مسلسل التطبيع الخليجي
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرا والمسؤولين الصهاينة الأخرى تعكس اتجاه الاحتلال في أهدافه المستقبلية إلى التقارُب مع الشعوب العربية ومحاولة اختراقها، حيث سيحاول هذا العدو اختراق المجتمعات العربية في سبيل الوصول إلى سلام دافئ حسبما يُطلِق عليه بعض الزعماء العرب والصهاينة، وطبعا سيكون المسؤولون العرب أنفسهم وسيلة الاحتلال وساعده الأيمن في الوصول إلى هذا الهدف، وذلك من خلال المنابر الإعلامية التي سوف تُسوِّق لعملية السلام المزعومة (الاستسلام)، والعمل على تغيير المناهج التعليمية والتركيز على عددٍ من الفتاوى الدينية الموجّهة وغيرها الكثير، إضافة طبعاً إلى الاستثمارات الإسرائيلية الهامة في مختلف القطاعات الحيوية في عددٍ من الدول العربية المُستهدَفة للوصول إلى هذه الشعوب واختراقها والتطبيع معها.
الحديث عن
محاولات إسرائيل التقرّب من الشعوب العربية وتقديم بعض المسؤولين العرب يد العون
والمساعدة لها في تحقيق هذا الهدف، يتناسق تماماً مع تصريحات صدرت مؤخّراً عن بعض
القيادات العربية وخاصة الخليجية، والتي تُصوِّر فيها إسرائيل على أنها صديق للعرب
وحليف مُقرَّب ضد أعداء مشتركين (إيران)، حتى وصل من بعضهم إلى تصوير إسرائيل على
أنها الحامي الأول للشعوب العربية، مثلما جاء في تصريحات للملك البحريني، حمد بن
عيسى آل خليفة.
كما بدأت
تظهر علامات مُتزايدة وعلنية على نيّة أن تأخذ العلاقة بين السعودية وإسرائيل
شكلاً آخر، فبعد أن حرصت القيادات السعودية السابقة على البقاء بعيدة عن أيّ سلام
مع إسرائيل أو حتى تقارُب معها، خشية من ردّة فعل الشعب السعودي أو حتى الشعب
العربي الذي لا يزال وعلى نطاق واسع ينظر إلى إسرائيل على أنها عدو، يبدو أن
الرياض الآن أصبحت حريصة جداً على بدء تعاون مفتوح مع إسرائيل ضد إيران، وذلك مع
تصاعُد التوتّر بين الرياض وطهران.
هذا
التقارُب السعودي الإسرائيلي انطلقت آثاره بسلسلة تصريحات من شخصيات إعلامية
سعودية والعديد من الكُتّاب السعوديين بالترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني خلال
الفترة الأخيرة، كما وقد تجلّى التطبيع السعودي الرسمي من خلال إجراء قائد الجيش
الإسرائيلي، الجنرال غادي إيزنكوت، حواراً مع موقع صحفي سعودي (إيلاف)، إضافة إلى
ما أكّده وزير إسرائيلي لأول مرة منذ فترة قصيرة، وذلك من أن مسؤولين إسرائيليين
وسعوديين اجتمعوا مؤخراً بشكلٍ سرّي بناء على طلب السعودية، هذا وهنّأ المسؤول
الإسرائيلي، أيوب كارا، عبر تويتر، رئيس هيئة العُلماء السعودية، عبد العزيز آل
الشيخ، على فتوى أخيرة أصدرها ضد قتل اليهود وضد حركة حماس، ودعا المفتي السعودي
إلى زيارة إسرائيل قائلاً إنه سيستقبله بحفاوة.
وهكذا
سيُمثّل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل أحد أكبر التحوّلات في السياسة في
الشرق الأوسط منذ عقود، كما أنه سيشهد قيام تحالف بين الدولة اليهودية والسعودية
ضد إيران، والذي من شأنه أن يُسعِد أميركا والغرب وهم يرون حليفيهم في المنطقة
يقفان في جبهة واحدة ضد إيران.
ويستمر
مسلسل التطبيع الخليجي هذه المرة من الكويت، حيث ظهر ما يُسمّى كاتب كويتي يُدعى
عبدالله الهدلق على شاشة قناة الراي المحلية، ليُخبرنا أنه لا يوجد شيء إسمه دولة
فلسطين، كما أشاد الرجل بإسرائيل باعتبارها دولة مستقلة ذات سيادة، ودلّل على قوله
هذا تاريخياً بأنه قبل العام 1948م لم يكن هناك شيء إسمه فلسطين، إلا في مُخيّلة
الحالمين على حدِ وصفه.
ويبدو أن
البحرين قد تفوّقت على الجميع في سياق إقامة علاقات رسمية مع (إسرائيل)، حيث قام
وفد مُكوّن من 23 شخصاً من مملكة الخليج الصغيرة هذه بزيارة استمرت 4 أيام إلى
(إسرائيل) بما فيها القدس، وذلك لإبراز ادّعاءات البحرين بالتسامُح مع جميع
الأديان، ودعم التزام ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، بتعزيز الحرية الدينية
والتعايش في جميع أنحاء العالم، لكن المقدسيين الشُرفاء منعوا هذا الوفد من دخول
الأقصى كما رفض أهل غزّة استقباله، إلا أنه ومنذ أن انتشرت أخبار زيارة هذا الوفد،
ادّعت تقارير من (إسرائيل) أن أيوب كارا، مساعد وزير الخارجية الإسرائيلي للشؤون
الاقليمية، يعتزم زيارة البحرين في الأشهر المقبلة، كما وأضافت إنه سيكون هناك
المزيد من المفاجآت في هذا العام، حيث نرى اهتماماً كبيراً بين دول الخليج في
إقامة علاقات مع (إسرائيل).
ويُذكَر هنا
أن العام الماضي شهد حالات أخرى من دفء للعلاقات بين إسرائيل والبحرين، ففي شهر
شباط (فبراير) الماضي استضاف ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، حاخامين
أميركيين، ووفق التقارير فقد قال الحاخامان الأميركيان خلال هذا اللقاء إن الملك
يدعم إلغاء المقاطعة العربية ضد إسرائيل، هذا وكانت صحيفة (جيروزاليم بوست)
الإسرائيلية قد أفادت في أيلول (سبتمبر) الماضي إن ملك البحرين شارك في احتفال في
مركزٍ يهودي لإحياء ذكرى الهولوكوست (المحرقة) في لوس أنجلوس، وقال إنه يشجب
مقاطعة الدول العربية لإسرائيل، وإنه سيسمح لمواطني البحرين بزيارة الدولة العبرية
قريباً، وذلك لدفع وثيقة التسامُح الديني التي وقّع عليها.
طبعاً ولا
ننسى هنا أن نذكر معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي وقّعِت في عام 1979م
وذلك بعد 16 شهراً من زيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل في عام 1977م،
وبعد اتفاقية كامب ديفيد الموقّعة في 1978م، بحيث دخل تطبيع العلاقات بين إسرائيل
ومصر حيّز النفاذ في يناير 1980م، وتم تبادل السفراء وألغيت قوانين المقاطعة
لإقامة علاقات ودّية بين الطرفين، وكان ذلك أول خرق تطبيعي عربي للموقف من دولة
إسرائيل، كما لا تُخفى على أحد العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الأردن وإسرائيل،
وذلك بعدما وقّعت معاهدة السلام (وادي عربة) بين البلدين عام 1994م لبداية عصر
جديد من العلاقات السلمية بين الدولتين، حيث تتعلّق هذه المعاهدة بالتطبيع بين
الأردن وإسرائيل كما وتتناول نزاعاتهما بشأن الحدود، ولكنها ترتبط أيضًا بالصراع
الفلسطيني الإسرائيلي وعملية السلام في الشرق الأوسط بشكلٍ عام.
لا نفهم هذا
التزلّف والمُحاباة تجاه (إسرائيل) والإصرار على إظهار الخوف والخنوع لها، ولماذا
هذا الإصرار على الوقوف في صف الجلاّد والتودّد له، بدلاً من تسجيلِ موقفٍ مُشرّفٍ
وطبيعي متوافق مع الحق والحقيقة والإنسانية الواضحة والضمير الحيّ، فليس طبيعياً
أو إنساناً سويا أو حتى وطنياً عربياً مَن ينسى الجرائم الإسرائيلية في تهجير
وتشريد الشعب العربي الفلسطيني من أرضه ولا يشارك في مواجهة هذا المشروع الصهيوني
في المنطقة.
لهذا فإن
الشعوب العربية وشُرفاء الأمّة وأحرار العالم من المحيط إلى الخليج لا يزالون
يتوحّدون حول وصف إسرائيل بكيان الاحتلال الصهيوني، وذاكرتهم تأبى أن تنسى أو
تتناسى أنه المُغتصِب لفلسطين وآلة التدمير في هذا الوطن العربي، كما أن العلاقة
أو التقارُب مع إسرائيل يُعتبَر خطأ تاريخياً لا يُغتَفر، وليس من حق أي حاكم عربي
أن يقيم علاقات مع دولة تُناصِب العرب والمسلمين العداء مثل إسرائيل، كما وليس من
حق أي حاكم أن يساوم إسرائيل على حقوقنا المشروعة في فلسطين المحتلة.
التطبيع
الرسمي لدى العديد من الدول العربية مع العدو بات مُعلناً ولا يحتمل التشكيك، وذلك
لأن هناك جيلاً من المسؤولين السياسيين في الوطن العربي عموماً والخليج خصوصاً ،
يعتقد أن التقارُب مع إسرائيل هو الضامِن الوحيد لبقاء هؤلاء الحكّام في مناصبهم
طالما بقوا على قيد الحياة، وأن ذلك سوف يُحقّق لهم الأمن والسلام ويفتح لهم أبواب
الغرب على مصراعيها، وهذا مفهوم خاطئ ومغلوط، لأن أمن واستمرار هؤلاء في الحُكم
جيلاً بعد جيل لن يتحقّق أبداً بدعامة قوى أجنبية ولا بالتقرّب من إسرائيل
ومساعدتها، ولكنه إن تحقّق فسوف يكون بإقامة أسس العدل والحرية والديمقراطية
واحترام حقوق الإنسان، والتي ستمدّ الوطن ونظام الحُكم فيه بالأمن والأمان إضافة
إلى الثبات والقوّة.
رابط المقال
في موقع الميادين: