أفكار ورؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لاستئناف الحضارة في الوطن
العربي
ضمن
فعاليات أعمال الدورة الخامسة للقمة العالمية للحكومات في مدينة دبي، والتي تعتبر
أكبر منصة عالمية لاستشراف حكومات المستقبل، وبمشاركة أكثر من 4 آلاف شخصية
إقليمية وعالمية ضمن وفود من 138 دولة، تحدث نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس
الوزراء، حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وعلى مدى أكثر من ساعة في جلسة
حوارية، تحت عنوان (استئناف الحضارة) والتي تم اعتبارها أهم جلسات أعمال القمة.
وقد
تحدث الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في هذه الجلسة الحوارية عن أفكاره ورؤيته وطروحاته
لموضوع استئناف الحضارة في الوطن العربي، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة
المطروحة عليه من خلال الفيديو وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من قبل
إعلاميين ومفكرين وأناس عاديين من مختلف الشرائح الاجتماعية في عدد من الدول العربية.
هذا
وإبتدأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حديثه عن استئناف الحضارة قائلا: أن لكل واحد
منا وصفته الخاصة لهذا الموضوع وذلك بما يتناسب مع إمكانيات وظروف كل منطقة، والكل
يؤخذ منه ويرد، ولأن همّ العالم يشغلنا وليس فقط بلادنا أو منطقتنا أو إقليمنا،
فكل منا يؤثر ويتأثر في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة بالفعل إن لم يكن أصغر من
ذلك، إلا أنه وفي كل الأحوال وبعد طرح جميع الأفكار فإننا سوف نأخذ بما يحقق
مصالحنا أسوة بالآخرين.
كما
وشدد الشيخ محمد على أن لا شيء يبقى على ما هو عليه، ثابت وجامد، وأن سنة الحياة
هي التبدل والتغير، ونحن نسعى للتطور والتغير نحو الأفضل وفي كافة المجالات ونواحي
الحياة، وهنا لفت النظر إلى أنه وقبل 12 سنة نبّه الحكام والقادة والمسؤلين العرب إلى
ضرورة الإصلاح قائلا: (تغيروا وغيروا قبل أن يتم تغيركم) وهذا ما حصل فعلا، مضيفا
إلى أن أحد أهم أسباب تخلف وضعف وفساد كثير من الدول العربية هو أن الحاشية حول
الحكام والمسؤلين العرب تمدهم بمعلومات مغلوطة وكاذبة عن الأوضاع والحالة الحقيقية
للبلاد والشعب، وعند اكتشاف الحقيقة يكون الآوان قد فات.
أما
عن مستقبل منطقتنا العربية فإن الشيخ محمد أكد على أننا مهد الحضارة الإسلامية،
وأن الأمل بالمستقبل دائما موجود، لأننا نمتلك كل مقومات الحضارة من أرض ونفط
ومعادن ومسطحات مائية متنوعة، والأهم من ذلك على الإطلاق هو امتلاكنا للعنصر
البشري والذي يشكل الشباب العربي نسبة كبيرة منه، ولكن للأسف الشديد فإن هذا
الشباب المتعلم لا أمل له في ظل الظروف والأحوال الراهنة، وسبب ذلك كله يرجع إلى
غياب أو في أحسن الأحوال سوء الإدارة والتي تعتبر في عصرنا الحالي هي الأهم، وضرب
سموه مثالا بسيطا على ذلك وهو أنه لو عملنا مقارنة بين ما حققه جميع الرياضيين
العرب في الألعاب الأولمبية الأخيرة وهم الذين يمثلون حوالي 300 مليون عربي وما
حققه الرياضيين الأمريكان والذين يمثلون تقريبا أيضا حوالي 300 مليون أمريكي لاتضحت
الصورة.
هذا وفي
مداخلة للعالم المصري في وكالة ناسا الأمريكية فاروق الباز عبر الفيديو، أشاد فيها
بالتطور الحاصل في الإمارات وخاصة مدينة دبي وذلك منذ أول زيارة له للمنطقة في عام
1974م، واستفسر من الشيخ محمد بن راشد عن سر هذا التطور والنمو السريع، فأجاب
الشيخ محمد أن أول وأهم استثمار وإنجاز لنا هو الاهتمام بالإنسان الفرد وتطويره
دائما، والدليل على ذلك أنه بعد أن كنا نملك 40 خريج جامعي فقط في كل دولة
الإمارات في سبعينيات القرن الماضي، فإننا الأن نتوفر على 77 جامعة مرموقة تساهم
في صنع وتخريج قيادات إماراتية تقودنا نحو المستقبل بخطى ثابته وواثقة، كما وأضاف
بن راشد أن من آخر المشاريع التي يتم العمل عليها الآن هو تأهيل شباب إماراتي في
العشرينيات من العمر للسفر والوصول إلى كوكب المريخ في السنوات القليلة المقبلة.
أما
في سؤال من الأستاذ محمد الرميحي عن كيفية نجاح الإمارات في تلافي وتجنب اضطرابات
الإرهاب الذي يضرب المنطقة وذلك على الرغم من انفتاحها الاقتصادي على الجميع، فأكد
الشيخ محمد أن المشاكل في العالم لا يمكن أن تنتهي سواء كان إرهاب أو غيره، كما ولا
يمكن أن ننتظر أو نؤجل مشاريعنا بسبب المشاكل والأزمات المختلفة التي تحيط بنا،
ولكننا نحن من نصنع الأمن بسواعد رجالنا وهكذا يستمر العطاء والأمل، وأن رؤيتنا
تقوم دائما على تخطيط وخطة وجدّ في العمل، وهذا هو سرّ نجاحنا بالإضافة طبعا إلى
وجود قيادة حكيمة.
هذا
وفي نصحية له للحكومات العربية شدد بن مكتوم على عدم تضييع الوقت لأن العالم اليوم
لا ينتظر أحد، وأنه يجب دائما تعلم الجديد والاستفادة منه في كافة المجالات، كما وأنه
على أتم الاستعداد لتقديم تجربة الإمارات الرائدة لمن يطلبها حتى يستفيد منها.
أما
الإعلامي عمرو أديب فكان سؤاله يتمحور حول ما إذا كانت تجربة دولة الإمارات قابلة
وممكنة التنفيذ في دول عربية أخرى أكبر مساحة وأكثر سكان وأقل موارد وإمكانات
نسبيا أم أنها فقط محصورة التطبيق في دول صغيرة المساحة وقليلة السكان وغنية
الثروات، فرد الشيخ محمد بن مكتوم مازحا أن هذا السؤال ملغوم، إلا أنه قال أن الأرقام
كثيرة ولكن رقم الفشل معروف وواضح، وضرب عدة أمثلة لتوضيح فكرته قائلا: أن الصين يبلغ
تعداد سكانها 1,3 مليار نسمة ولكنها تشكل ثاني اقتصاد في العالم، كما أن اليابان
وكوريا الجنوبية دولتان فقيرتان في الموارد الطبيعية ولكنهما من أقوى اقتصاديات
قارة اسيا والعالم، في حين أن لو قارنا ذلك ببعض دولنا العربية كاليبيا ومصر
لوجدنا الفروق شاسعة والفجوة كبيرة، والسبب الأهم والرئيسي في ذلك هو عدم وجود
الإدارة القادرة على الأخذ بزمام الأمور في هذه الدول.
كما وأشار
الشيخ محمد بن راشد إلى دور مصر التاريخي في المنطقة على مدى عقود، واصفا إياها
بروح العرب، ومستذكرا كيف ساهم الأساتذة والمعلمين المصريين عند بداية تأسيس دولة
الإمارات في نهضة التعليم فيها، كما وأضاف أن الشيخ زايد هو من سعى بكل جهده لإعادة
مصر إلى الحضن العربي وإلى الجامعة العربية بعد مقاطعة الدول العربية لها إثر
توقيعها لمعاهدة كامب دايفيد.
