قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

القوى الدولية الفاعلة في سوريا

القوى الدولية الفاعلة في سوريا
يزخر المشهد السوري الآن بالعديد من اللاعبين الدوليين وغير الدوليين المتناحرين والذين تتباين مصالحهم في سوريا، فروسيا وإيران وحزب الله خلف النظام السوري، والولايات المتحدة تدعم المعارضة تارة وتخذلهم تارة أخرى، فيما تركيزها الأكبر الآن على مقاتلة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش وبشكل أقل جبهة النصرة بفصائلها المتعددة، ناهيك عن تركيا التي ألقت أخيرا بثقلها كله في المشهد وانتقلت من دعم لفصائل المعارضة المسلحة إلى محاربة الأكراد.

الحرب الأهلية السورية هي في الحقيقة حرب بالوكالة بين النظام السوري وإيران وروسيا ضد الغرب (أمريكا) والمملكة العربية السعودية وحلفائها الخليجيين المؤيدين للمعارضة، لكن نتيجة لإرهاق المانحين وللمشاكل اللوجستية، بدأت تظهر التآمرات من الدول العربية والغربية لاستغلال الأطراف المختلفة في المعارضة وجعلها تتقاتل فيما بينها، لهذا سيواصل النظام استعادة الأراضي، لكنه لن يكون قادرا على توسيع وفرض سيطرته في جميع أنحاء البلاد على الأقل في المدى المنظور، حيث تعمل الغالبية العظمى من جماعات المعارضة الآن داخل حدود محافظة واحدة (إدلب). ويشير ذلك إلى أنها تملك السيطرة المحلية على هذه المنطقة وتحكمها بشكل مستقل، كما أن الحكومة ضعيفة نسبيا، فمعظم المكاسب الإقليمية التي حققتها الحكومة السورية خلال العامين الماضيين أُنجزت من قبل حلفاء النظام من حزب الله والميليشيات الخاصة التي تديرها إيران إضافة إلى روسيا وليس فقط من قبل القوات الحكومية المستنزفة.

لم يعد بقاء النظام السوري محل شك الآن، لكن كينونته اليوم تختلف جذريا عما كان عليه الأمر وقت اندلاع الإحتجاجات ضد الأسد في العام 2011م، فلم يعد النظام في دمشق قادرا على إملاء أوامره على الجميع كما كان الأمر قبل سبع سنوات، بل إن عليه بدلا عن ذلك العمل على إرضاء أهواء تلك القوى التي ضمنت له البقاء.

فجغرافيا هناك ثلاثة لاعبين رئيسين في سوريا اليوم: 1- معسكر النظام مع الإيرانيين وحلفائهم الروس، وهو يسيطر على ما يقارب معظم مساحة البلاد ومعظم كتلتها السكانية. 2- قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية والمدعومة أمريكيا، وهي تسيطر على المناطق الغنية بالنفط جنوبي دير الزور، ومساحة كبيرة من أجود الأرض الزراعية.  3- التحالف بين تركيا وإلى حد ما قطر وبعض المجموعات الإسلامية السنية والمتمردين الجهاديين شمال غربي سوريا.

لكن هذه المعسكرات الشاسعة ليست هياكل مغلقة على نفسها، إذ إننا بصدد معادلة يحتفظ فيها الأعضاء المختلفون بعلاقات خاصة مع عناصر معينة في المعسكر المنافس، فتركيا وأمريكا مثلا هما ظاهريا حليفان وثيقان في الناتو، وذلك بالرغم من أن واشنطن تواجه معارضة من قبل بعض المجموعات الجهادية المتعاونة مع تركيا، وعلى جانب آخر يحتفظ الأكراد بعلاقات مع كل من روسيا ونظام الأسد، بالرغم من أنهم يديرون بحكم الأمر الواقع منطقة مستقلة بدعم من الولايات المتحدة، أما إسرائيل فهي وإن كانت تصطف مع الولايات المتحدة، فإنها تراهن على علاقاتها الفاعلة مع روسيا لضمان قدرتها على  العمل ضد النظام والأهداف المرتبطة بإيران جنوبي سوريا، وإن يكن هؤلاء حلفاء لروسيا في الحرب وهكذا دواليك.

التنافسات الجديدة في سوريا لا تنبع من الديناميكيات السورية في الداخل، بل من المصالح المتضاربة للقوى الخارجية التي تشق طريقها بين الأطلال السورية، الأتراك في مواجهة الكرد، إسرائيل في مواجهة إيران ووكلائها، والولايات المتحدة ضد إيران، واليوم تركيا في تحديها لواشنطن، حيث تسعى كل قوة هنا إلى تحقيق امتلاك التفوق على الأخرى، وبالنسبة لروسيا فما حققته على مدى عامين أكسبها زخما دوليا واستطاعت من خلاله أن تفرض دورها كقوة فاعلة في المنطقة والإقليم، كما لم يغب عنها واقعية المشهد وبقيت متيقظة على عدم وجود ثوابت، وأن اللعب دوما يكون على المتغيرات، لهذا فهي تملك قنوات اتصال مع الجميع إن لم يكن هناك تحالفات.

وهكذا فحتى لو خمدت الحرب القديمة في سوريا، فإن الحروب والصراعات لن تغادر المنطقة قريبا، فالدول الغربية والعربية تجلس على طاولات التآمر على سوريا لتحديد مصير دولة وشعب كامل، كما تعمل على تركيز مصالحها وتعزيزها، إضافة إلى تكثيف تواجدها العسكري وزيادة قواعدها العسكرية بحجة حفظ السلام، والعمل على تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة ومجزأة ونهاية سوريا كدولة ذات سيادة وتفكيكها من الداخل، وذلك ضمن البرنامج الكامل الموصول بين العراق وسوريا ولبنان وصولا لليمن وليبيا والخليج العربي، فواشنطن ومن خلال رؤيتها الكاملة لا تبحث عن حلول قريبة لسورية، وإنما عن مستقبل الشرق الأوسط الجديد.

وقد يثبت صحة تنبؤ الأخضر الإبراهيمي (المبعوث السابق للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا)، عندما توقع قبل عدة سنوات من أن تنتهي الحرب الأهلية السورية بـ (صوملة) سوريا، أي أن سوريا ستصبح مثل الصومال، حيث سيكون لديها حكومة معترف بها دوليا وتمثيل دائم في الأمم المتحدة، كما وستستمر في إصدار جوازات السفر، ومع ذلك فإن حكومة سوريا هذه لن تحكم كامل حدودها المعترف بها دوليا مثل حكومة الصومال الآن.

أما من يدعون أنفسهم بأصدقاء سوريا (لكل من الطرفين المتحاربين)، فهم ليسوا في الحقيقة إلا أصدقاء المصالح والمطامع، أصدقاء الإجرام والدم، أصدقاء الرصاص والمدافع والصواريخ، أصدقاء التهجير والحصار والتجويع، فهم من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري البريء للحفاظ على المصالح أيا كانت.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart