قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

حياة الإمام أبي حامد الغزالي

حياة الإمام أبي حامد الغزالي
الإمام الغزالي هو أبو حامد، حجة الإسلام، زين الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي الشافعي، سمي (بالغَزَّالي) لأن أباه كان غزَّالاً يغزل الصوف، وقيل لأن أصله من قرية (غزالة) من قرى طوس فيكون (الغزالي) بتخفيف الزاي، وقد ولد الغزالي في الطابران سنة 450 هـ الموافق لـ 1058م، وهي إحدى بلدتي طوس، وفي مدينة طوس يوجد قبر هارون الرشيد وقبر الإمام علي الرضا.

وقد اختلف الباحثون في أصل الغزالي أعربي أم فارسي؟ فهناك من ذهب إلى أنه من سلالة العرب الذين دخلوا بلاد فارس منذ بداية الفتح الإسلامي، ومن الباحثين من ذهب إلى أنه من أصل فارسي، وهذا كله لا يزيد في مكانة إمامنا الغزالي ما دام أنه نشأ مسلما وتكلم العربية وخدم لغة القرآن وشريعة الإسلام، إذ إن إثبات العربية لأصله لن يضيف له مجدا في مجتمع شعاره: (من أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه).

كان أبو الغزالي رجلا فقيرا، صالحا، يغزل الصوف ويبيعه في دكانه بطوس، فيأكل من كسب يده، وكان يطوف على المتفقهة ويجالسهم، ويتوفر على خدمتهم، ويجد في الإحسان إليهم والنفقة بما يمكنه، وكان إذا سمع كلامهم بكى وتضرع إلى الله أن يرزقه ابنا ويجعله فقيها، ويحضر مجالس الوعظ، فإذا طاب وقته بكى، وسأل الله أن يرزقه ابنا واعظا، فاستجاب الله دعوته، فرزقه بأبي حامد الذي صار أفقه أهل زمانه وبأخيه أحمد الذي صار واعظا مؤثرا.

ولما حضرت والد الغزالي الوفاة وابناه صغيران، أوصى بهما إلى صديق له متصوف من أهل الخير، وقال له: (إن لي لتأسفا عظيما على تعلم الخط، وأشتهي استدراك ما فاتني في ولدي هذين، فعلمهما، ولا عليك أن تنفق في ذلك جميع ما أخلفه لهما)، فلما مات الأب أقبل الوصي على تعليمهما إلى أن فني ذلك النزر اليسير الذي خلفه لهما أبوهما، وتعذر على الوصي القيام بقوتهما فقال لهما: (اعلما أني أنفقت عليكما ما كان لكما، وأنا رجل من الفقر والتجريد بحيث لا مال لي فأواسيكما به، وأصلح ما أرى لكما أن تلجآ إلى مدرسة – كأنكما من طلبة العلم – فيحصل لكما قوت يعينكما على وقتكما، ففعلا ذلك)، وكان الغزالي يحكي عن هذا ويقول: (طلبنا العلم لغير الله، فأبى أن يكون إلا لله).

وقد قرأ الغزالي طرفا من الفقه ببلده على أبي حامد أحمد بن محمد الطوسي الراذكاني، ودفعته همته العالية إلى طلب العلم في آفاق أوسع، فسافر إلى جرجان، وهناك تتلمذ على أبي القاسم إسماعيل بن مسعدة الإسماعيلي وعلق عنه (التعليقة)، ثم عاد إلى طوس وفي طريق العودة قطع عليه الطريق، فيقول رحمه الله: (قطعت علينا الطريق وأخذ العيارون جميع ما معي ومضوا، فتبعتهم، فالتفت إلي مقدمهم وقال: ارجع ويحك وإلا هلكت. فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط، فما هي بشيء تنتفعون به؟ فقال لي: وما هي تعليقتك؟ فقلت: كتب في تلك المخلاة، هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها، فضحك وقال: كيف تدعي أنك عرفت علمها، وقد أخذناها منك، فتجردت من معرفتها، وبقيت بلا علم، ثم أمر بعض أصحابه، فسلم إلي المخلاة. قال الغزالي: فقلت هذا مستنطق أنطقه الله ليرشدني به في أمري، فلما وافيت طوس، أقبلت على الإشتغال ثلاث سنين، حتى حفظت جميع ما علقته، وصرت بحيث لو قطع علي الطريق لم أتجرد من علمي).

هذا ولم تقف طموحات الغزالي العملية عند ما حصله، فسافر إلى نيسابور، وهناك تتلمذ على إمام الحرمين الجويني ولازمه، وجدّ واجتهد حتى برع في المذهب والخلاف والجدل، والأصلين والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وأحكم كل ذلك، وفهم كلام أرباب هذه العلوم، وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها وأجاد وضعها، واستمر الغزالي ملازما لإمام الحرمين حتى مات سنة 478هـ، حيث يقول الدكتور ماجد عرسان الكيلاني: (والتحاق الغزالي بإمام الحرمين لا يمكن فصله عن طبيعة الغزالي نفسه وعن التيارات الفكرية آنذاك، فإمام الحرمين أشعري شافعي، والأشاعرة كانوا يتصدرون الإتجاهات الفكرية، ولذلك كانوا أكثر جاذبية لنفس الغزالي الشاب، ولعقله المتطلع إلى المعرفة والإنتماء).

ولما مات إمام الحرمين رحمه الله خرج الغزالي إلى المعسكر قاصدا للوزير نظام الملك، إذ كان مجلسه مجمع أهل العلم، فناظر الأئمة في مجلسه وفاق الخصوم وظهر عليهم، فاعترفوا بفضله وتلقاه الصاحب بالتعظيم، وولاه التدريس في مدرسته ببغداد، فقدم بغداد سنة 484 هـ ودرس بالنظامية، فأعجب الخلق علمه وكماله وفضله، وفي بغداد انصرف إلى دراسة الفلسفة دراسة عميقة، فطالع كتب الفارابي وابن سينا بصورة خاصة، وألّف على إثر ذلك كتابه (مقاصد الفلاسفة)، الذي يدل على إطلاعه وسعة علمه بالفلسفة، ثم صنف بعد ذلك كتابه (تهافت الفلاسفة) فأبطل مذاهبهم، كما وصنف في هذه الفترة أيضا كتبا في شتى الفنون، وصنف في الأصول والفقه والخلاف. 

بعدما علا صيت الغزالي في بغداد وفاق الأقران، وصار مطمع طلاب العلم، وملجأ أهل السنة في رد ضلالات الفلاسفة الباطنية، عزف عن الدنيا وأبهتها وخرج من بغداد سنة 488هـ إلى الحج بعد أن استناب أخاه في التدريس، ثم دخل دمشق سنة 489هـ، فأقام بها أياما، ومن ثم توجه إلى بيت المقدس فجاور به مدة، ثم عاد إلى دمشق واعتكف بالمنارة الغربية من الجامع الأموي، وبها كانت إقامته، فقام بالشام مدة، وهو معتكف على العبادة، وألّف في هذه المرحلة (إحياء علوم الدين) و(الأربعين في أصول الدين)، وأما مدة إقامته في دمشق، فقد قال في كتاب سيرته، المنقذ من الضلال: (ثم دخلت الشام وأقمت فيها قريبا من سنتين)، ثم قال: (ثم رحلت منها إلى بيت المقدس، أدخل كل يوم الصخرة وأغلق بابها على نفسي)، ثم يقول: (ودمت على ذلك مقدار عشر سنين - أي متنقلا بين دمشق والقدس والحجاز ومصر والإسكندرية وغيرها -)، ثم ترك الغزالي دمشق وأخذ يجول في البلاد، فقصد مصر وأقام بالإسكندرية مدة، وواصل بعدها تجواله، والتقى الغزالي في دمشق الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي سنة 489هـ وأخذ عنه، وبعد عودته من دمشق اتجه إلى بغداد وعقد بها مجلس الوعظ وحدث بكتاب الإحياء، ثم رجع إلى مدينة طوس ولازم بيته.

قال الغزالي في المنقذ من الضلال: (ثم جذبتني الهمم، ودعوات الأطفال إلى الوطن، فعاودته بعد أن كنت أبعد الخلق إليه، فآثرت العزلة به أيضا حرصا على الخلوة، وتصفية القلب للذكر)، ثم إن الوزير فخر الدين بن نظام الملك حضر إليه وطلب منه أن يدرس في نظامية نيسابور وألح عليه حتى استجاب له، وأقام في التدريس مدة حتى اغتيل فخر الدين رحمه الله بيد باطني سنة (500هـ)، فاعتزل الغزالي التدريس، وأقام في بلده طوس وبنى مدرسةً وزاويةً بجوار بيته، وعكف على التعليم والتربية، ولما استوزر السلطان محمد بن ملك شاه أحمد بن نظام الملك سنة (500هـ)، طلب الوزير من الغزالي الرجوع إلى بغداد وكان محله في المدرسة النظامية لم يسده من يماثل الغزالي، وكتب الوزير قوام الدين بن نظام الملك، رسالة للغزالي يبين فيها حرص الخليفة على رجوع الغزالي إليها، ولكنه اعتذر، وبقي في طوس يدرس ويفيد ويربي الطالبين، وألف في هذه المرحلة كتابه (المستصفى) سنة (504هـ). 

هذا وكان الغزالي لم يتفرغ لدراسة الحديث بعد، فأقبل عليه في آخر حياته، واستدعى أبا الفتيان عمر بن أبي الحسن الرؤاسي الحافظ الطوسي، وأكرمه وسمع منه صحيحي البخاري ومسلم، وممن سمع الغزالي عنهم الحديث، أبو سهل محمد بن عبد الله الحفصي، سمع منه صحيح البخاري، والحاكم أبو الفتح الحاكمي الطوسي، سمع منه سنن أبي داود، وسمع من أبي عبد محمد بن أحمد الخواري كتاب (مولد النبي)، وسمع من عمر بن عبد الكريم بن سعدويه صحيح البخاري ومسلم، كما سمع الحديث من محمد بن يحيى بن محمد الزوزني.

وفي آخر أيامه رحمه الله وزّع أوقاته بين ختم القرآن ومجالسة أهل القلوب، والقعود للتدريس، بحيث لا تخلو لحظة من لحظاته ولحظات من معه عن فائدة، حتى وافته المنية، حيث انتقل الغزالي إلى رحمته تعالى يوم الإثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمئة، ودفن بظاهر قصبة طابران، وقد حكى ابن الجوزي رحمه الله عن أخيه أحمد في قصة وفاته قوله: (لما كان يوم الإثنين وقت الصبح، توضأ أخي وصلى وقال: عليّ بالكفن، فأخذه وقبله ووضعه على عينيه وقال: سمعا وطاعة للدخول على الملك، ثم مد رجليه، واستقبل القبلة، وانتقل إلى رضوان الله تعالى). 

أخيرا فإن الإحاطة بحياة الإمام الغزالي من الصعوبة بمكان، ولقد أخذت الكتابة عنه ثلاثة أشكال: الشكل الأول: ترجمته (سيرته) لنفسه، وذلك من خلال كتابه (المنقذ من الضلال)، وهي أصدق ترجمة. الشكل الثاني: كتب أفردته بالترجمة، ومن ذلك (الغزالي بين مادحيه وناقديه) للدكتور يوسف القرضاوي، و(الإمام الغزالي حجة الإسلام ومجدد المئة الخامسة) للأستاذ صالح أحمد الشامي. الشكل الثالث: من ترجم له في كتب التراجم العامة وكتب الطبقات، ومن ذلك (الذهبي في سير أعلام النبلاء)، و(السبكي في طبقات الشافعية الكبرى)، و(ابن كثير في البداية والنهاية) وغيرها.

الدكتور عمر محمد جبه جي - ترجمة مختصرة للإمام الغزالي رحمه الله

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart