قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الجنس والعائلة في حضارة الترانسفير – العولمة –

الجنس والعائلة في حضارة الترانسفير – العولمة –

(ترانسفير – transfer) كلمة إنجليزية تعني حرفيًا (النقل)، وتستخدم عادة للإشارة إلى طرد عنصر سكاني من محل إقامته وإعادة توطينه في مكان آخر، وهي تستخدم في الخطاب السياسي العربي للإشارة إلى محاولة الصهاينة طرد العرب ونقلهم (ترانسفير) من فلسطين إلى أي مكان خارجها ونقل (ترانسفير) اليهود إليها.


ولكننا نذهـب إلى أن الترانسـفير يعبر عن شيء جوهري وبنيوي في الحضارة الغربية الحديثة يتجاوز المستوى السياسي؛ إنها حضارة يهيمن عليها النموذج العلماني الشامل تدور في إطار المرجعية المادية (وإنكار التجاوز ونزع القداسة) ولذا فإن ملامح هذه الحضارة كافة تتبدى في مفهوم الترانسفير، سواء من ناحية الرؤية أو من ناحية الممارسة، فهذه الحضارة ترى العالم مادة استعمالية لا قداسة لها يمكن تحريكها وتوظيفها، وذلك لعدم وجود قيمة مطلقة لأي شيء، فالطبيعة قد وجدت ليهزمها الإنسان ويسخرها، والإنسان نفسه لابد أن يخضع للمرجعية المادية، ولذا فهو الآخر كيان مادي حركي لا يختلف عن الكيانات الأخرى، ويمكن نقله وتوظيفه وهزيمته وتسخيره باعتباره مادة استعمالية نافعة.


ولذا فإن الترانسفير نفسه ليس مجرد فعل سياسي أو رغبة أيديولوجية وإنما هو مؤشر على نموذج حركي مادي يصيب الإنسان في الصميم ويعيد تعريفه تعريفًا يودي به تمامًا،ويمكن أن نعيد النظر في تاريخ الحضارة الغربية الحديثة باعتبارها حضارة الترانسفير، أي أننا هنا سنقوم بعملية تفكيك وتركيب لكثير من ظواهر هذه الحضارة، ومن خلال هذه العملية نوضح إجابة النموذج العلماني على الأسئلة الكلية ونوضح المرجعية النهائية المادية لهذه الحضارة.


ويمكن اعتبار الجنس العرضي (أي أن يعاشر الذكر الأنثى دون وجود علاقة عاطفية تتسم بقدر من الثبات بينهما) شكلًا من أشكال التنقل (الترانسفير) من أنثى إلى أخرى، وذلك لأن الأنثى مادة استعمالية لا قداسة لها توظَف لتحقيق اللذة، ولكن يجب أن نسارع ونقول (حتى لا نتهم بالتقليل من شأن المرأة) أن الذكر الذي يدخل في مثل هذه العلاقة هو الآخر مادة استعمالية توظّفها الأنثى لتحقيق اللذة لنفسها، فثمة مساواة كاملة تؤدي إلى التسوية الكاملة وإلى سيادة المرجعية المادية الصارمة على الجميع.


يتحدثون في الغرب الآن عن التفضيل أو الميل الجنسي (بالإنجليزية: سِكْشوال بريفيرنس sexual preference) بدلًا من الطبيعة الجنسـية الثابتة للإنسـان،بمعنى أن الإنسـان يختار الممارسـات أو الهوية الجنسية التي يميل لها، فإذا كان المرء ذكرًا فيمكنه أن يمارس الجنس مع ذكر مثله، فهو جنس مثلي أو شاذ جنسيًا (بالإنجليزية: هوموسِكشوال homosexual) مثل فوكوه الفيلسوف الفرنسي، وإذا كان المرء أنثى، فهي تمارسه مع أنثى مثلها، فهي مساحقة (بالإنجليزية: لزبيان lesbian) مثل كثير من زعيمات حركة التمركز حول الأنثى، وهناك من يفضل الآن ممارسة الجنس مع الحيوانات (بالإنجليزية: زوفيليا zoophilia)، ويقال إن فيلسوف النفعية جريمي بنتام كان يحب ملاعبة القرود بطريقة جنسية، كما أن هناك من يفضل ممارسة الجنس مع الأطفال (بالإنجليزية: بيدوفيليا pedophilia) كما كان يقال عن مايكل جاكسون.


ويمكن إضافة أذواق غير معروفة في البلاد المتخلفة، مثل (ترانسفستايت transvestite) وهو الميل إلى ارتداء أزياء الجنس الآخر والتشبه بسلوكه، و(أندروجيناس androgynous) وهو الخنثى الذي لا يمكن تصنيفه ذكرًا أو أنثى (ويؤكد مايكل جاكسون هذا المظهر في هويته)، وهناك (ترانس سكشوال transsexual) وهو شكل طريف جدًا بدأ يظهر مؤخرًا في الغرب، فهو مثلاً رجل يصر على أن يكون امرأة، بل يحاول أن تجرى له عملية جراحية ليصبح من الجنس الآخر (والعكس بالعكس)، وكل من شاهد فيلم (صمت الحملان) رأى عينة من ذلك، فالمجرم الذي اختطف الفتاة يحاول أن يخيط لنفسه بدلة من جلدها (وجلد غيرها من الإناث) حتى يصبح له ثديان مثل الإناث تمامًا (ويلاحظ ظهور السابقة – ترانس – في بعض الكلمات)، ونضيف إلى هذه القائمة الترانسفيرية (أسكشوال asexual) وهو المحايد جنسيًا تمامًا،وهناك أخيرًا (حتى لا ننسى الأصل) (هيتِروسكشوال heterosexual) وهم البشر التقليديون العاديون الذين يختارون أن يشتهوا أعضاء من الجنس الآخر (وإذا أردنا أن نتوخى الدقة تمامًا، فإن علينا أن نسقط كلمة – الأصل – لأن المساواة تحت رايات ما بعد الحداثة تصل إلى درجة إنكار الأصل والمركز تمامًا).


