حب الذات المبطن
الذين يدخلون المجالس (المسجد) ويحاولون تخطي الرقاب للوصول إلى صدر
المجلس والحصول على مكان هناك مهما كان هذا المجلس مكتظا ضيقا، حيث تتوجه إليهم
الأنظار ويهمس الجميع: إنه أناني... أناني جدا... ثم يأتي شخص ما ويجلس على
الأحذية، وكلما يتوسل إليه الآخرون: تفضل هناك... المكان فيه متسع... يرفض قائلا:
كلا أجلس هنا على الأحذية، ثم يدعونه مرة أخرى ويرفض، ويلتمسون ويصر قائلا: إن
مكاني جيد... ويلتفت إليه الناس ويهمسون: ما شاء الله إنه متواضع... متواضع جدا.
فلربما كان تكبر هذا الأخير وأنانيته أكثر من الأول، لأن الأول يمتلك
شيئا من التكبر والأنانية ويصرح أن مكاني في صدر المجلس وأريد أن أجلس هناك ليعلم
الناس أني من ذوي الوجاهة، أما الثاني فإنه يريد أن يصرح بنفس ما صرح به سابقه،
بيد أنه يعبر بصيغة أخرى وكأنه يقول لهم: إن مكاني في صدر المجلس، وهذا ما تعرفونه
أنتم أيضا، ولذلك تلحون عليّ بالجلوس هناك، والآن بعد أن عرفتم مكاني الحقيقي
وفهمتم ذلك جيدا، اتضح لكم أن أنانيتي لا تقل عن أنانية صاحبي السابق، غير أني أريد
أن تعلموا شيئا آخر، وهو أني بالرغم من قناعتكم، أيضا أتواضع وأجلس دون مجلسي، فهل
اكتشفتم كم (أنا) متواضع وطيب؟
هكذا تكون أنانية الرجل الثاني أعمق وفيها زيادة على أنانية الرجل
الأول الصريح.