارضة العلمانيين لتوجهاتها.


هذا وأوضح أردوغان في عام 2016 وخلال فترة توليه رئاسة الوزراء أنه سيعمل مع وزرائه على خلق جيل يعرف دينه، ونلاحظ هنا أن أردوغان صرح صراحة أن لديه خطة لزيادة تدين المجتمع وليس فقط منحه حرية الدين، وكلماته هذه دفعت بعضهم إلى الجنون طبعا، لكنه دافع عن ذلك قائلا إن الحكومة ستقدم نفس الخدمات للمتدينين وغير المتدينين على قدم المساواة، وإنها ما زالت تخدم حتى من يهينها ويعترض عليها، كما أشار إلى ازدواجية العلمانيين، والذين لم يكن لديهم مشكلة في حرب الحكومة ضد الدين والتدين منذ أيام أتاتورك، واليوم يصرون على أن الحكومة ليس لها الحق في التدخل في الدين عندما يكون النهج معاكسا.


كما وأطلق أردوغان يد الشرطة الوطنية منذ عام 2017 لملاحقة العلمانيين المتطرفين الذين يسيئون للإسلام، مذكرا أن بعض الأتراك عندما كانوا يعبرون صراحة عن رفضهم للعلمانية، هذا الرفض كان يعرضهم للعقاب قبل حكم أردوغان، وهنا بالطبع انتفض كثيرون في الغرب للتنديد بقمع حرية التعبير، لكن وفي نفس العام ألزمت الحكومة المدارس المنشأة حديثا بتخصيص غرف للصلاة، وتجرأ لأول مرة بعض المسؤولين في إدارات التعليم على اصطحاب أولادهم والطلاب إلى المساجد بلا خوف أو خجل.


هذا وقبل الانتخابات الرئاسية المبكرة في 2018 والتي كرست النظام الرئاسي، نشرت صحيفة (شفق) تقريرا عن التدخل الأمريكي في الانتخابات ودعم المعارضة العلمانية، كما تم فتح ملف دعم أمريكي للمعارضة في انتخابات 2014، وهنا نجح أردوغان وحزبه مرة أخرى في استغلال ذلك كله، حيث أصبح في يديه معظم السلطات في البلاد، وذلك بعد أن فاز برئاسة الجمهورية، وهنا عاد أردوغان ليفتح موضوع الدعارة مرة أخرى، وقال بصراحة للبرلمانيين من المؤيدين والمعارضين، أنه سيكون من المناسب للغاية مناقشة قضية الدعارة مرة أخرى، لأن المجتمع التركي في وضع مختلف تماما ومعارض للقيم الأخلاقية الغربية، كما وقال أيضا أننا ارتكبنا خطأ عندما اتخذنا خطوة في هذه القضية تماشيا مع مطالب الاتحاد الأوروبي، وكان يقصد التراجع عن الاقتراح عام 2004، وبالطبع لم يسكت العلمانيون والمعارضون، وقالوا خلال الجلسة إن البرلمان ليس له الحق في مناقشة القضايا المتعلقة بخصوصية الناس!!.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart