قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

ومضات من تاريخ الدولة العثمانية

ومضات من تاريخ الدولة العثمانية
الدولة العثمانية حكمت حوالي خمسمائة سنة، رفعت خلالها راية الإسلام والجهاد في كل مشارق الأرض ومغاربها، مساهمة بذلك في دخول أكثر من 100 مليون شخص إلى الإسلام، كما أنها هي التي أنقذت المسجونين والمطاردين المسلمين في الأندلس (إسبانيا) من محاكم التفتيش بل وحتى اليهود منهم، وذلك عبر معارك بحرية طاحنه بقيادة البطلين المسلمين الأخوين (بربروسا) مع الإسبان والبرتغاليين.

كما إنه من الظلم والغبن الشديدين أن يتم تقييم والحكم على الدولة العثمانية صاحبة الخمسة قرون، فقط من خلال آخر خمسين سنة من حكمها، والتي شهدت فيها سياسة التتريك، وجمعية الإتحاد والترقي، وإعدام المثقفين العرب، وغيرها من مظاهر الظلم التي طغت في البلاد، وذلك بعد أن تكالب عليها العالم بأجمعه ومكر لها مكر الليل والنهار، وتسرب اليهود إلى مفاصلها، فسميت بـ (رجل أوروبا المريض)، ولم تعد قادرة على إدارة البلاد، وبدأت أجزائها بالتفكك واحدة تلو الأخرى حتى سقطت جميعها.

هذا ويجب أن لا ننسى أن الدولة العثمانية تصدت بمفردها لأكثر من 25 حملة صليبية على العالم الإسلامي وكانت هي المنتصرة دائما، فمن لا يعرف أو ينسى معركة (نيكوبوليس) الخيالية الخالدة، والتي أشبه ما تكون بحرب عالمية، حيث إجتمعت روسيا القيصرية وبريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا واسكتلندا ولكسمبورغ وبولندا وبلغاريا بأمر من البابا (بونيفاس التاسع) للقضاء على الدولة العثمانية، ولكن كانت النتيجة كالعادة هزيمة ساحقة لأوروبا وروسيا وإنتصارا مجلجلا للعثمانيين بقيادة (با يزيد الأول) الذي أوقف العالم كله خوفا وإحتراما له، فاتسعت بذلك رقعة الدولة الإسلامية من الفرات شرقا إلى الدانوب غربا.

أما السائل عن أين كانت أمريكا وما موقفها من تلك الحرب؟ فالجواب يا صديقي: إن أمريكا بقيادة جورج واشنطن كانت تدفع الجزية للجزائر بقيادة (الداي حسن) آنذاك مقابل حماية السفن الأمريكية في البحر المتوسط والحفاظ على الأسرى الأمريكيين الذين أسرتهم الجزائر في معركة بحرية سابقة، وإليك نص الهدنة الأمريكية بقلم جورج واشنطن مع دولة الخلافة: (تدفع الولايات المتحدة الأمريكية للدولة العثمانية مبلغ 12 ألف ليرة ذهبية عثمانية سنويا، مقابل أن يتم إطلاق سراح البحارة الأمريكيين الأسرى لدى الجزائر، وعدم التعرض للسفن الأمريكية في البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي)، ويقال في التاريخ أن لعل هذه الهدنة هي السبب في تشنيع الفرنسيين بالجزائر وإحتلالها لـ 132 سنة وقتلهم لما يزيد عن المليون ونصف المليون شهيدا جزائريا.

كما يجب أيضا أن لا ننسى أو نتجاهل قادة العثمانيين العظام، فها هو محمد بن مراد المسمى بـ (محمد الفاتح) فاتح القسطنطينية، التي طمع بفتحها كل قادة المسلمين العظماء من عهد بني أمية، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشّر بفاتحها وأثنى عليه، فقد روى الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش)، وقد حصل الفتح بقيادة الأمير السلطان محمد الفاتح رحمه الله في 29 مارس عام 1453م، وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وهذا سليمان القانوني قائد معركة (موهاكوس)، والذي ضربت لوفاته أجراس الكنائس في أوروبا، وأقيم قداس شكر ثلاثة أيام بأمر من البابا شخصيا، كما لا ننسى سليم الأول وهو قائد معركة (جالديران) والتي قضى فيها على المد الصفوي من التمدد بالبلاد العربية، وأخرهم السلطان عبد الحميد الذي دفع عرشه ثمنا للتمسك بفلسطين وعدم تسليمها لليهود، وهو الملقب بـ (صاحب فلسطين) لأنه قال لليهود: (فلسطين ليست ملكا للسلطان عبد الحميد، بل لجميع المسلمين، فاجمعوا لي تواقيع المسلمين أنهم قد تنازلوا عن فلسطين لأتنازل عنها أنا).

أما بعد سقوط الخلافة العثمانية فإن أحفاد محمد الفاتح رحمه الله تعالى ممثلة في عائلة السلطان عبد الحميد، قد تم طردهم وإهانتهم وتحقيرهم وتشريدهم، وذلك على يد حزب الشعب الجمهوري آنذاك، حيث قاموا بطرد السلطان (وحدالدين) آخر سلطان عثماني وزوجته ليلا إلى فرنسا ومصادرة جميع أمواله، إذ توسل وقتها أبناء السلطان وزوجته قائلين دعونا نذهب إلى الأردن أو مصر أو الشام، ولا ترحلوا بنا إلى أوروبا، لكن تعليمات الغرب كانت واضحة، وانتقاما منهم واهانة لهم قاموا بتفريقهم وترحيل بعضهم إلى سالونيك في اليونان موطن اليهود والبعض إلى دول أوروبا المتفرقة.

هذا وقد اكتفى السلطان (وحدالدين) بالعمل البسيط والتسول بعد ترحيله إلى وفاته، حتى أنه لما توفي حجزت الكنيسة الفرنسية جثته لديونه الكثيرة لأصحاب المحلات والأسواق، فقام المسلمون هناك بجمع المبلغ المطلوب وسداد دينه، وأخذوا التابوت وأرسلوه إلى الشام حيث دفن، ويقال أن أبناء السلطان وحدالدين (الأمراء) كانوا يغطون وجوههم لئلا يعرفهم الناس ويتسولون في باريس.

أما أول من سأل عنهم وتفقد أحوالهم، وذلك بعد 20 سنة من الطرد، هو شهيد الآذان عدنان مندريس، حيث أنه بعد أن أصبح رئيسا للوزراء ذهب إلى باريس وبحث وسئل عنهم كثيرا، وكان يقول آروني مكان آبائي وأمهاتي، ووجدهم أخيرا في قرية صغيرة في ضواحي باريس، حيث كانت زوجة السلطان عبدالحميد السيدة شفيقة (85 سنة) وابنته الأميرة عائشة (60 سنة) تعملان في مصنع بأجرة زهيدة تغسلان الصحون.

وهنا رجع مندريس إلى أنقرة وقرر إصدار عفو عنهم، شمل الإناث فقط دون الذكور الأمراء من أبناء السلطان عبدالحميد ووحدالدين، وذلك بسبب معارضة الكثير ممن كانوا في السلطة آنذاك، وذهب مندريس بنفسه إلى فرنسا وجاء بالسلطانة شفيقة والأميرة عائشة إلى تركيا، أما الذكور فأصدر قرار العفو عنهم وأعادهم إلى دارهم تركيا الزعيم نجم الدين آربكان أثناء توليه رئاسة الوزراء.

هذا وعند محاكمة عدنان مندريس كانت من بين التهم التي وجهت إليه سرقة أموال الدولة وانفاقها على زوجة وابنة السلطان، إذ كان مندريس في كل عيد يزور السيدة شفيقة والأميرة عائشة ويقبل يديهما ويعطي كلا منهما 10 ألاف ليرة من راتبه وماله الشخصي، وقد تم إعدام البطل عدنان مندريس في ١٧ ايلول ١٩٦١م، وبعده بيوم واحد فقط في ١٨ أيلول، وجدت شفيقة وعائشة متوفيتان في الصلاة أثناء السجود.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart