الصراع الدولي ومصادره وأنماطه
الصراع الدولي
إن الحد الأدنى لتعريف الصراع الدولي هو أنه موقف من التعارض بين إثنين أو أكثر من الفاعلين الإجتماعيين، ويكون الصراع دولي حين يكون الفاعلون المنغمسون فيه دوليين ولكن هذا التعريف المبسط للصراع الدولي ينطوي على مشكلتين هما:
أ-المشكلة
الأولى: وهي تتعلق بالتميز بين
الصراع والمنافسة، حيث إن المنافسة هي مجرد حالة خاصة من الصراع بكونها موقفا ينظم
فيه الصراع بقواعد مقبولة بالتبادل أو مفروضة تطبقها الأطراف عادة، أما الصراع
فإنه يوجد في الموقف الذي يكون فيه على أحد الأطراف أن يضر بالآخر لكي يصل إلى
هدفه، في حين أن المنافسة لا حاجة بها أن تتضمن أضرارا أو عناءا.
وقد يكون الصراع إما على المستوى الموضوعي أو على المستوى الذاتي ولكن الباحثين يرون أنه يجب أن نهمل الصراعات الموضوعية التي يعيها أطرافها وهي ما تمثل(صراعات كامنة)وذلك إستنادا إلى أسس علمية وهي وجود صراعات صريحة وعلنية كافية للدراسة أو إلى أسس منهجية وهي أن الصراعات توجد فقط حين تحدث في عقول أطرافها وليس محلليها،ولكن عدد كبير من الباحثين السياسين يرون أن هذه الصراعات الكامنة يجب على الأقل أن تحلل ويركز الإهتمام عليها، لأنها يمكن أن تقبل المعالجة بما يقلل من أخطار تفجرها في المستقبل، بينما إن الصراعات الظاهرة قد تكون وصلت في تطورها إلى مرحلة لا يمكن التحكم بها.
ب-المشكلة
الثانية: وهي مشكلة عكسية وهي
أسهل في حلها،حيث إن ما يسمى بالصراعات الزائفة (على أساس أنها موجودة في عقول
أطرافها دون أن تخفي تعارضا حقيقيا)، لابد من دراستها وتحليلها طالما أنها ترتبط
بمظاهر سلوكية معلنة، خاصة وأن هذا النوع من السلوك الصراعي الزائف قد يتغير عبر
الزمن ومع تراكمه يؤدي في النهاية إلى ظهور تعارض موضوعي.
وأخيرا فإن ظاهرة الصراع هي ظاهرة متعددة الوجوه، وإن الوعي بهذا التعقد هي نقطة البداية الصالحة لمواجهته على المستوى التحليلي.
مصادر الصراع الدولي
1-مصادر
فردية نفسية
وهي
التي تعود إلى الإعتبارات الفردية والنفسية المتعلقة بشخصية صانع القرار في أحد
أطراف الصراع على الأقل من حيث الميل الجارف للزعامة أو الميول العدوانية المتطرفة
وغيرها،وتنقسم هذه الإعتبارات الفردية النفسية إلى حالتين هما: أ-أن يكون فيها
متغير القيادة السياسية مجرد قناة توصل أو مرآة عاكسة لمصادر صراع موضوعية موجودة
بالفعل، وهنا تكون القيادة السياسية كمصدر وسيط للصراع أو كمعجل له. ب-أن يكون
فيها متغير القيادة السياسية هو المنشأ الأصلي للصراع وتؤدي هذه الحالة إلى حالة
صراع زائف.
2-مصادر
تاريخية
إن
التاريخ مصدر من مصادر الصراع وإن كان ثانويا، فالخبرة الصراعية الأليمة بين
دولتين لسنوات طويلة يمكن أن تكون مصدرا للإخفاق في تجنب حصول صراع (ولوعلى
المستوى الذاتي)، بعكس دولتين لهم خلفية تاريخية واضحة من التعاون يمكنهما في هذه
الحالة تجنب حدوث صراع بينهما على نفس المستوى.
3-مصادر
جغرافية
إن
ما تمليه الجغرافيا من سلوكا توسعيا للدولة بحجج أمنية أو زعامية تكون مصدرا
للصراع ومع أن هذا المصدر فقد أهميته تدريجيا نتيجة تدهور أهمية المتغير الجغرافي
في السياسة الدولية وإستقرار الحدود السياسية الدولية إلا أنه مازال يقف وراء بعض
الصراعات المعاصرة كمصدر لها أو كحجة للصراع وعادة مايربط هذا المتغير الجغرافي
بالمتغيرالسكاني.