وإذا كان الترانسفير قد انطبق على أمور لا يزال بعضنا يظنها جوهرية وطبيعية وفطرية مثل الجنس، فإنه ينطبق من باب أولى على التنظـيم الاجتماعي، ويلاحظ أن الأسرة قد اختلفت أشكالها (تمامًا مثل الميول الجنسية)،ففي الماضي كان هناك الأسرة الممتدة التي تضم ثلاثة أجيال ثم انكمشت إلى الأسرة النووية التي تضم رجلًا وزوجته وطفليهما (ويستحسن أن يكون الطفلان ذكرًا وأنثى حتى يتمكن المجتمع من إعادة إنتاج نفسه)،أما الآن فقد أصبحوا (في الولايات المتحدة) يسمون الأسرة النووية (الأسرة الأساسية) (بالإنجليزية: كور فاميلي core family) ويشيرون إلى أنماط أخرى من الأسر، ويلاحظ أن هذه الأسرة الأساسية أصبحت أقلية إذ توجد أنواع أخرى مثل:


– أب مع أطفاله ـ أم بمفردها مع أطفالها ـ أب وعشيقته مع أطفاله/ أو أطفالها أو أطفالهما. أم وعشيقها مع أطفالها/ أو أطفاله أو أطفالهما. أم وصديقتها مع أطفالها أو أطفالهما. أب وصديقه مع أطفاله أو أطفالهما، وقد قرأنا منذ عدة شهور عن أسرة من نوع الكور فاميلي الثابت الراسخ، إلا أن تعديلًا طفيفًا دخل عليه إذ انضم للأسرة عشيق الأب ووافقت الأم على ذلك (فمن الواضح أنها تتمتع بعقلية ترانسفيرية منفتحة) وأصبح تركيب الأسرة على النحو التالي: أم وأب وصديقه وأطفالهم (أي سقط المثنى وسقطت الثنائية والمركزية والمرجعية).


يمكن أن نتوجه لقضية علاقة الدال بالمدلول لندرك مدى تغلغل مفهوم الترانسفير في أكثر الأشياء ثباتًا،أي اللغة الإنسانية، فمنذ عصر النهضة في الغرب، كان ثمة إيمان عميق بأن كل شيء خاضع للتغير، ولا يوجد ثابت سوى قانون الحركة، ولابد من الإيمان المطلق والثابت بضرورة التغيير (فهذه هي حضارة التقدم)، ويعبِر هذا عن نفسه في فلسفة مثل الداروينية والنيتشوية،حيث يصبح العالم كيانًا متطورًا متغيرًا ولا يوجد فيه ثبات إلا للقوة،فمن خلال القوة يستطيع الإنسان أن يفرض المعنى الذي يريده.


وقد بين هوبز أن الدولة هي المعرف الأكبر (بالإنجليزية: جريت ديفاينر great definer)، فمن خلال سـطوتها يمكنها أن تمنح الدلالة للكلمات، فكأن الدال لا علاقة له بالمدلول إلا من خلال القوة، وهناك الجانب الآخر من نفس القضية وهو البرجماتية (نيتشوية الضعفاء)، وهي فلسفة تدعو للتكيف الدائم مع الأمر الواقع، كما أن هذه المرونة الترانسفيرية تعني تَقبل تعريف الأقوياء للكلمات، بل إعادة تسميتها حتى تكتسب شرعية جديدة، ومن ثم تصبح (فلسطين) (إسرائيل) وتصبح (الضفة الغربية) (يهودا والسامرة) وينطبق نفس الشيء على كثير من الظواهر التي يتكيف معها المهزومون ممن لا حول لهم ولا قوة،فالأطفال غير الشرعيين كانوا يسمون بهذا الاسـم، ولكنهم من خلال التكيف أصبحوا يـسمون (أطفال أم غير متزوجة) (بالإنجليزية: أنويد مذر unwed mother)،ثم أصبح يطلَق عليهم (أبناء أسرة ربها إما أب أو أم) (بالإنجليزية: سنجل بيرنت فاميلي single parent family)، ثم اكتسبوا أخيرًا اسمًا حتميًا لطيفًا هو (أطفال طبيعيون) (بالإنجليزية: ناتشورال بيبيز natural babies)، وهو أمر يعني أن الحادث تم قيده ضد مجهول أو أنه ثمرة الطبيعة/المادة، وأخيرًا أصبحوا يسمون (لاف بيبيز love babies) وهي عبارة إنجليزية مبهمة،فكلمة (love) الإنجليزية تعني (حبًّا) كما تعني (جنسًا) (كما في عبارة – تو ميك لاف to make love – الإنجليزية، والتي يترجمها بعض البلهاء بعبارة (يتعاطى الحب) مع أنها تعني في واقع الأمر أمورًا لا علاقة لها بالحب أو الكره)، ومن ثم فهم (أبناء الحب/ الجنس) ومهما كان المعنى المقصود،فإن العبارة الجديدة تخفي الأصول وتجعل ظاهرة الأطفال غير الشرعيين ظاهرة طبيعية تمامًا،أي أن الانتقال (الترانسفير) تم من الحرام والحلال إلى الحياد،تماما مثلما أصبحت البغي (عاملة جنس) (بالإنجليزية: سكس وركر sex worker) وأثناء هذه العملية تنحل علاقة الدال بالمدلول تماما.


رابط المقال في ساسة بوست:

https://www.sasapost.com/opinion/sex-and-family-in-the-transfer-civilization-globalization/

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart