قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

ذكاء وقوة إيران من غباء وضعف العرب

ذكاء وقوة إيران من غباء وضعف العرب
تحاول الأنظمة العربية دائما صناعة أعداء لشعوبها خدمة لأهدافها واستجابة لمصالحها الضيقة، فبعض الأنظمة العربية، ومن بينها السعودية على وجه الخصوص، نجحت في تحويل إيران إلى العدو الأول للعرب لدرجة جعلت بنيامين نتنياهو يقول إن (الدول العربية تنظر إلينا كحليف لها ضد إيران)، فما لم تنجح إسرائيل في تحقيقه طيلة أكثر من ستة عقود من الصراع العربي الإسرائيلي، أي التطبيع مع الكيان الصهيوني، تريد أنطمة الخليج اليوم وخاصة النظامين السعودي والإماراتي أن تقنعنا بأن العدو الأول للعرب ليس إسرائيل التي قامت على أنقاض دولة فلسطين العربية وتشريد شعبها، وإنما هي إيران التي تهدد كيان العرب ووجودهم.

يقال أن إيران هي العدو لأنها تتدخل في الشؤون العربية، ولكن أليس التدخل الأمريكي والإسرائيلي والروسي والغربي في المنطقة هو أقدم وأسوأ وأخطر من التدخل الإيراني، حتى إن تهمة التدخل الإيراني في الشؤون العربية وفي دول مثل سوريا والعراق واليمن وقبل ذلك في لبنان وفي فلسطين، قد جاء بطلب أو برضى من حكومات تلك الدول أو قوى مؤثرة موجودة على أرضها، لكن السعودية وغيرها تدخلت ودعمت دولا أخرى لم تتدخل فقط في الشؤون العربية وإنما دمرت دولا عربية وقتلت وشردت شعوبها، واحتلت دولها مثلما فعلت أمريكا في العراق وفعلت دول غربية في ليبيا، وفعلت وما زالت تفعل في العراق وسوريا دول مثل تركيا وروسيا، فلماذا يتم التعامل مع كل هذه التدخلات بمكيالين مختلفين؟

بعد قيام الثورة الإيرانية والقضاء على حكم الشاه، انسحب البساط من تحت أمريكيا وإسرائيل وحلفاؤهم في المنطقة، وكان أول ما
 قامت به الثورة الإيرانية عام 1979 م هو طرد السفير الإسرائيلي من طهران ووضع العلم الفلسطيني على مبنى السفارة الإسرائيلية في إيران والذي سلمته الثورة الإيرانية إلى منظمة التحرير الفلسطينية، كما وتم اختيار الحرف العربي بدل الحرف اللاتيني لكتابة الفارسية في المدارس والجامعات والإدرات الإيرانية، وذلك كبادرة يمكن إعتبارها حسنة وتصب في مصلحة العرب في المنطقة.

لكن ما حصل فعلا هو أنه إزداد الخوف من أن تنتقل عدوى ما حصل في إيران من ثورة إلى الدول المجاورة التي تدور في فلك أمريكيا وأعوانها، وهكذا تم التفكير بالإنتقام من إيران عن طريق تحريض العراق مدعوما من أنظمة عربية ساندته بالمال والسلاح والعتاد والرجال، وبعدها كانت الحرب التي حصدت من الأرواح المسلمة ما حصدت ودمرت ما دمرت عند الطرفين، طبعا بعد انتهاء الحرب تغنى العراق والعرب بالأمجاد وبدا صوت العراق يعلو على صوت من ساعدوه في الحرب، كما وبدأ يكون له شخصية قوية واضعا إسرائيل نصب عينيه، وهنا وقع في المحظور وكان لا بد من التخلص منه، وذلك عن طريق إقناع العراق مرة أخرى بأن له حقوق في الكويت، وهكذا غزا صدام الكويت، مما أشاع الخوف في دول الخليج الأخرى، وعندها وقع العراق في الفخ الذي نصب له، وتدخلت أمريكيا وحلفاؤها لتحرير الكويت، واستطاعت أخيرا إيجاد موطيء قدم عسكري لها في منطقة تحوي على أكبر مخزون نفطي في العالم وبطلب أهلها، كما واستنزفت مليارات الدولارات من دول الخليج، والتي كان من شأنها أن تحقق أضخم وأكبر تنمية عربية لدول المنطقة وشعوبها.

وهكذا نلاحظ كيف أن سياسات الدعاية الخاطئة والحسابات المزاجية والرهانات الخاوية، قادت المنطقة العربية إلى أن تكون ساحات للحروب البديلة للقوى الإقليمية، وتحويل الشعوب في أكثر من دولة عربية إلى وقود لهذه الحروب التي لا ناقة ولا جمل لهم فيها، ولم ترث منها سوى فناء وتشريد مواطنيها وخراب بنيانها وتدمير وتقسيم دولها.

أما إيران فقد كرست جهدها لبناء قوتها الذاتية العلمية والعسكرية وتحقيق اكتفائها الذاتي، ووضعت نفسها في مصاف القوى الإقليمية المؤثرة، بل وطورت حتى من أسلوب دعايتها السياسية الذي تحول من شعار (تصدير الثورة) إلى (مناصرة المظلومين)، وكان حريا بالأنظمة العربية، بدلا من محاربة إيران، أن تتعلم من النظام الإيراني وتكسبه كحليف لها لا أن تحوله إلى عدو لها وتؤجج شعوبها ضده، كما أنها تسعى الآن إلى خنق إيران اقتصاديا بعدما عجزت عن فعل ذلك عسكريا، والشاهد على ذلك هو تكسير السعودية لأسعار البترول لتدمير الإقتصاد الإيراني من الداخل.

إيران اليوم تبني علاقاتها المستقبلية مع الصين، كما وبنت علاقة استراتيجية مع روسيا التي ظلت أنظمة عربية تعاديها، بهدف التقرب إلى أمريكا رغم خذلانها لها في أكثر من مناسبة، فيما أصبحت روسيا تتعامل مع الوجود الميليشاوي الإيراني في سوريا باعتباره جزءا من المسألة السورية، هذا وتقاربت مع تركيا وذلك على الرغم ما شهدته العلاقات الإيرانية التركية بين إيران الصفوية وتركيا العثمانية، وهو صراع مذهبي وقومي، ومع ذلك فقد تجاوزت الدولتان خلافاتها العقائدية والمذهبية وحروب الماضي بينهما من أجل النظر إلى مصالحهما المستقبلية المشتركة، كما عملت وتعمل إيران على تحسين علاقتها مع الغرب لأن الإتفاق النووي ليس ثنائيا بل متعدد، ويضم دولا دائمة العضوية في مجلس الأمن، لهذا دخلت أوروبا في مفاوضات مباشرة مع إيران، وذلك حتى لا يذهبوا بعيدا في خصومتهم مع بعضهم البعض، وللمرة الأولى ربما تجد واشنطن نفسها بمفردها في مواجهة إيران.

كما أن خلاصة التجربة الدبلوماسية الأمريكية للتعامل مع هذه الدولة في ظل أنظمة مختلفة حكمت طهران، هي إستراتيجية شبه ثابتة، تعترف بوجود مواطن اختلاف لا حصر لها بين طهران وواشنطن، لكنها في الوقت ذاته تقر بأهمية تخفيض مستوى ردود الأفعال الأمريكية لتبقى عند التعاطي الدبلوماسي والتفاوض المباشر أو غير المباشر، وبالمنطق السياسي فإن ما يحدث لا يشي بعداوة أو خصومة دائمة، وإنما يكشف عن تلاقي في المصالح وتغافل عن الكوارث، ولا دليل أوضح من ترك الولايات المتحدة العراق في قبضة إيران، وذلك منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 م.

الغرب وأمريكا تحديدا تعرف إن أفضل وسيلة للتعامل مع الطموحات النووية الإيرانية هي التفاوض، فإيران الخمينية بشكل ما تعد
 عدوا للغرب، لكنه عدو قد يحتاجونه ويحافظون على بقائه متماسكا بالقدر الذي يحقق مصالحهم، إنها ليست عداوة صفرية، بل عداوة تسعى لتقليم الأظافر أو تخفيف الطموحات أو تهدئة الإندفاعات.

أما الأنظمة العربية فقد فرطت في حلفاء إقليميين ودوليين لشعوبها (تركيا وإيران)، وأنفقت أموال هذه الشعوب في شراء صداقتها مع أمريكا المخادعة، فيما نجحت هذه الأنظمة العربية عبر تاريخها المعاصر فقط في صنع أعدائها وخصومها، وهم أعداء أمريكيا وإسرائيل ولا أحد يستطيع ان ينكر ذلك، فالهدف هو زرع الخوف في دول الخليج من عدو افتراضي لإجبارهم على شراء الأسلحة ثم تكديسها وتحويل هذه الدول إلى مخازن إسلحة تستخدم عند اللزوم من قبل أمريكيا وحلفائها.

إيران لن تتوقف أو تتراجع عن مشروعها في المنطقة، كما لن تتخلى عن أذرعها في أرجاء الإقليم، لأنها ترى بأنها الأكفأ والأقدر على السيطرة على المنطقة العربية، وهي تطرح نفسها باعتبارها متفوقة على جيرانها العرب، وأنها منفصلة عن بقية هذا المحيط ثقافيا وسياسيا وإثنيا، فسياسات إيران الإقليمية هي امتداد للسياسة الداخلية والمبنية على تعزيز هامش الأمن القومي وضمان المصالح والقيم الأساسية للنظام، ومحور هذه السياسات الإقليمية يقوم على أساس معارضة تواجد الدول الأجنبية المزعزع للإستقرار في المنطقة، والدفاع عن نفسها خارج حدودها وعن الشعوب المظلومة ومكافحة الإرهاب، كما أن القدرات الصاروخية الإيرانية تم تصميمها وفقا لتجربة الدفاع المقدس ومدى التهديدات التي تحدق بها، وأيضا لا يتوقع أن تبذل الدول الغربية جهدا حقيقيا لوقف التمدد الإيراني، ربما يضغطون لتعطيله أو تجميده، لكن سيظل قائما، وأقصى ما تفعله هذه الدول وضع خطوط حمراء على استحياء، حتى لا تتجاوزها طهران، وربما تضغط لحلحلة الأمور هنا أو هناك.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart