هندسة العقول وغسل الأدمغة
يُعتبر غسل
الدماغ هو كل تأثير خارجي ممنهج من قِبَل شخص أو مجموعة من الأشخاص هدفه التعديل
والتلاعب في الأفكار والآراء للفئة المستهدفة لتتوافق مع آراء وأفكار ومعتقدات
الشخص أو المجموعة التي تسعى إلى ذلك، وتتم هذه العملية عن طريق التلاعب بالعقل
البشري من خلال العديد من الأساليب والطرق التي تستخدم في العادة في التعليم
وإيصال المعلومات، كما يمكن أن يتم استخدام أساليب وتقنيات الهندسة الاجتماعية
والتي تعتبر فن وعلم اختراق العقول.
هذه العملية
تتم على فترة طويلة من الزمن وبشكل تدريجي، بحيث يتم تزويدك بالمدخلات المراد
ترسيخها في دماغك بشكل تدريجي وإيهامك بأن هذه الأمور هي نفس الفكر الخاص بك، حيث
أن الهدف الرئيسي لغاسل الدماغ هو أن لا يدعك تفكّر أبداَ او بمعنى آخر وقف
المعالج الموجود في رأسك (دماغك) عن العمل وإعادة برمجته وهندسته.
ومن الأمثلة
على نوع من أنواع غسل الأدمغة التي تحدث لنا يومياً بواسطة وسائل الإعلام، هي ما
تقوم به شركات الإعلانات والمحطات الإخبارية الكبيرة والتي تعتبر واحدة من أكبر
الجهات التي تعمل على غسل أدمغتنا، حيث تعمل هذه المحطات الإخبارية الكبيرة ومن
خلال الأخبار التي تقوم بعرضها بشكل مستمر بتغذيتنا وإقناعنا بالآراء التي تسعى
إليها، فبإمكانهم مثلا إقناعنا بأن منتجاً معيناً هو أفضل منتج من هذا النوع
بالرغم من أننا لم نقم بتجربته حتى نعرف بأن هذا المنتج هو أفضل من غيره أو لا.
أما
التقنيات والتكتيكات التي تستخدم في عملية غسل الأدمغة فهي عديدة، إلا أن الجزء
المضحك في الموضوع أنك ستجد بأنها تستخدم معك وبشكل يومي، ومن هذه التقنيات:
1- التشجيع
على الكسل وعدم التفكير، حيث يعتبر تشجيع الكسل للأشخاص أول وأهم تكتيك من تكتيكات
غسل الأدمغة لأنه يمهّد الطريق للتكتيكات الأخرى.
2- التلاعب
بالخيارات بحيث تكون النتيجة ما تريد، حيث يتم خلالها إعطاء الفئة المستهدفة
مجموعة من الخيارات مع التأكّد بأنه مهما كان الاختيار الذي سيقومون باختياره فإنه
سيعطي نفس النتيجة المرادة، وهي طريقة جيّدة لمعرفة ما يجول في أذهان المستهدفين،
فمثلاً لو أردنا أن نعرف إذا كان شخص ما مهتماً بالتقنية أم لا ؟ فبدل أن نسأله هل
تحب التقنية ؟ سنسأله السؤال بطريقة أخرى،هل تحب استخدام الفيسبوك أو تويتر ؟ هل
تحب التعامل مع الأيپاد أو نوت بوك ؟ وهكذا، وعند القيام بهذه العملية بشكل متكرّر
فإن الشخص المُستهدف سيعتقد بأن لديه كامل حرية الاختيار ما يمهّد للتكتيك التالي.
3- تكرار
العبارات والأفكار بشكل مستمر، حيث يُعتبر التكرار هو المفتاح الرئيس في عملية غسل
الأدمغة، فكلما تم تكرار معلومة ما أمامك فإنها ومع مرور الزمن ستتركّز في دماغك
لا سيما إذا كان هنالك بوادر ولو بسيطة عندك لذلك، فمثلاً لو تم إخبارك من شخص ما
بأنك تبدو شاحباً ويبدو عليك المرض، ففي البداية لن تصدّق ذلك ولكن مع تكرار هذا
الأمر فإنك ستبدأ تصديق هذه الفكرة.
4- التركيز
على الجانب العاطفي، حيث تعتبر العواطف من أسهل وأبسط الأمور التي يمكن التلاعب
بها خصوصاً إذا كانت مرتبطة مع مشاعر الحزن أو الفرح، فمثلاً يمكن أن تشعر الشخص
بمشاعر الخوف والرهبة من القيام بأمر ما لا تريده أن يقوم به، ما يؤدّي إلى توجيهه
للفكرة التي تسعى إلى تحقيقها.
5- إزالة
الوعي الذاتي والمسؤولية، حيث يتم ذلك بأن تجعل الناس يعتقدون بشكل دائم بأن أي
شيء يقومون به هو أمر خاطىء ونتائجه خاطئة، وجعلهم يعتقدون بأنهم عاجزون عن القيام
بأي شيء من دون الإستعانة وطلب المساعدة من الآخرين، لأن الحرية والاستقلالية
تولّد الإرادة والإبداع والتي بدورها تُلهم صاحبها بالتمرّد.
6- استخدام
براءة الأطفال والشخصيات العامة في الترويج، حيث يتم استخدام الأطفال في الترويج
لفكرة معينة وذلك للإستفادة من براءتهم وكذلك استخدام الشخصيات العامة مثل
الرياضيين والممثلين ، وهذا يعتبر من التقنيات الشائعة في غسل الأدمغة.
7- تغذية
الأفكار بشكل مكثّف وبسيط، حيث أن عملية تغذية الأشخاص بأفكار معينة تتم بواسطة
وضع هذه الأفكار بشكل مجزّأ داخل مجموعة كبيرة من المعلومات، وذلك لتوطيدها لديهم
بشكل غير ملاحظ.
8- إشعار
المُستهدف بالخوف والقلق، حيث أن إيهام الأشخاص وجعلهم يعتقدون بأن العالم سينفجر
وسيتدمّر في أية لحظة من اللحظات هو نوع قوي من أنواع السيطرة على الأشخاص
والتحكّم بهم.
هذه
التقنيات تستخدم معنا بشكل مستمر ويومي ومن أكثر من جهة، سواء من الحكومات أو
المحطات الإخبارية أو شركات الإعلانات وغيرها، وهي في الواقع مخيفة للغاية لأنه
وببساطة جميعنا معرضين لأن نكون ضحية للسيطرة على أدمغتنا والتلاعب بها، كما إن
عملية حماية أنفسنا من غسل الأدمغة صعبة للغاية وتكاد تكون مستحيلة لأنها تعني
ابتعادنا عن كل ما قد يؤدّي إلى ذلك، فمثلاً لو أردنا تجاهل الإعلانات ككل فالأمر
سيكون صعباً بل مستحيلاً، لأننا سنحتاج إلى مشاهدة التلفاز للحصول على الأخبار
وغيرها بالإضافة إلى أن تعاملنا مع الإنترنت في حياتنا اليومية يحتّم علينا مشاهدة
الإعلانات.
ولكن أفضل
أمر يمكنك فعله هو التوازن، حيث إذا لاحظت بأنه تم تزويدك بمعلومات معدّلة ومشوّهة
ولاحظت أن الهدف منها هو التلاعب بأفكارك، فما عليك سوى أن تقوم بحمع معلومات أخرى
مخالفة لها ومحاولة الوصول إلى المعلومة الأكثر حيادية منها، وذلك عن طريق
مقارنتها مع بعضها البعض ثم قرّر بنفسك كيف تشعر، وأخيراً فإن السبب الرئيس لحدوث
مثل هذه الأمور لك هو العزلة، بمعنى أن إستماعك إلى طرف واحد من دون إستماعك
وتعرّضك للبدائل سيؤدّي إلى غسل دماغك والتحكّم بآرائك وأفكارك.
رابط المقال
في موقع الميادين: