خطر العقلية الوهابية على تاريخ الإسلام
المدرسة الوهّابية التكفيرية هي وحيدة من نوعها، وليست موضع اتفاق بين المسلمين، وذلك لأن التيار (الوهّابي) يعتقد أن كل ما يُشير إلى تاريخ الإسلام، يحمل قدراً من الرمزية للأشخاص الذين ارتبطوا بذلك التراث، والارتباط بالأشخاص هو صدّ عن الله تعالى وبالتالي من الواجب طمره وهدمه، إن هذه العقلية موجودة وهي نفس العقلية التي تستحلّ الدماء وتستبيح الحُرمات، وهي العقلية التي لا ترتدع عن قتْل الأبرياء وسفك دماء المسلمين وغير المسلمين، وهذه مشكلة كبيرة في عالمنا العربي والإسلامي، وعلى المسلمين خاصة والعالم عامة أن يواجهوا هذا التحدّي بحزم وشدّة.
لهذا فإن هذه الجهات المُتطرّفة والتي تحمل هذا الفكر الضّال يجب مواجهتها وعدم السماح لها بالقضاء على ما لدى المسلمين من تراث إنساني وإسلامي يجب أن يخلد، كما هو شأن الأمم المُتحضّرة والتي تحافظ على تراثها وتستوحي منه ما يفيد أجيالها المقبلة، بحيث تبني نفسها من خلال الروح التي تجسّده تلك المُعطيات التراثية التاريخية.
إن التيار (الوهّابي) والذي يُطلَق عليه زوراً وبهتاناً التيار (السلفي) لإضفاء شرعية سلفنا الصالح عليه يستند في مجمله إلى بعض الأقوال لعالمَي دين هما إبن تيمية ومحمّد عبدالوهاب، حيث أنهما يشيران إلى أن ما يبنى على القبور إنما هو ضرب من الشرك وعلى المسلمين أن يزيلوه، وهذه هي العقلية التكفيرية التي تعتقد أن مَن لا يؤمن بما يؤمنون به تماماً هم خارجون عن الدين والعقيدة، وهذه هي نفس العقلية التي تهدم المساجد المبنية على القبور الآن، وليس فقط المبنية على قبور الأولياء والصالحين وإنما وصل الأمر إلى قبر الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، حيث أن هناك الآن محاولة لفصل قبر الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) عن مسجده ووضع الأبواب التي تغلق في بعض الأحيان، وذلك لتعويد المسلمين على عدم زيارة قبر الرسول والاكتفاء فقط بالصلاة في مسجده، على أمل أن يأتي اليوم الذي تتحقّق فيه طموحات بعض الرموز خصوصاً الشيخ محمّد عبد الوهاب والذي كان يقول أنني لن أرتاح هناك (المسجد النبوي) ما دامت هذه القبة قائمة، فقبة الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) تُمثّل بالنسبة إليه تحدياً في العقيدة وعليه أن يزيلها لأنها تمثل برأيه الشرك، ومن الأكيد فإن الأيدي التي تمتد إلى آثار رسول الله، لن تمتنع عن الامتداد إلى مَن يُخالف أصحاب تلك الأيدي في المُعتقد أو في النظرة الفقهية أو في الرؤية الفكرية.
طبعاً إن هذه المستندات والمُصطلحات لا جذور لها في الإسلام، فنحن نعرف أن الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) وقف وبكى عند قبر حمزة (عليه السلام) كما وقف وبكى عند قبر زوجته خديجة (رضي الله عنها)، كما أن زيارة القبور هي لتذكّر الموت وأخذ العِبَر والابتعاد عن الدنيا ومحاربة الشيطان في نفوسنا والتفكّر في الآخرة وليست شركاً كما يدّعون، فليس هناك من المسلمين من يزور القبر ويعتقد أن الجثمان المدفون داخل القبر أياً كان هو شريك في الخلق أو إله، فكل من يزور أيّ قبر يعلم أن صاحبه قد تحلّل وأصبح تراباً، إنما الغاية من وراء ذلك هي رمزية لا أكثر ولا أقل، وذلك لما كان يمثله هذا الشخص من قيمة دينية أو جهادية أو علمية أو غيرها وليس أبداً من منطلق أن ذلك الشخص يملك لنفسه نفعاً أو ضراً، فالذي يملك النفع والضرّ إنما هو الله سبحانه وتعالى وهذا موضع اتفاق بين المسلمين جميعاً.
لكن المدرسة الوهّابية التكفيرية هي وحيدة من نوعها، وليست موضع اتفاق بين المسلمين، وإنما حقّقت قدْراً من القوة بسبب أموال النفط الهائلة التي وفّرتها الحكومات في منطقة الخليج العربي وخاصة السعودية، وهذه الأموال وجدت طريقها إلى المؤسسات الإسلامية في كافة أنحاء العالم، فانتشر بذلك هذا المدّ الوهّابي في أغلب دول العالم، أما من حيث القوة الفكرية والفقهية، فليس هناك أرضية قوية تستطيع هذه المدرسة الاتّكاء عليها ومواجهة آراء المسلمين والفقهاء الذين لا يؤمنون بما تؤمن به، حيث ما زال المسلمون عموماً يزورون قبر رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، وإذا كانوا يزورون قبر الرسول الشريف فهم لن يجدوا غضاضة من زيارة قبور صحابة رسول الله، وذلك من أجل الاتعاظ والسلام والتبرّؤ والتبرّك، وليس من أجل التقديس أو الشرك، فالمسلمون لديهم من العقل والحكمة والفطنة ما يمنع انخراطهم في الطريق الخطأ الذي يؤدّي بأهله إلى تدمير أنفسهم، وها هم المسلمون جميعاً بمن فيهم الوهّابيون يقفون مُتضامنين لحماية المسجد الأقصى تجاه أيّ مساس به، فأليس في المسجد الاقصى رمزية أيضاً.
وأخيراً نقول أنه بسبب هذه العقلية الوهّابية التكفيرية الإقصائية، فقد تم تدمير ما لا يقلّ عن 90% من حجم الآثار الإسلامية في السعودية وذلك حسب ما كتبه السعوديون بأقلامهم وفي صحافتهم، لكن ما يجدر ذكره ويثير الاستغراب أن الآثار التي تتعلّق باليهود في خيبر ما تزال موجودة ومحفوظة، حتى أن الجهات الرسمية السعودية تهتمّ بترويج السياحة في المملكة وتقوم ببعثات ورحلات وتشجّع الناس على زيارة منطقة العلى القريبة من تبوك في شمال المدينة المنوّرة ومنطقة المبيات، وذلك بسبب وجود بعض الآثار في تلك المنطقة والتي حوفظ عليها خصوصاً آثار اليهود، وهذا شيء مُثير للتساؤل، فكيف أن آثار المسلمين تنتهي ويتم القضاء عليها في الجزيرة العربية بينما يتم الحفاظ على كل ما أحتوته منطقة خيبر وتبوك من آثار، فهل لأن لها علاقة باليهود؟، هذا ويذكر أيضاً أن هناك آثاراً مرتبطة بالملك عبد العزيز آل سعود في مدينة الرياض بالإضافة إلى كل ما هو متعلّق بتاريخ الدولة السعودية الحديثة تم حمايته والمحافظة عليه، فأين هو المنطق هنا الذي يحكم هؤلاء ويرشدهم ويدلّهم إلى الطريق الخطأ هذا، وما هذه الازدواجية في المواقف لجهة تحريم والقضاء على كل ما له علاقه برسول الله وآل بيته وصحابته وتاريخ الإسلام والمسلمين في الجزيرة العربية ، بينما تتم المحافظة واحترام وتقديس آثار اليهود والملك عبد العزيز وربما غيرهم بشكل كامل.
رابط المقال
في موقع الميادين: