قصة سيدنا
آدم عليه السلام
سيدنا
آدم عليه السلام هو أبو البشر وقد عاش 1000 سنة،ويقال أنه دفن في الهند وقيل في مكة وقيل في بيت
المقدس،وقد خلقه الله تعالى بيده وأسجد له الملائكة وعلّمه الأسماء
وخلق له زوجته (حواء) وأسكنهما الجنة،كما وأنذرهما أن لا يقربا شجرة معينة،ولكن
الشيطان وسوس لهما فأكلا منها،فأنزلهما الله إلى الأرض ومكّن لهما سبل العيش بها
وطالبهما بعبادة الله وحده وحض الناس على ذلك،ولقد جعل الله تعالى سيدنا آدم عليه
السلام خليفته في الأرض،فهو رسول الله إلى أبنائه كما أنه أول الأنبياء.
خلق
سيدنا آدم عليه السلام
أخبر
الله سبحانه وتعالى الملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفة له في الأرض،وقد كان رد
الملائكة كما جاء في قوله تعالى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}،ويوحي قول
الملائكة هذا بأنه كانت لديهم تجارب سابقة في الأرض أو إلهام وبصيرة تكشف لهم عن
شيء من فطرة هذا المخلوق،وهذا ما جعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض وأنه سيسفك
الدماء،كما أنهم بفطرة الملائكة البريئة والتي لا تتصور إلا الخير المطلق كانوا يرون أن التسبيح بحمد الله والتقديس له هو
وحده الغاية للوجود،حيث أن ذلك متحقق بوجودهم هم،فهم يسبحون بحمد الله ويقدسون له ويعبدونه
ولا يفترون عن عبادته.
وهذه
الحيرة والدهشة التي ثارت في نفوس الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم،تعتبر أمرا جائزا على الملائكة ولا ينقص من أقدارهم شيئا،لأنهم رغم قربهم من الله تعالى وعبادتهم له
وتكريمه لهم،فهم لا يزيدون على كونهم عبيدا لله ولا يشتركون معه في علمه ولا
يعرفون حكمته الخافية ولا يعلمون الغيب،وهكذا أدركت الملائكة أن الله سيجعل في الأرض خليفة،حيث أصدر الله سبحانه وتعالى أمره
إليهم تفصيلا،فقال إنه سيخلق بشرا من طين،فإذا سواه ونفخ فيه من روحه،فيجب على
الملائكة أن تسجد له،والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة،لأن سجود العبادة
لا يكون إلا لله وحده.
ولا
ندري نحن كيف قال الله تعالى أو كيف يقول للملائكة،كما لا ندري كذلك كيف يتلقى
الملائكة عن الله،فنحن لا نعلم عنهم سوى ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله،ولا حاجة بنا
إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل منه،إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما
يقصها القرآن.
ولقد خفيت علي الملائكة حكمة الله تعالى في بناء هذه الأرض وعمارتها،وفي تنمية الحياة وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها وتعديلها على يد خليفة الله في أرضه،حيث أن هذا المخلوق الذي قد يفسد أحيانا وقد يسفك الدماء أحيانا،جاء بقرار من العليم بكل شيء والخبير بمصائر الأمور،حيث قال تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
ولقد خفيت علي الملائكة حكمة الله تعالى في بناء هذه الأرض وعمارتها،وفي تنمية الحياة وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها وتعديلها على يد خليفة الله في أرضه،حيث أن هذا المخلوق الذي قد يفسد أحيانا وقد يسفك الدماء أحيانا،جاء بقرار من العليم بكل شيء والخبير بمصائر الأمور،حيث قال تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
وقد
كان خلق سيدنا آدم عليه السلام بأن جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض،فيها
الأبيض والأسود والأصفر والأحمر (ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة)،ومزج الله تعالى
هذا التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون ثم تعفن الطين وإنبعثت له رائحة (وقد كان
إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء سوف يصير من هذا الطين)،ومن
هذا الصلصال خلق الله تعالى سيدنا آدم،حيث سواه بيديه سبحانه ونفخ فيه من روحه،فتحرك
جسد آدم ودبت فيه الحياة،بحيث فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له عدا إبليس
الذي كان يقف مع الملائكة،ولكنه لم يكن منهم،ولو كان من الملائكة ما عصى،فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون،كما وقد
خلق إبليس من نار بينما الملائكة مخلوقة من نور،ولكنه كان مع الملائكة وكان
مأموراً بالسجود،أما كيف كان السجود ؟ وأين ؟ ومتى ؟ كل ذلك في علم الغيب عند الله،ومعرفته
لا تزيد في مغزى القصة شيئاً.
ولقد
وبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس،حيث قال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ
أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ
الْعَالِينَ}،فردّ إبليس بمنطق يملأه الحسد،حيث قال تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ
مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}،وهنا صدر الأمر الإلهي
العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح،حيث قال تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا
فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}،كما وأنزال الله اللعنة عليه إلى يوم الدين،والمقصود
بقوله سبحانه {مِنْهَا} قد تكون الجنة أو رحمة الله،ولكن في نهاية الأمر كان مصير
إبليس الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم،حيث قال
تعالى: {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ
وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}.
وبعد
ذلك تحول إبليس من الحسد إلى الحقد وإلى التصميم على الإنتقام،حيث قال تعالى: {قَالَ
رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}،ولقد إقتضت مشيئة الله للحكمة
المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب وأن يمنحه الفرصة التي أراد،وهنا كشف هذا الشيطان
عن هدفه،حيث قال تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}،ثم يستدرك،حيث
يقول تعالى: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}،فليس للشيطان أي سلطان
على عباد الله المؤمنين،وبهذا
تحدد منهج إبليس وتحدد طريقه،فهو يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين ولا يستثني
إلا من ليس له عليهم سلطان،لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيه،وهنا يكشف
عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته وكيده والعاصم الذي يحول بينهم وبينه،وهي
عبادة الله التي تخلصهم،فهذا هو طوق النجاة وحبل الحياة،وقد كان هذا وفق إرادة
الله وتقديره في الردى والنجاة،فقد أعلن الله سبحانه إرادته وحدد المنهج والطريق،حيث
قال تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}،فالمعركة
إذن بين الشيطان وأبناء آدم،يخوضونها على علم،والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله
الصادق الواضح المبين،وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان،وقد شاءت
رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين،فأرسل إليهم المنذرين من أنبياء ورسل.
تعليم
سيدنا آدم الأسماء
يروي
القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله في هذا الكائن البشري،وهو
يسلمه مقاليد الخلافة،حيث قال تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا}،وذلك
هو سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها - وهي ألفاظ منطوقة -
رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة،وهذه قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان
على الأرض،ونحن ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى لو لم يوهب الإنسان القدرة على
الرمز بالأسماء للمسميات،والمشقة في التفاهم والتعامل حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم
مع الآخرين على شيء،أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه،وهذه
مشقة هائلة لا تتصور معها حياة،وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع
الله في هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات.
أما
الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية،لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم،كما أنها لم
توهب لهم،حيث أنه لما علم الله تعالى سيدنا آدم هذا السر،وعرض على الملائكة ما عرض لم يعرفوا
الأسماء،ولم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص،وجهروا أمام هذا
العجز بتسبيح ربهم والإعتراف بعجزهم والإقرار بحدود علمهم وهو ما علمهم،ثم قام سيدنا
آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء،وبعدها كان التعقيب الذي ردهم إلى إدراك حكمة العليم
الحكيم،حيث قال تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}،وقد أراد الله تعالى هنا أن يقول للملائكة إنه علم ما أبدوه من الدهشة حين
أخبرهم أنه سيخلق آدم،كما علم ما كتموه من الحيرة في فهم حكمة الله،بالإضافة إلى أنه علم ما أخفاه
إبليس من المعصية والجحود،وهنا أدركت الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف،وهذا
أشرف شيء فيه،وذلك من خلال قدرته على التعلم والمعرفة،كما فهموا السر في أنه سيصبح
خليفة في الأرض،يتصرف فيها ويتحكم فيها بالعلم والمعرفة بالخالق،وهذا ما يطلق عليه
إسم الإيمان أو الإسلام،بالإضافة إلى العلم بأسباب إستعمار الأرض وتغييرها والتحكم
فيها والسيادة عليها،حيث يدخل في هذا النطاق كل العلوم المادية على الأرض،ومن هنا
فإن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين (الخالق وعلوم الأرض) يكفل له حياة أرقى،لأن
كلا الأمرين مكمل للآخر.
سكن آدم
وحواء في الجنة
كان سيدنا
آدم يحس بالوحدة،فخلق الله له حواء وأسكنهما الجنة،ولا يعرف مكان هذه الجنة،فقد
سكت القرآن عن مكانها كما وإختلف المفسرون فيها على عدة وجوه،فقال بعضهم بأنها جنة
المأوى وأن مكانها السماء،ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها
على إبليس ولما جاز فيها وقوع عصيان،وقال آخرون بأنها جنة المأوى التي خلقها الله
لآدم وحواء،وقال غيرهم بأنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع،وذهب فريق إلى
التسليم في أمرها والتوقف،وعلى كل الأحوال فإن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا
تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.
وهكذا لم
يعد يحس سيدنا آدم بالوحدة،حيث كان يتحدث مع حواء كثيرا،كما وقد سمح الله تعالى لهما
بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء،ما عدا شجرة واحدة،فأطاع آدم وحواء أمر
ربهما بالإبتعاد عن هذه الشجرة،غير أن آدم إنسان،والإنسان ينسى وقلبه يتقلب وعزمه ضعيف،فإستغل
إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره،كما وإستغل تكوين آدم النفسي وراح يثير ويوسوس
في نفسه يوما بعد يوم،حيث قال تعالى: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ
وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى}،وقد تسائل أدم بينه وبين نفسه،ماذا يحدث لو أكل من الشجرة ؟
فربما تكون شجرة الخلد حقا،ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة،ثم
قررا يوما أن يأكلا منها،ناسيان أن الله حذرهما من الإقتراب منها،وناسيان أن إبليس
عدوهما،فمد آدم يده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء،وأكل الإثنان
من الثمرة المحرمة،ويجدر الذكر هنا أنه ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسؤولية الأكل من
الشجرة،حيث إن نص القرآن لا يذكر حواء،إنما يذكر آدم كمسؤول عما حدث،وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم،فقد أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء وأخطأ آدم
بسبب الفضول.
ولم
يكد سيدنا آدم ينتهي من الأكل حتى إكتشف أنه أصبح عاريا وأن زوجته عارية،فبدأ هو
وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري،وهنا أصدر
الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة،فهبط آدم وحواء إلى الأرض وإستغفرا ربهما
وتابا إليه،فأدركتهما رحمة ربهما والتي تدرك دائما من يثوب إليها ويلوذ بها،كما أخبرهما
الله تعالى أن الأرض هي مكانهما الأصلي،حيث سوف يعيشان فيها ويموتان عليها ويخرجان
منها يوم البعث.
وقد يتصور
بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة ولولا هذه الخطيئة لكنا
اليوم هناك،وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة،حيث
قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}،ولم يقل لهما إني جاعل في
الجنة خليفة،كما لم يكن هبوط سيدنا آدم إلى الأرض هبوط إهانة وإنما كان هبوط كرامة
كما يقول العارفون بالله،حيث كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة
ويهبطان إلى الأرض،أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض،ليعلم
آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة وأن الطريق إلى
الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.
هابيل
وقابيل
لا
يذكر لنا المولى عز وجل في كتابه الكريم الكثير عن حياة آدم عليه السلام في الأرض،لكن
القرآن الكريم يروي قصة إبنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل،وذلك حين وقعت أول
جريمة قتل في الأرض،فقد كانت حواء تلد في البطن الواحد إبنا وبنتا،وفي البطن
التالي إبنا وبنتا،فيحل زواج إبن البطن الأول من بنت البطن الثاني،ويقال أن قابيل كان
يريد زوجة هابيل لنفسه،فأمرهما آدم أن يقدما قربانا،فقدم كل واحد منهما قربانا،فتقبل
الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل،حيث قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ
ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا
وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ
لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ
اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}،ونلاحظ هنا كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات القتيل
الشهيد ويتجاهل تماما كلمات القاتل،حيث أن القاتل يرفع يده مهددا في حين قال
القتيل في هدوء،حيث قال تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ
فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ}،وهنا إنتهى الحوار
بينهما وإنصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا،وبعد أيام كان الأخ الطيب (هابيل) نائما
وسط غابة مشجرة،فقام إليه أخوه قابيل فقتله،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا
تقتل نفس ظلما إلا كان على إبن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل)،وهنا
جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض.
وقد كان
هذا الأخ القتيل (هابيل) أول إنسان يموت على الأرض،ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف
بعد،فحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها،ثم رأى القاتل (قابيل) غرابا حيا بجانب جثة غراب
ميت،حيث وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفر
الأرض بمنقاره ووضعه برفق في القبر وعاد يهيل عليه التراب،بعدها طار في الجو وهو
يصرخ،فإندلع حزن قابيل على أخيه هابيل كالنار فأحرقه الندم،فإكتشف أنه وهو الأسوأ
والأضعف،قد قتل الأفضل والأقوى،حيث نقص أبناء آدم واحدا وكسب الشيطان واحدا من
أبناء آدم،فإهتز جسد القاتل ببكاء عنيف ثم أنشب أظافره في الأرض وراح يحفر قبر
شقيقه.
وقد
كان موقف سيدنا آدم حين عرف القصة،حيث قال تعالى: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ}،وقد حزن سيدنا آدم حزنا شديدا على خسارته في
ولديه،فقد مات أحدهما وكسب الشيطان الثاني،وصلى آدم على إبنه المقتول (الميت) وعاد إلى حياته على
الأرض،إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه،ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله
ويدعوهم إليه،ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه،ويروي لهم قصته هو نفسه معه،ويقص لهم
قصته مع أبنه الذي دفعه لقتل شقيقه.
وهكذا
كبر سيدنا آدم ومرت سنوات وسنوات،وعن فراش موته، يروي أبي بن كعب،حيث قال: إن آدم
لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني،إني أشتهي من ثمار الجنة،قال: فذهبوا يطلبون
له،فإستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه ومعهم أيضا الفؤوس والمساحي والمكاتل،فقالوا
لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون ؟ أو ما تريدون وأين تطلبون ؟ قالوا: أبونا
مريض وإشتهى من ثمار الجنة،فقالوا لهم: إرجعوا فقد قضى أبوكم،ثم جاءوا (الملائكة)،فلما
رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم،فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك،فخلي بيني
وبين ملائكة ربي عز وجل،فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه
ثم أدخلوه قبره ثم حثوا عليه،ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.
وفي
موته يروى عن أبي هريرة،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما خلق الله آدم
مسح ظهره،فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة،وجعل بين عيني
كل إنسان منهم وبيصاً من نور،ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤولاء ؟ قال: هؤولاء
ذريتك،فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه،فقال: أي رب من هذا ؟ قال هذا رجل من آخر
الأمم من ذريتك يقال له داوود،قال: ربي وكم جعلت عمره ؟ قال ستين سنة،قال: أي رب،زده
من عمري أربعين سنة،فلما إنقضى عمر آدم جاءه ملك الموت،قال: أو لم يبق من عمري
أربعون سنة ؟ قال: أو لم تعطها إبنك داوود ؟ قال: فجحد فجحدت ذريته،ونسي آدم فنسيت
ذريته،وخطئ آدم فخطئت ذريته.