هذا وفي
سؤال عن ضرورة الفصل وإبعاد الدين عن السياسة، أجاب الشيخ محمد أننا كعرب قبل
الإسلام كنا قبائل متحاربة ثم جاء الإسلام فوحدنا وجعل منا حضارة ذات قيمة، لكن ما
نشهده الآن من جماعات وفصائل إرهابية تقتل وتدمر وتهجّر باسم الإسلام، فهذا هو
الجهل بعينه، والإسلام والمسلمين برآء منه، فالإسلام دين سلام مع جميع البشر
والكائنات في العالم.
أما
عن نظرية المؤامرة وإيمانه بها، فقد أوضح الشيخ محمد أن المؤامرات والتجسس على
الدول والحكومات هي أمور موجودة في التاريخ والحاضر وستبقى موجودة مستقبلا، فهي
جزء من سياسات الدول لتعطيل أو إبطاء مسيرة النجاح للدول الإخرى، بالإضافة إلى الإستفادة
من إمكانات وإنجازات الآخرين لتطوير نفسها وشعوبها، مشيرا إلى أن دولة الإمارات
تعرضت طوال تاريخ مسيرتها لشتى الأنواع من المؤامرات والحروب الاقتصادية والإعلامية،
لكننا حاربناها من جهتنا وإستمرينا في طريقنا نحو المستقبل والتطور ولم نتخذ ذلك
حجة للتقاعس أو التوقف.
كما وأضاف
الشيخ محمد قائلا عن مستقبل العلاقات مع
الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة ترامب: أن علاقاتنا كدولة الإمارات تكون
دائما مع دول وحكومات وليس مع أفراد، وأن ما يحكم هذه العلاقات هي السعي والرغبة
في تحقيق مصالحنا أولا، كما اشار إلا أن الإدارات الأمريكية السابقة كان لها أخطاء
أبرزها غزو العراق ودعم الثورات العربية وما جلبه ذلك كله من عدم استقرار وفوضى
ودمار وحروب على المنطقة.
هذا وفي
تعليقه عن أهمية دور مجلس التعاون الخليجي لدول الخليج قال الشيخ محمد أن مسيرة
المجلس كانت بطيئة نسبيا في السنوات الماضية، ولكنه بالرغم من ذلك حقق انجازات
مختلفة أهمها رفضه لغزو الكويت ودعمه لها بعد ذلك، ولكن الآن ومع القيادات
الخليجية الجديدة والروح الموجودة سيكون العمل والتطور بشكل سريع، بحيث أنه في الأربع
سنوات القادمة ستكون الإنجازات بما يفوق ما تم تحقيقه في أربعين سنة سابقة.
أما
عن السوق العربية المشتركة فقال الشيخ محمد أن هذه امنية وحلم قديم للعرب، أما اليوم
فالحلم يجب أن يكون هو سوق عالمي مشترك حيث لا حدود ولا حواجز بين الدول والتجارة
مفتوحة للجميع، والذي ينغلق وينكفئ على نفسه هو الخاسر الأكبر والوحيد، ضاربا بطيران
الإمارات مثالا على ذك فهو الذي تحط طائراته وتتنقل بين أكثر من 260 مطارا في
مختلف دول العالم وفي القارات الخمس، بحيث أنه يحمل ويصدر البضائع من آسيا إلى أمريكا
وينقل المسافرين من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا وهكذا.
أما
عن دور الجامعة العربية فقال الشيخ محمد إنها لا تقوم بدورها في جمع العرب كما هو
مطلوب منها، إضافة إلى أنها تحتاج لإصلاحات كبيرة وعديدة، أهمها على الإطلاق هي أن
تنفتح على الشباب والمتخصصين والخبراء في مختلف المجالات والتخصصات، مؤكدا في هذا
السياق أن دولة الإمارات جاهزة لافتتاح فرع للجامعة العربية على أراضيها بالإضافة
إلى أنها على أهبة الاستعداد لعمل دورات تدريبية للقيادة والتدريب للمساهمة في صقل
الشباب والقيادات الجديدة للجامعة العربية.
أما
عن سؤاله عن ليبيا وهل كان هناك خطة لإنشاء مدينة شبيهة بدبي في ليبيا، فأجاب
الشيخ محمد أنه بعد حل أزمة لوكاربي وتفكيك برنامج الأسلحة الليبية ورفع الحظر الاقتصادي
عن ليبيا، إتصل بنا القذافي للمساعدة في بناء مدينة جديدة على غرار دبي، مدينة
اقتصادية شاملة لكل مرافق الحياة المدنية الحديثة لتكون الأفضل في إفريقيا،
وبالفعل بعثنا وفود من الخبراء لدراسة المشروع، ولكن مع مرور الوقت بدأت تظهر لنا
الصعوبات والعقبات، والتي كانت متمثلة في صراعات بين المسئولين الليبيين ممن هم
تحت القذافي، وذلك بهدف الحصول على عمولات وإرضاءات مختلفة لكل طرف، وهنا انسحبنا
وتوقف المشروع، فالفساد كان هو السبب الرئيسي.
ويضيف
الشيخ محمد بن راشد أنه يجب محاربة الفساد بكل الوسائل الممكنة لأنه هو سبب تخلف
كثير من المجتمعات والدول، حيث أن الفساد في هذه الدول يبدأ فور نزولك في المطار،
وذلك من خلال طلب دفع الرشوة لتسهيل الإجراءات العادية، وبسبب السكوت عن ذلك ومع
مرور الوقت يتجذّر ويتأصل هذا الفساد في المجتمع، بحيث يعتبر الفاسد أن الرشوة شيء
طبيعي بل وحق له، وهنا تصبح المشكلة عميقة وسبب للتخلف وهروب للإستثمارات والأموال
من هذه الدول.
لهذا
يجب علينا العمل على إحداث تغيرات جذرية في سبيل القضاء على هذه الظاهرة، لأننا
كحكام نحن مسؤلين عن ذلك أمام الله تعالى وامام شعوبنا، وبسبب ذلك فإننا في مراقبة
دائمة لموظفينا في الدولة حتى نقف على مدى إلتزامهم بالقوانين وتطبيقهم للبرامج
المسطرة والمطلوب تنفيذها، ومن يتقاعس عن ذلك ويتباطئ في العمل ويبدي عدم الإهتمام
فمصيره الشكر والتقاعد المبكر، لأن هدفنا وغايتنا هو خلق روح التنافس والتميز بين
موظفينا والقضاء على الروتين في دوائرنا الحكومية، ونتيجة لذلك فقد سددنا الديون
المترتبة علينا بل وأصبح عندنا فائض في الخزينة.
هذا وفي
سؤال من الأستاذ علي جابر عن أهمية دور الإعلام في المنطقة العربية وهل الإعلام كان
سببا في الثورات العربية الأخيرة، أجاب الشيخ محمد بن راشد أن الفضائيات العربية
كان لها دور بارز في تأجيج الفتنة في كثير من الدول، بحيث أن هناك حوالي 1300 محطة
تلفزيونية عربية بتكلفة قد تصل إلى 30 مليار دولار، وأنه لو تم استغلال هذه
الأموال أو حتى جزء منها لقضايا التنمية في الوطن العربي لكان ذلك أفضل بكثير، ولهذا
فإنه يجب عمل مراجعة ودراسة جادة لهذا القطاع لاستخلاص العبر.
وأخيرا
إختتم الشيخ محمد بن راشد هذه الجلسة الحوارية بالإشادة بدور المرأة في دولة
الإمارات ومدى تطورها، حيث قال أن نسبة النساء العاملات في الوطن العربي تبلغ 17%
وهذا شيء مؤسف بينما في دولة الإمارات فإن نسبة الخريجات الجامعيات تتتراوح بين 70
% – 75%، كما أن نسبة العاملات قد تزيد عن 80%، هذا بالإضافة إلى أن المرأة ممثلة
عندنا في الحكومة الإتحادية بنسبة الثلث ونسعى لزيادة ذلك حتى يصل مستقبلا إلى
النصف، وكل ذلك لأننا نعتبر المرأة بألف رجل، وهي تمثل نصف المجتمع ودون مشاركتها
ومساهمتها نبقى عاجزين ومعطلين عن الوصول إلى الكمال.