أصل الدولة ومبررات نشأتها
أصل الدولة
ويقصد بأصل الدولة مبرر وجودها وسبب قيامها وتعليل نشأتها وخاصة بعنصرها الهام وهو الحكومة، وقد مرت الدولة في تطورها التارخي بست مراحل متتالية هي :
1-مرحلة الدولة القبلية والتي بدأت منذ الأزل وإستمرت حتى سنة 300 ق.م.
2-مرحلة دولة الإمبراطورية الشرقية القديمة ،حيث سادت عدة إمبراطوريات في الشرق في الفترة 300 ق.م -1000 ق.م.
3-مرحلة دولة المدينة، حيث كان نموذج الدولة الصغيرة جدا (المدينة) هو السائد في الفترة 1000 ق.م -300 ق.م.
4-مرحلة الإمبراطورية الرومانية وإستمرت في الفترة 300 ق.م -500 م.
5-مرحلة الدولة الإقطاعية وإستمرت في الفترة 500 م-1800 م.
6-مرحلة الدولة القومية وبدأت منذ سنة 1800 م ومازالت مستمرة وقائمة حتى الآن.
ونعتبر الآن في عصر الدولة القومية،ولكن وجدت أطوار أخرى عبر كل مراحل التاريخ والعصور ففي العصور الوسطى وجدت الدولة الإسلامية كإمبراطورية كبيرة موحدة في الوقت الذي كان فيه نموذج الدولة الإقطاعية هو السائد في أوروبا.
-أهم التفسيرات والإفتراضات التقليدية المفسرة لنشأت الدولة :
أ-التفسير الديني (الثيوقراطي) : والذي يعتبر أصل الدولة يعود للخالق فهو موجد كل شيء، فهو الذي أوجد الدولة وإصطفى لكل منها حكام يحملون إدارتها وسياستها وقد ساد هذا الإعتقاد في العصور القديمة والوسطى، وكان التسليم بأن الحكام مخولين من قبل الإله للحكم بل وذهب بعض الحكام إلى إعتبار أنفسهم آلهة ولهذا كان لا يجوز معارضتهم وكانت طاعتهم واجب مقدس، ومن ثم تحول هذا الإفتراض إلى فكرة الحق الإلهي غير المباشر ويعني ذلك أن الخالق لم يصنع السلطة مباشرة بل تدخل بشكل غير مباشر في إقامتها وذلك بتوجيهه للأحداث والأمور إلى وجهة معينة نتج عنها تولي حكام معينين زمام الأمور والسلطة، ولكن هذا التفسير لم يعد مقبولا الآن لأن معظم شعوب العالم تؤمن بأن الله هو خالق كل شيء ومدبره ولكنها تحتفظ بحقها في إقامة ما ترضاه فعلا من حكومات.
أما المسلمون فيؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق كل شيء ومدبر كل أمر،ولكن الإسلام ينكر تقديس أي شخص ويحرم إعطاء أي إنسان إمتيازا وراثيا،ولكنه يعطي المسلمين الحق كاملا لإختيار حكامهم ممن ترضى غالبية المسلمين دينهم وأمانتهم.
ب-فكرة ضرورة إشباع الحاجات : وتفترض هذه الفكرة أن سبب قيام الدولة هو أن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده وحيدا لأنه يحتاج إلى حاجات مادية ومعنوية كثيرة ومتعددة لا يمكن إشباعها إلا بالعيش في جماعة، فيميل الإنسان بطبعه لتكوين الجماعة حتى يشبع حجاته ويحقق رغباته ولكن يجب تنظيم هذه الجماعة حتى لا تصبح الحياة فوضى وهذا ما أدى إلى نشوء الدولة ممثلة في السلطة السياسية التي تحكمها وتديرها وتنظم أمورها،ولقد كان أفلاطون أول من قال بهذه الفكرة والواقع أن رد أصل الدولة إلى هذه الفكرة لا يصح أن يكون مبررا وحيدا لأن الدولة ممثلة بحكومتها لا يمكن أن تشبع كل حاجات الفرد المادية والمعنوية، ولكن الصحيح أن الفرد لا يمكن أن يعيش إلا في جماعة حتى يستطيع الحصول على معظم إحتياجاته وإن الجماعة الكبرى لا يمكن أن تفي بأهم الأغراض من تكوينها إلا إذا نظمت في شكل دولة وقامت فيها سلطة تدير شؤونها بما يحقق أكبر قدر ممكن من الخير والسعادة لأهلها.
ج-فكرة التطور العائلي : وتقول هذه الفكرة أن أصل الدولة يمكن إرجاعه إلى الفرد الذي تحول إلى عائلة ومنها إلى عشيرة فقبيلة فمدينة فدولة، وقد كان المفكر أرسطو أول مبلور لهذه الفكرة والتي ماتزال إفتراضا مقبولا وإن كان لا يوجد ما يؤكد رد أصل الدولة إليه فقط.
د-فكرة القوة : وترجع هذه الفكرة أصل الدولة إلى سيطرة القوي على الضعيف، فأساس قيام الدولة هو سيطرة شخص أو جماعة على الآخرين نتيجة لكون المسيطرين أقوى ماديا فينشأ هؤولاء الأقوياء الدولة التي تبقى مابقيت سيطرتهم عليها إلى أن يأتي من هم أقوى منهم فيسيطر، والمقصود بالقوة هنا هو القوة المادية فقط كما يربط معتقدي هذا التفسير بين القوة المادية والتطور العائلي فالأسرة أو الأسر القوية تسيطر عل الأسر الأضعف فتكون العشيرة فالقبيلة فالمدينة فالدولة ،وقد كان إبن خلدون من مؤيدي هذه الفكرة ولكنه إعتبر أن القوة تتكون من عنصرين هما القوة المادية والمعنوية حيث أنه رد أصل الدولة إلى العصبية أي القوة والنفوذ.
وفي الواقع أن فكرة القوة لم تعد مقبولة كمبرر لنشوء الدول فلم يعد بالإمكان قيام غالب بالقوة بفرض سيطرته على على المغلوبين، وإن ظلت القوة بشقيها عنصر من عناصر النفوذ الإجتماعي والسياسي داخل الدولة نفسها.
ز-فكرة
العقد الإجتماعي : وهو أكثر تفسيرات أصل الدولة إنتشارا في الوقت الراهن، حيث أن
هذه الفكرة ترجع قيام الدولة إلى عقد تم بين الناس والحكومة لحكم وإدارة المجتمع
وتعتبرهذه الفكرة قديمة ولكنها تبلورت في العصور الحديثة على يد كل من هوبز وجون
جاك روسو مع إختلاف تكييف كل منهما لفكرة العقد.
رابط المقال في مجلة تحت المجهر: