مراتب وأوصاف الجنان كما وردت
في القرآن الكريم
1- المقام
المحمود: وهي مرتبة لإنسان واحد فقط، وسوف ينالها سيد البشرية وسيد أولي العزم من
الرسل، وهو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ
فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)
(الإسراء 79).
2- جنات النعيم:
وهي أعلى أنواع الجنات، ويدخلها الأصناف التالية:
أ- المقربون،
حيث يقول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ)
(الواقعة 10 – 14)، ومن المقربين عيسى وإبراهيم عليهما السلام، حيث يقول الله تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ
يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (آل
عمران 45)، كما طلب
إبراهيم عليه السلام هذه الجنة بالإسم، حيث يقول الله تعالى: (وَاجْعَلْنِي مِن
وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) (الشعراء 85)، لهذا يجب الطلب من الله تعالى هذه الجنة عند الدعاء.
أما مواصفات هذه
الجنة (المقربون) فلهم عين خاصة بهم، حيث يقول الله تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ
لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ
يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ ۚ وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ
الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)
(المطففين 22 – 28)، لهذا يجب أن يكون التنافس بين المسلمين على هذه الجنة بالذات
كما ورد في الأية الكريمة.
ب- عباد الله
المخلصين، حيث يقول الله تعالى: (إِلَّا عِبَادَ
اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (الصافات 40 - 43)، ومنهم يوسف عليه السلام، حيث يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ
بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ
عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف 24).
ج- إذا آمن أهل
الكتاب فإنهم سوف يدخلون هذه الجنة، حيث يقول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ
جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة 65).
وأصحاب هذه
الجنة (جنات النعيم) قليلون، حيث يقول الله تعالى: (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ
وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) (الواقعة 13 – 14)، فأسألوا الله تعالى أن يجعلكم من
القليل، لأن هذه الجنة هي مطمع وأمنية للجميع، حيث يقول الله تعالى: (أَيَطْمَعُ كُلُّ
امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) (المعارج 38).
هذا وتختلف الخدمات في هذه الجنة بين الخدمات
التي تقدم للمقربين وبين الخدمات التي تقدم للمخلصين، فالخدمات المقدمة للمقربين هي في قول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ
وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن
مَّعِينٍ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) (الواقعة 10 – 15)، أما الخدمات المقدمة للمخلصين فهي في قول الله تعالى: (إِلَّا عِبَادَ
اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ
مِّن مَّعِينٍ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا
يُنزَفُونَ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ)
(الصافات 40 - 49).
أ- المقربون (عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ) أي مزينة ومطرزة بالجواهر، وهذه الميزة ليست عند المخلصين لأنهم (عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ).
ب- المقربون (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ
وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ) أي الخدم
المزدانين أيضا بالجواهر، وهذه الميزة ليست عند المخلصين، حيث جاءت مواصفات الخدم لهم
بصيغة المبني للمجهول (يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ) دون إعطاء أية مواصفات أخرى.
ج- المقربون
كمية الشرب عندهم غير محدودة (بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن
مَّعِينٍ) وهي دائمة ومستمرة (لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ)، بينما كمية الطعام والشراب عند المخلصين محددة (أُولَٰئِكَ لَهُمْ
رِزْقٌ مَّعْلُومٌ) (يُطَافُ عَلَيْهِم
بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ)، حيث نلاحظ
عدم وجود أكواب وأباريق.
د- المقربون يختارون
نوع الفواكه (وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ)، وهذه الميزة ليست موجودة عند المخلصين (فَوَاكِهُ وَهُم
مُّكْرَمُونَ) ولم يقل مما يتخيرون.
هـ - المقربون
نوع أعين الحوريات عندهم (وَحُورٌ عِينٌ)، بينما نوع أعين الحوريات عند المخلصين هو (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ
الطَّرْفِ عِينٌ)، حيث يوجد فرق
بين حور وبين قاصرات الطرف، وهن مشتركات فقط بصيغة عين.
ع- المقربون مواصفات
أجسام الحوريات عندهم (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)، بينما عند المخلصين (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ
مَّكْنُونٌ).
غ- المقربون عندهم ميزة خاصة هي (لَا يَسْمَعُونَ
فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا)
ويسمعون فقط (إِلَّا قِيلًا سَلَامًا
سَلَامًا)، حيث يقول الله
تعالى: (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ وَنَمَارِقُ
مَصْفُوفَةٌ وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ) (الغاشية 10 - 16).
ملاحظة هامة جدا
إن الله تعالى
أطلع إبراهيم عليه السلام على ملكوت السماوات والأرض، حيث يقول الله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُرِي
إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)
(الغاشية 75)، فاختار سيدنا
إبراهيم عليه السلام جنة النعيم، لأنه عرف أن المقام المحمود فقط هو المرتبة
الأعلى منها، وأن المقام المحمود هو للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فطلب جنة
النعيم، حيث يقول الله تعالى: (وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ)
(الشعراء 85).
3- الغرفة: وهي
المرتبة حتى ينالها الإنسان يجب أن يصل إلى مستوى إمام المتقين، وهنا يتطلب منه أن
يحقق أولا (10) شروط كي يصبح من المتقين أي يتقي عقاب الله تعالى، حيث يقول الله
تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم
مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا
مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا
الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا
قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم
بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام 151 - 153)، وبعد تنفيذ هذه الشروط العشرة، يجب عليه أن يضيف (12) شرطا آخر من
الأخلاقيات والسلوكيات الصالحة كي يصل إلى إمام المتقين، حيث يقول الله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ
الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا
سَلَامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ
رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا
سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لَا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَن
تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ
يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ
يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا
مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَامًا أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً
وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا ۚ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) (الفرقان 63 – 76).
هذا والذين يصلون إلى مرتبة إمام المتقين سوف
ينالون الغرفة يوم الحساب كما قال الله تعالى، ولم يذكر القرآن الكريم مواصفات
الغرفة، والسبب هو (ترك الذكر أفصح من الذكر)، وذلك إذا كانت المواصفات أكثر من
مدهشة وأكثر من رائعة، مثال قول الله تعالى: (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ)
(النجم 16).
ملاحظة هامة: إذا كان البناء مرتفعا يسمى غرفة،
وإذا كان على الأرض يسمى حجرة.
أما مراتب
الأربع جنات الأخيرة، فهي إثنتان علويتان (عدن – الفردوس) وإثنتان سفليتان (الخلد
– المأوى)، ففي سورة الرحمن يقول الله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
جَنَّتَانِ) (الرحمن 46)، وبعد أن ذكر الموصفات الخاصة بهما قال الله تعالى: (وَمِن دُونِهِمَا
جَنَّتَانِ) (الرحمن 62)، وأعاد ذكر
المواصفات للمستوى الأدنى، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الجنات
الأربعة: (جنتان من فضة أنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب أنيتهما وما فيهما).
4- جنات عدن:
وهي أكثر الجنات ذكرا في القرآن الكريم،، حيث يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا
أُولَٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ
فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ
مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۚ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا)
(الكهف 30 - 31)، وهذه الجنات
يدعو الملائكة الكرام الله تعالى أن يدخل فيها الذين تابوا، حيث يقول الله تعالى:
(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ
رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ
كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ
وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي
وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ
أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (غافر 7 - 8)، وهذه الجنات هي من الدرجات العلى، حيث يقول الله تعالى: (وَمَن يَأْتِهِ
مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ)
(طه 75)، كما ويدخلها عباد الله الذين
اصطفاهم مهما كانت أعمالهم، حيث يقول الله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا
الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ
وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ
هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر 32)، ويدخلها أيضا المتقون الذين ينفذون الشروط العشرة الواردة في قوله
تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ
أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم
مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ
مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا
مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا
الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا
قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ۚ ذَٰلِكُمْ
وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ
وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم
بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام 151 - 153)، بينما الغرفة التي تحدثنا عنها سابقا فهي تحتاج إلى مرتبة إمام
المتقين، حيث يقول الله تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي
وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا لَّا
يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا ۖ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً
وَعَشِيًّا تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا)
(مريم 60 - 63) إذا هي لمرتبة
المتقين فقط.
5- جنات الفردوس:
وهي وسط الجنات كما أوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قائلا: (فإذا سألتم
الله فاسألوه الفردوس فإنها وسط الجنة)، هذا وقد ورد إسمها الصريح مرتين فقط، وهي
للمؤمنين الذين يحققون الشروط (6) التالية، حيث يقول الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ
وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ
فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ
لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)
(المؤمنون 1 - 11)، كما وأن سكانها
قليلون، حيث يقول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا) (الكهف 107) وهؤلاء قليلون، كما قال الله تعالى: (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ
بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي
بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ
مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا
وَأَنَابَ) (ص 24).
6- جنة الخلد: وقد ورد إسمها مرة واحدة في
القرآن الكريم وبصيغة الفرد، حيث
يقول الله تعالى: (قُلْ أَذَٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي
وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۚ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا) (الفرقان 15).
7- جنة المأوى:
وهي تقع عند شجرة سدرة المنتهى، أين تنتهي السموات وتبدأ الجنات، حيث يقول الله
تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ عِندَ سِدْرَةِ
الْمُنتَهَىٰ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ) (النجم 13 – 15).
المقارنة بين الجنتين العلويتين (عدن – الفردوس)
والجنتين السفليتين (الخلد – المأوى) يتم بكل سهولة، حيث يقول الله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ
ۚ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ
قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ فَبِأَيِّ
آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ مُدْهَامَّتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا عَيْنَانِ
نَضَّاخَتَانِ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ
وَرُمَّانٌ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) (الرحمن 46 - 69).
فالجنتين
العلويتين (ذَوَاتَا أَفْنَانٍ) وثمارهما قريبة من الجالسين
(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ
دَانٍ)، وتقول الآيات الأخرى (فِي جَنَّةٍ عَالِيَة
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) (الحاقة 22- 23) (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا
تَذْلِيلًا) (الإنسان 14)، كما أن الجنتان العلويتان فيهما من كل صنف من الفاكهة
أربع أنواع (فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ) بينما الجنتان السفليتان ليس فيهما كل الأنواع (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ
وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) ولم يقل من كل وهكذا.
علي منصور الكيالي