الزعيم الكوري الشمالي.. الوجه الطفولي القاتل
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون الذي يهدد استقرار العالم بتجاربه الصاروخية، تبدو عليه الثقة وعلامات الارتياح في كل مرة يظهر فيها على شاشات التلفزة في بلاده، خاصة وهو يقف بفخر في معهد الأسلحة النووية أمام قنبلة هيدروجينية متقدمة ومصممة لحملها على صاروخ طويل المدى، والتي فجرها مؤخرًا في سادس اختبار نووي تجريه بيونغ يانغ، مما يمثل تصعيدًا كبيرًا للمواجهة بين هذه الدولة المنعزلة والولايات المتحدة وحلفائها.
وجه وملامح الزعيم الكوري الشمالي الطفولية، تخفي وراءها إرادة حديدية ورغبة عارمة في تحدي غطرسة الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وتهديداتها الجوفاء، فهو الوحيد كما يبدو من زعماء العالم اليوم الذي يعرف كيف يتعامل مع أمريكا، وذلك باتباع سياسة حافة الهاوية، أي إثارة أزمات وتبني موقف عدواني واستفزازي حيال الأسرة الدولية لتصعيد المساومات، حيث إن هذا الرجل لن يتردد في جر العالم إلى حرب نووية إذا تعرضت بلاده لأي استفزاز أمريكي.
فكيم جونغ أون أعلن تحدي الإمبريالية العالمية، وذلك في استمرار لنهج والده كيم جونغ إيل ومن قبله جده الزعيم كيم إيل سونغ الذي حرر البلاد من اليابانيين، فهو الرئيس الوحيد الذي لم يغادر بلده حتى الآن منذ تسلمه السلطة خلافًا لوالده الذي كان يزور الصين دائمًا، حيث تم إعداد كيم جونغ أون من قبل والده الزعيم الكوري الشمالي السابق كيم جونغ إيل المعروف بـ(الزعيم العزيز) لخلافته بعد موته في ديسمبر (كانون أول) عام 2011م، وعقب وفاة والده مباشرة أشير إلى كيم جونغ أون باعتباره (الخليفة العظيم) وتمت تسميته خلال وقت قصير رئيسًا للحزب والجيش والدولة، ما يعكس سيطرته المطلقة على السلطة.
هذا وما زال الجد كيم إيل سونغ يلقى تقديرًا كبيرًا في كوريا الشمالية، لهذا فإن حفيده يلعب على هذا الوتر إذ يقلده في طريقة لباسه وتسريحته وخطبه ونهجه، وذلك في إشارة خفية منه فيما يبدو لينأى بنفسه من الإرث المثير للجدل لوالده الذي شهدت البلاد إبان عهده مجاعة هائلة أدت إلى موت الآلاف وربما الملايين من الكوريين الشماليين.
كما ولا يعرف الكثير عن حياة كيم جونغ أون الأسرية، لكن يذكر أنه ولد في تاريخ ما بين عامي 1983م و1984م، وهو الابن الأصغر لكيم جونغ إيل وزوجته الثالثة (كو يونغ هوي)، الراقصة الكورية، يابانية المولد أو الأصل والتي توفيت بعد إصابتها بسرطان الثدي عام 2004م، حيث كانت الزوجة المفضلة لأبيه والتي كانت تطلق عليه اسم (الملك نجم الصباح).
وقد درس كيم سنواتٍ في سويسرا، حيث كانت خالته كو يونغ سوك وزوجها يهتمان به، إلا أن العاملين في المؤسسات الدراسية التي ارتادها وأصدقاءه فيها كانوا يجهلون أنه ينتمي إلى العائلة الحاكمة في كوريا الشمالية، ويتذكرون فقط أنه كان صبيًا خجولًا يحب التزلج وأفلام جان كلود فان دام، هذا وبعد عودته من الدراسة في سويسرا أكمل تعليمه في جامعة كيم إيل سونغ العسكرية وصار يحضر العديد من المناسبات الرسمية مع والده، وفي أغسطس (آب) 2010م اصطحبه والده خلال زيارته للصين، بحيث أصبح ينظر إليه على أنه خليفة أبيه.
فيما وصفته خالته التي فرت عام 1998م إلى الولايات المتحدة بأنه صبي عصبي المزاج وأنه من هواة كرة السلة إلى درجة أنه كان ينام وإلى جانبه الكرة، وهذا ما يفسر زيارات نجم فريق شيكاغو بولز لكرة السلة السابق دينيس رودمان لبيونغ يانغ مرات عدة، وهو من الغربيين النادرين الذين التقوا الزعيم الكوري أكثر من مرة.
أما تفاصيل زواجه فهي غير واضحة، ففي يوليو (تموز) عام 2012م أذاعت وسائل الإعلام الكورية الشمالية نبأ زواج كيم جونغ أون من الرفيقة (ري سول جو) والتي ظهرت معه قبل ذلك وهي تحضر فعاليات مختلفة، ولا يعرف الكثير عن هذه السيدة، ولكن مظهرها الراقي دفع المحللين للاعتقاد بأنها من أسرة تنتمي للطبقة العليا بحيث تناسب جهود كيم جونغ أون للظهور بشكل أكثر انفتاحًا مقارنة بسلفيه، فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن ري ربما كانت مغنية لفتت انتباه الزعيم خلال عروضها، كما وأفادت الأنباء أن الزوجين لديهما ثلاثة أطفال حاليًا.
هذا ويذكر أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون واحد من أصغر قادة الدول سنًا في العالم، وقد رأى فيه الخبراء شخصية ضعيفة لا تمتلك الخبرة ويمكن أن يتلاعب بها من أشخاص أكثر ذكاء وحنكة، لكنه برهن بسرعة على قوته، وذلك من خلال ممارسته لسلطة مطلقة في بلاده، تمثلت بسحقه لكل صوت معارض له أيًا كان، حيث إنه أظهر قسوة شديدة إزاء بزوغ أعمامه النافذين، فضلًا على أنه يعزى له قتل عمه الأكبر الذي كان يتمتع بنفوذ كبير بتهمة الخيانة وزوج عمته بتهمة التخطيط لانقلاب، كما ويشتبه بأنه دبر الاعتداء الذي أودى بحياة أخيه غير الشقيق في ماليزيا في فبراير (شباط) هذا العام، هذا بالإضافة إلى تعرض عدد كبير من المسؤولين الكبار لعملية تطهير سعيًا منه للتخلص من كل الذين يمكن أن يشكلوا تهديدًا له مستقبلًا.
الزعيم الكوري الشمالي يحكم البلاد منذ ست سنوات، لكن الأسرة الدولية لا تعرف الكثير عنه خصوصًا وأنه لم يقم بأي زيارة رسمية إلى الخارج، إلا أنه دخل مجددًا الأضواء من أوسع أبوابها في الإعلام الغربي الذي بدأ يلاحق كل صغيرة وكبيرة في مسيرة هذا الزعيم الغامض، والذي انصب اهتمامه على تطوير الترسانة النووية لكوريا الشمالية وبرنامجها الصاروخي، حيث أصبح يمتلك أسلحة بعضها من الأقوى في الكرة الأرضية، وذلك تنفيذًا لقناعته بأن التفوق في التكنولوجيا العسكرية لم يعد حكرًا على الإمبرياليين، وأن عليه بذل كل الجهود لتعزيز قدرات الجيش الشعبي الكوري الشمالي كما يسميه وجعل بلده قوة نووية تتمتع بالمصداقية ويخشى بأسها، متجاهلًا بذلك تمامًا كل تحذيرات الأسرة الدولية والعقوبات الاقتصادية والتهديدات بالحرب التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول ضربات عسكرية محتملة، حتى إنه أبدى استعداده للابتعاد عن الصين حليفته المهمة والوحيدة، وذلك برفضه تغيير مسار التسلح الذي يتبعه وتعارضه بكين بشكل واضح.
فالسلاح النووي والقدرات العسكرية وحدها هي التي تحمي حكام كوريا الشمالية وخاصة بعد أن سقطت الشيوعية في أواخر القرن الماضي، حيث إن التهديدات والعقوبات المتسلسلة من الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص، أدت إلى تدهور الاقتصاد والفقر المدقع والمجاعة والتي كلّفت حياة مئات الآلاف بل الملايين من البشر على مدى عقود مضت، وهذا ما مكن القيادة في كوريا الشمالية تحت حكم نظام ستاليني يعبد الديكتاتور الحاكم بالإضافة إلى حملات التطهير ومنع تام لحق الملكية الخاصة من استغلال ذلك لتنطوي على نفسها وتغلق عليها الأبواب عن العالم وتشرح لمواطنيها لماذا يتعين عليهم أن يشدوا الأحزمة المشدودة على أية حال وأن يستمروا في سياساتهم، وذلك لأن العدو الأمريكي (الغرب) يريد إبادتهم ويريد أن ينهي ما لم ينجحوا في تحقيقه في حرب 1950م – 1953م، ولكنه لن يتجرأ على مهاجمتنا وتحقيق مبتغاه فقط لأن لدينا قنبلة ذرية وصواريخ بعيدة المدى تهدده وتهدد اليابان وكوريا الجنوبية.
رابط المقال
في ساسة بوست:
https://www.sasapost.com/opinion/north-korean-leader-killer-child-face/