المجتمع المحلي - العدوانية - التقليد
- التوحد
المجتمع المحلي
إن الشخصية الإنسانية تتشكل منذ الولادة،حيث يبدأ الطفل
بتعلم أسماء عدد من الناس وبعض صفاتهم،ومنها يبدأ في إكتساب المعرفة بالكثير من
الأدوار التي يتخذها هؤولاء الناس،وقد ينمي علاقات عميقة مع بعض الأفراد وحتى مع
بعض الجماعات مما يؤثر على تكوين عادته في الحكم والفعل،وهذه العلاقات هامة سواء
من حيث تأثيرها المباشر على الأفعال اللاحقة أو كمصدر لنماذج للسلوك.
وقد بين كل من روجرج ج باركر وهربرت ف رايت أن شخصية
الفرد تتشكل جزئيا من خلال مواجهاته العديدة مع الخصائص المستعصية للتغيير في
المواقف العامة لمجتمعه المحلي،وأن الناس أكثر قابلية للتغيير من المواقف نفسها،كما أنه من الأسهل على الأفراد أن يتماشو مع التفرقة التقليدية بين الناس المتوقعة
في بعض المواقف من أن يغير الموقف نفسه.
كما وأظهر باركر ورايت أنه يمكن أن تتعدد المواقف العامة
في المجتمع المحلي،حيث يتم معالجة كل واحدة منها كوحدة علمية لأغراض الدراسة
الإجتماعية النفسية،وبعد فحص كل المواقف ووصفها يتم مقارنتها للبحث عن أوجه الشبه
حتى يمكن عزل الوحدات الأكثر تميزا،وإن لم تكن بعض الوحدات على درجة كافية من
التميز،يسمح بالإحتفاظ بها كمواقف منفصلة تخضع للتحليل،وعلى الرغم من أن مواقف
السلوك الأكثر مقاومة قد تتغير مع الزمن إلا أن البشر الأقل صلابة القائمين
بالموقف يتغيرون وفقا للبيئة مباشرة،وإن كل موقف يتطلب عدد أمثل من المشتركين،وعندما يقل عدد المشتركين عما ينبغي،فإن هؤولاء القليلين يكونون أكثر عرضة للضغط،كما أنهم يقعون تحت ضغوط ذات إتجاهات أكثر تنوعا.
العدوانية
لقد إهتم الباحث ليونارد دوب وزملاؤه كثيرا بالعدوانية،فقد
قاموا بصياغة مبدأ محدد للسلوك يربط بين الإحباط والعدوانية،حيث أن شكلا من أشكال
الإحباط يسبق السلوك العدواني وإن كانت الإحباطات لا تؤدي دائما للعدوان ولكنها
تنحو نحوها،لأن سلوك آخر مثل المطاوعة قد يتصارع معها أو يتعارض مع التعبير عنها،وقد أظهرت الأبحاث حول تطبيق هذا المبدأ أنه مجدي ولكن مع فرض أن الإحباط لا يعالج
عددا من الأمثلة العدوانية بطريقة مباشرة،حيث أن بعض الناس عندما يصابون بالإحباط
فإنهم قد يعبرون عن العدوان بصورة أسرع مما يفعل البعض الآخر،فهل هذا مرده إلى
إحباطات سابقة مثل العقوبات أو أن المكافآت على العدوان قد لعبت دورها هنا،وفي
الواقع أن إحدى المشكلات التي تواجه علماء النفس الإجتماعيين هي تحديد المؤثر
الأقوى على السلوك البشري،فهل هو خفض دافع الصراع (للبحث عن الإتساق الداخلي) أم هل
هو الآثار المباشرة للثواب والعقاب،ومن هنا يتبين أن للعدوان منافذ كثيرة وغالبا
ما يتعرض للنقل،فقد تزيد أو تقل درجته وفي بعض الأحيان يسقط،فالعدوان ليس ظاهرة
واحدة بسيطة،ومن الأشكال المختلفة للعدوان،العدوان المضاد للمجتمع،العدوان
المخفف،العدوان على النفس والعدوان المسقط،كما أن هناك فروق جنسية وعمرية في
الميول العدوانية،فربما كانت هذه الفروق وراثية أو أنها تعكس الطرق المختلفة
للتنشئة.
التقليد
لقد كان من الشائع في وقت من الأوقات التفكير في التقليد
بإعتباره العملية النفسية الإجتماعية العامة والبسيطة والمهيمنة التي يمكن أن تفسر
معظم السلوك الإجتماعي للبشر والحيوانات،كما قيل أن التقليد جزء من الطبيعة
البشرية وميل غريزي للقيام بما يقوم به الآخرين وهذا الإفتراض البسيط يخفي ورائه
التعقيد،فقد نظر كلا من نيل ميللر وجون دولارد إلى التقليد كشكل من أشكال التعلم
الإجتماعي وأنه ليس تقليد بسيط وفطري،ومنه يمكن أن تنقل الثقافة أحيانا عبر
التقليد من الأفراد كبيري السن إلى من هم أصغر وذلك من خلال آداب
السلوك،المهارات،الألعاب،اللغة،العادات والأساليب المختلفة،وإن مثل هذه الفروق في
إدراك الإشارات بين الأفراد قد تكمن وراء الخلافات التي تنشب بين الأجيال.
التوحد
يرتبط التوحد إرتباطا وثيقا بعمليتي التقليد والتنشئة
الإجتماعية البديلة،وفي الحقيقة غالبا ما لا تتميز هذه العمليات الثلاث كما لا توجد
حتى الآن مصطلحات معيارية تؤدي إلى ذلك،فقد نشأت فكرة التوحد جزئيا من النظرية
الفرويدية،بل إن بعض الباحثين يشعرون بأن هذا المصطلح يجب أن يطبق فقط على
الظواهر الغريبة إكلينيكيا والتي هي لا شعورية بصورة واضحة،ولكن بالنظر إلى التوحد
كعملية منفصلة عن علم النفس المرضي،حيث عندما يسلك طفل كما لو أنه يشعر ويفكر كشخص
آخر معين فهنا يمكننا ملاحظة عملية التوحد،وفي هذا السياق كوّن جون هواينتج نظرية
تقوم على الحسد وذلك لأن الطفل (كل الناس) يريد أن يصبح مثل الشخص الذي يحسده،فإنه
يبدأ بطريقة مستترة في ممارسة أدوار الذين يحسدهم،ويدخل الشخص في تخيلاته وأحلام
يقظته هؤولاء الذين يلبون رغباته عادة ويؤسسون قيمه وإن لم يكن هؤولاء الأفراد
بالضرورة في بؤرة الإحساس بالحسد،حيث يظهر هؤولاء الأفراد في التخيلات في أدوارهم
المألوفة كملبين وليس كأشخاص يريد الطفل أن يكون مثلهم أو يحل محلهم،وبالطبع مع
وجود فجوة كبيرة بين الممارسة المستترة لدور الشخص الذي يتوحد المرء معه وبين
القيام به بصورة ظاهرة .
وعلى الرغم من أن عملية التوحد تؤثر على الطفل طوال
حياته إلا أنها تكون قوية على وجه خاص في السنوات الأولى لعملية التنشئة
الإجتماعية،وذلك عندما يظهر للطفل أن شخصا أو شخصين لهما السيطرة على حاجاته
وقيمه،كما ولا يحدث التوحد في أي مرحلة من مراحل الحياة الأخرى،فيما عدا الظروف
المتطرفة عند أشخاص قلائل،وإذا ظهر مثل هذا الموقف ثانية فإن الظروف عندئذ تكون
ملائمة لحدوث تغيرات جوهرية في الشخصية.