4-مصادر
سكانية
إن
حجم السكان إذا تزايد على نحو لا يتناسب مع موارد الدولة وإستحال الوفاء بفجوة
الموارد المطلوبة لهؤلاء السكان من خلال التفاعلات السلمية، فإنه يصبح مصدر للصراع
وذلك إذا ماسمحت بذلك موازين القوى الدولية السائدة، كما يمكن أن يكون السلوك
العمري للسكان مصدرا لسلوك صراعي للدولة، هذا إذا كانت نسبة السكان بين 20-40 سنة
في الدولة المعنية كبيرة، كما إن تحركات السكان قد تكون مصدر للصراع، لأنها تشكل
إنتهاك للحدود السياسية القائمة، وقد أخذت هذه التحركات السكانية في الوقت الحالي
شكلا أساسه إنتقال القوى العاملة عبر الحدود وهذا سيشكل مصدر للصراع بين الدول
المصدرة للقوة العاملة والدولة المستقبلة لها بسبب إتباع الدولة الثانية لسياسات
تميزية تجاه مواطني الدولة الأولى.
5-مصادر
إقتصادية
إن
النظرية الماركسية في الصراع الدولي فسرت السلوك الإستعماري في مراحل النمو
الرأسمالي كما فسرت الصراعات بين الدول الإستعمارية ذاتها تفسيرا إقتصاديا، بمعنى
أن عدم التناسب بين قوة الدولة الإستعمارية وبين ما حصلت عليه من مستعمرات في ذلك
الوقت الذي قلت فيه فرص الإستغلال الرأسمالي دوليا، لأن معظم أراضي العالم إن لم تكن
كلها قد تم إكتسابها،فإن ذلك حتم في النهاية على الدول الرأسمالية الإستعمارية
المعادية للوضع الراهن محاولة إعادة إقتسام المستعمرات بالعنف.
6-مصادر
أيديولوجية
على
الرغم من أن الأيديولوجية قد تكون مجرد مظهر خارجي لهرم كامل من مصادر التعارض
الأخرى، إلا أنه يستحيل تجاهلها حيث إن التجانس الأيديولوجي في نظام تعدد القوى
ساعد إلى حين على الحفاظ على إستقراره وخلوه من الصراعات الرئيسية، حيث إن
الأيديولوجية تساعد على بلورة الوعي بالصراع الموضوعي،ومثال ذلك الأيديولوجية
الماركسية التي كانت الخطوة الأولى في تسلسل التعارض الممتد بين النظامين
الرأسمالي والإشتراكي على المستوى الدولي.
7-مصادر
نظامية
وتكون هذه المصادر على مستويين هما: أ-النظام الداخلي: حيث إن عدم إستقرار النظام في أي دولة يزيد من إحتمالية تورط الدولة في سلوك صراعي. ب-النظام الدولي:حيث إن الصراع العالمي بين النظامين الرأسمالي والإشتراكي يشكل في حد ذاته مصدرا لصراعات فرعية أخرى ترتبط بإدراك كل طرف لمحاولة الآخر النيل منه أو توسيع قوته الذاتية على حسابه، أو برغبة بعض الحلفاء بالنسبة لكل طرف في ممارسة قدر أكبر من الإستقلال النسبي، أما على مستوى النظام الإقتصادي الدولي فإن إنقسام النظام نفسه إلى شمال متقدم وجنوب متأخر ومتخلف يغلف تعارضا واضحا بين الدول المتقدمة وخاصة الرأسمالية منها والدول المتخلفة، ولم تتخذ مظاهر التعبير عن هذا الإنقسام شكلا عنيفا بالأساس،وذلك بسبب الإختلال الهائل في القدرات لصالح الدول المتقدمة الرأسمالية.
أنماط
الصراع الدولي
1-تقسيم
الصراعات الدولية إلى صراعات كامنة وأخرى ظاهرة وذلك وفق معيار وعي الأطراف
بالتعارض بينها، ولكن الصراع الكامن ليس بالضرورة أن لا يعي أطرافه بالتعارض بينهم
وإنما يمكن أن يتوفر الوعي ولا تتوفر النية والقدرة لدى الطرف المغبون في علاقة
الصراع على إحداث تغيير لصالحه في بنية الصراع، كما أن هذا التقسيم لا يتطابق مع
تقسيم الصراعات الدولية إلى عنيفة وغير عنيفة لأنه وإن كان الصراع كامن غير عنيف
فإن الصراع الظاهر ليس بالضرورة أن يكون عنيفا.
2-تقسيم
الصراعات الدولية إلى ثنائية وجماعية بحسب عدد الأطراف المشتركة فيها مباشرة،
وحقيقة أن الصراعات الثنائية هي صراع بين معسكرين إلا أن كلا من هذين المعسكرين قد
يتكون من طرف واحد وهنا نكون إزاء صراع ثنائي أو قد يتكون أحد أو كلا المعسكرين من
أكثر من فاعل دولي وهنا نكون إزاء صراع جماعي، ويتجه كل طرف في أي صراع دولي ثنائي
إلى تحويله إلى الطابع الجماعي في محاولة منه لبناء أنسب شبكة ممكنة من التحالفات
المتماسكة لتساعده على تحقيق أهدافه من الصراع.
3-تقسيم
الصراعات الدولية إلى إقلمية وعالمية بحسب المستوى الذي تتم فيه من مستويات النظام
الدولي، فإذا تم الصراع في أحد النظم الفرعية من النظام الدولي يكون صراعا إقليميا
وإذا تم على مستوى النظام الدولي الشامل يكون عالميا،وقد بنساب الصراع على المستوى
العالمي إلى المستوى الإقليمي والعكس صحيح ،ولكن ذلك لا يحدث بالضرورة بنفس الدرجة.
4-تقسيم الصراعات الدولية بحسب مضمونها إلى صراعات قومية
وإقتصادية ودينية وصراعات حدود وغيرها الكثير، وقد تتطابق موضوعات بعض الصراعات،
بمعنى أن الصراع قد يكون قوميا وإقتصاديا أو صراعا إقتصاديا مع صراع على الحدود أو
قوميا ودينيا وهكذا.
5-تقسيم
الصراعات الدولية بحسب ميزان القوى السائد وقتها إلى صراعت متكافئة وأخرى غير
متكافئة، ولهذا التقسيم علاقة بالطريقة التي يدير بها أطراف صراع ما علاقاتهم
الصراعية، فالتكافوء بين الأطراف وإن يكن لا يرتبط بالضرورة بإدارة الصراع
بالوسائل العسكرية أو الدبلوماسية إلا أنه يبدو أنه يقضي في النهاية ويفرض
إستمراره إلى تغليب الوسائل الدبلوماسية،أما عدم التكافوء فإنه يرتبط بوضوح بعدم
اللجوء إلى القوة من جانب الطرف المغبون بل يفضي إلى عدم وجود مظاهر سلوكية صراعية
أصلا،كما قد يؤدي عدم التكافوء إلى عدم لجوء الطرف الأقوى للقوة طالما كانت بنية
الصراع السائدة تحقق أهدافه، غير أن عدم وفاء هذه البنية بأهدافه يجعل من عدم
التكافوء دافعا للجوء إلى القوة في إدارته للصراع ومن هنا فإن مسألة اللجوء إلى
القوة في الصراع ليست مسألة أحادية بالضرورة، فقد يلجأ طرف من أطراف الصراع إلى
القوة حينا وإلى الدبلوماسية حينا آخر وقد يستخدم الأسلوبين في نفس الوقت.
6-تقسيم الصراعات الدولية إلى معارك ومباريات ومناظرات بحسب مدى رشاد الأطراف المشتركة فيها،ويقصد بنمط المعركة هو نمط من الصراع يتدهور فيه ضبط النفس والضبط المتبادل للفاعلين بسرعة،وذلك لأن أفعال كل منهم تعمل كنقطة بداية لأفعال مضادة مشابهة من الفاعل الآخر،أما نمط المباريات في الصراع فقد سمي كذلك لإمكان تطبيق بعض نماذج نظرية المباريات عليه نظرا لأنه يتميز بأن أطراف الصراع تغبط تحركاتها على نحو رشيد ،وإن كانت لا تستطيع بالضرورة أن تتحكم في الناتج،وأخيرا فإن نمط المناظرات يطلق على الصراع الذي يغير فيه الطرافان دوافع وقيم وإدركات أحدهما للآخر ،ومع أن هذا النمط غير مفهوم جيدا إلا أن الخبرة التجربية أثبتت أن هذا النمط هو من أنماط الصراع الذي من المحتمل فيه بدرجة أكبر أن يقود إلى إكتشاف الحل المقبول والمفيد تبادليا وذلك إذا إكتشف كل جانب ما الذي يقوله الآخر فعلا.
رابط المقال في مجلة تحت المجهر: