اهتمام وعناية الإسلام بذوي الاحتياجات الخاصة
وتعتبر
العناية بذوي الاحتياجات الخاصة والقيام بأمرهم من فروض الكفاية على الأمة، بحيث
إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم به أحد كان الجميع آثمين،ولقد
اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بذوي الاحتياجات الخاصة (المعاقين) وأولاهم رعاية
وعناية خاصة وحرص على عدم جرح مشاعرهم والشواهد على ذلك كثيرة، ولا أدلّ على ذلك
من قصة الصحابي الجليل (إبن أم مكتوم) وهو رجل أعمى، حيث جاء إلى النبي (ص) وكان
عنده أكابر القوم يدعوهم إلى الإسلام فأعرض عنه النبي، فنزلت في حقّه آيات عتاب
رقيق للنبي (ص)، حيث قال الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) (عبس 1- 6) ونلاحظ هنا أنه في هذه
الآيات عاتب الله سبحانه وتعالى نبيه محمّد (ص) وهو أفضل خلقه والنموذج الفريد في
الرحمة والتعاطف والإنسانية على إعراضه وعدم اهتمامه بإبن أم مكتوم، وفي ذلك إثبات
للجميع أن المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة هم جزء مهم لا يتجزّأ من المجتمع، وأن
رعايتهم والعناية بهم وتقديم الخدمات المتميّزة لهم هي مبدأ إسلامي مهم من مبادئ
وقِيَم الإسلام العظيمة الخالدة، ويُذكر هنا أن بعد هذه الحادثة كان النبي (ص)
يبسط رداءه لإبن أم مكتوم ويقول له مداعباً: أهلاً بمن عاتبني فيه ربّي.
كما إن من
أعظم صوَر العناية بذوي الاحتياجات الخاصة إتاحة الفرصة لهم ليقوموا بدورهم في
الحياة الاجتماعية وأن يندمجوا مع مجتمعاتهم بشكل طبيعي، فقد كان إبن أم مكتوم رضي
الله عنه مؤذناً لرسول الله (ص) وهو أعمى، كما واستخلفه رسول الله (ص على المدينة
مرات كثيرة ليصلّي بهم ويرعى شؤونهم وهو أعمى.
هناك أيضاً
الصحابي عمرو بن الجموح، حيث كان شديد العرج وكان له بنون أربع وكانوا يشهدون مع
النبي (ص) المشاهد، فلما كان يوم غزوة أحد أرادوا حبس أبيهم عن الخروج وقالوا له:
قد عذرك الله، فأتى عمرو بن الجموح رسول الله (ص) فقال: إن بنيّ يريدون أن يحبسوني
عن الخروج معك، فوالله إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال الصادق المصدوق
(ص): أما أنت فقد أعذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه: ما عليكم ألا تمنعوه لعل
الله يرزقه شهادة، فأخذ عمرو بن الجموح سلاحه وخرج فلما صفت الصفوف استقبل القبلة
وقال: اللهم أرزقني الشهادة ولا تردني إلى أهلي، وقاتل فكان ممن قتل شهيداً يوم أحد،
فقال رسول الله (ص): والذي نفسي بيده أن منكم من لو أقسم على الله لأبره، وإن عمرو
بن الجموح منهم، ولقد رأيته يطأ الجنة بعرجته، وهكذا فإننا نرى بوضوح أن تقدير
واحترام الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة هو توجّه إسلامي وقيمة دينية كبرى حظي
في ظلالها المعوقين بكل مساندة ودعم وتقدير، حتى وصل بعضهم إلى درجات كبيرة من
العلم والمجد والنبوغ.
هذا وعندما
نسلّط الضوء على مثل هذا الموضوع، فإنما نلفت الانتباه لجانب من جوانب عظمة
الإسلام، فقد وصف الله تعالى رسالة خاتم أنبيائه بقوله تعالى: (وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء 107)،حيث كان (ص)رحمة
للضعفاء والمحتاجين كما كان رحمة للأقوياء والأسوياء والأصحّاء، ورحمة لذوي
الاحتياجات الخاصة من باب أولى بالذات، فهاهو يجيب دعوة عتبان بن مالك الأنصاري -
رضي الله عنه - وكان ضرير البصر، والذي دعاه ليصلّي في بيته ليتّخذه مصلّى يصلّي
فيه، فتعنى السير إلى أطراف المدينة (ص) تطييباً لخاطره وتقديراً لحاجته ومراعاة
لظرفه، وهذا من حلمه وتواضعه (ص)وصبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات الخاصة
والأمثلة في ذلك كثيرة وكلها تزيد المشهد جمالاً وتدلّل على عظمة هذا الدين ورحمته
بالناس.
كما ولقد
حرّم الإسلام كل ما يُخل بتكريم الإنسان أياً كان، والذي جعله مكرماً في آدميته
ومن باب أولى ذوي الاحتياجات الخاصة، كما حثّ المجتمع بالتأدّب معهم بآداب الإسلام
التي تزرع المحبة والودّ وتقطع أسباب الشحناء والحزن، فجعل من المحرّمات والكبائر
السخرية والاستهزاء والهمز بأية وسيلة كانت، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً
مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ، وَلا
تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ
الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَان،ِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ) (الحجرات 11)، كما ثبت عن النبي (ص) أنه قال: (الكبر بطر الحق
وغَمط الناس) وغمط الناس احتقارهم والاستخفاف بهم، فهذا وعيد شديد لمن اتخذ العيوب
الخلقية سبباً للتندّر أو التّلهي أو السخرية أو التقليل من شأن أصحابها، فصاحب
الإعاقة ما هو إلا إنسان امتحنه الله تعالى، ليكون فينا واعظاً وشاهداً على قدرة
الله تعالى،لا أن نجعله مادة للتّلهي أو التسلّي.
وهكذا نهى
القرآن الكريم ونهى النبي محمد (ص) نهياً قاطعاً وعاماً أن تتخذ العيوب الخلقية سبباً
للتندّر أو العيب أو التقليل من شأن أصحابها، وأنه يجب أن يُعطى المعاق حقه كاملاً
في المساواة بغيره ليحيا حياة كريمة وطبيعية قدر الإمكان ولا يقلّل أي أحد مهما
كان مركزه في المجتمع من قيمته.
وأخيراً
نقول إن الرضا بقضاء الله وقدره علامة على صدق الإيمان وسبب قوي لتحصيل الراحة
والطمأنينة في الحياة، فيعيش مَن ابتلاه الله بالعمى أو الصمم والبكم أو شيء من
الإعاقة العقلية أو العضلية أو العصبية بنفسية عجيبة تجعل الأصحّاء المعافين
يتّخذونهم قدوة لهم في الصبر والتسليم لأقدار الله تعالى، وقد يكون المُبتلى أعظم
قدراً عند الله أو أكبر فضلاً على الناس،علماً وجهاداً وتقوى وعفّة وأدباً.
رابط المقال
في موقع الميادين: