المقاومة تحاصر إسرائيل من أربع جبهات
الكيان الصهيوني لا يفهم إلا لغة القوة، وأكثر من يجيد هذه اللغة حاليا هم رجال المقاومة، سواء في قطاع غزة المحاصر أو في الضفة الغربية أو في جنوب لبنان، حيث أن العلاقة التحالفية القوية بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة حركتي حماس والجهاد، ومن جهة أخرى حزب الله في لبنان، تجسدت في أبهى صورها من خلال نقل تكنولوجيا الصواريخ وتدريب الكوادر الفلسطينية المقاتلة على تصنيعها وتطويرها في معسكرات سرية في لبنان وسوريا وربما في إيران أيضا، وهذا ما بات يشكل مصدر القلق الأكبر للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
المقاومة اليوم أصبحت أكثر قوة وصلابة، بحيث يبدو واضحا مدى تطور القدرات العسكرية لديها وخاصة في مجال الصواريخ الأكثر تطورا ودقة، وهذا ما جعل القبب الحديدية التي كلفت المليارات تبدو عاجزة أمام إطلاق مئات الصواريخ والقذائف، الأمر الذي يوضح أسباب إحجام القيادة الإسرائيلية عن شن أي هجوم شامل على قطاع غزة، واستمرارها فقط بتهديداتها المتكررة في هذا المضمار، وذلك بسبب الخوف من نتائج غزو القطاع والتي ستكون باهظة ماديا وبشريا ومعنويا.
رجال المقاومة في قطاع غزة عملوا على تطوير قدراتهم الدفاعية والهجومية، وهم على أهبة الاستعداد لمواجهة أي عدوان إسرائيلي، فغزة الآن أصبحت تحوي جزر كاملة تحت الأرض، تتواصل فيما بينها بشبكة معقدة من الأنفاق، حيث توجد غرف العمليات وأماكن الإختباء المحصنة، إضافة إلى ورش التصنيع التي تنتج أحدث الصواريخ والقذائف وتخزن الذخائر ويحتمي بها المقاومين، ويشهد على ذلك رد المقاومة في كل مرة على أي هجوم أو استفزاز من قبل قوات الاحتلال، وذلك من خلال التنسيق المشترك بين فصائل المقاومة في القطاع على طبيعة الرد المطلوب على كل اعتداء، فالحرب الآن على غزة العزة لم تعد عبثية كما في السابق، ورغم كل الحصار التجويعي الذي يعاني منه الأهالي هناك من الإسرائيليين وبعض العرب، إلا أن المقاومة صامدة وتنتصر، وذلك لأنها تؤمن بأن وراءها شعب صابر ومجاهد يدعمها ومستعد للصمود والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل البقاء على أرضه والدفاع عنها.
الحرب الأخيرة على قطاع غزة جاءت سريعة وقصيرة لأن المحتل أدرك أنه سيتكبد خسائر كبرى وغير مسبوقة، أبرزها أن استمرار هذه الحرب سيعني وصول الصواريخ إلى قلب تل أبيب ودفع الملايين من سكانها والبلدات المجاورة إلى الملاجئ، وتعطيل حركة الملاحة الجوية وما يتبع ذلك من خسائر مادية واقتصادية على المدى القصير والطويل، إضافة إلى هروب الاستثمارات ورؤوس الأموال من الكيان لعدم توفر الأمن والآمان فيه، فالقبة الحديدية لم تستطع التصدي إلا لعدد قليل من صواريخ المقاومة فقط، بينما أصابت الباقية أهدافها، وكان من الممكن أن تكون الخسارة الإسرائيلية أكبر بكثير، فأسطورة القوة الإسرائيلية التي ما زال يؤمن بها البعض وخاصة الحكام العرب بدأت تتفكك، والتفوق الجوي لم يعد حاسما في أية معركة أو حرب، كما وفقد مفعوله جراء الرد الصاروخي من المقاومة بعد كل طلعة جوية، وهكذا فإن غزة غيرت معظم المعادلات إن لم يكن كلها، ولم تعد أرض القطاع وأجواؤه مفتوحة للغارات الإسرائيلية دون أي رد سريع ورادع.
الوقوف في خندق محور المقاومة، وبناء قدرة ردع عسكرية متطورة ترهب الإسرائيليين هو أكثر ما يقلق نتنياهو وقيادته العسكرية، فقيادة المقاومة تستعد لمواجهة كل السيناريوهات المحتملة، بما فيها شن عدوان موسع على غزة ولبنان وسورية، فحزب الله بات في لبنان كدولة بمؤسسات راسخة ومتجذرة، ويملك جيشا ربما هو الأقوى في المنطقة، ويحقق الردع مع الإسرائيليين وجيشهم ومعداته التي تقدر قيمتها بمئات المليارات، كما أن إستهداف قواعد حزب الله، ومعامل الصواريخ التابعة للجيش السوري في كل من لبنان وسوريا، أصبحت عرضة الآن وأكثر من أي وقت مضى لرد انتقامي صاروخي قد يستهدف أهدافا في العمق الفلسطيني المحتل بطريقة مؤلمة، فإذا كانت المقاومة في غزة الأقل تسليحا وخبرة والمحاصرة في القطاع الصغير مساحة، لم تتردد في إطلاق مئات الصواريخ والقذائف باتجاه مدن استيطانية إسرائيلية في غلاف القطاع، وأصابت أهدافها بكل دقة، ودفعت نتنياهو إلى استجداء وقف لإطلاق النار ووقف الهجمات بعد أقل من 48 ساعة من بدئها، فكيف سيكون الحال لو فتح حزب الله ترسانة صواريخه أو جزءا منها، وأطلقها باتجاه مدن مثل يافا وحيفا وتل أبيب ونهاريا، ولا ننسى عكا وإيلات وديمونا وغيرها.
دولة الاحتلال الإسرائيلي أصبحت الآن تعيش في ظل حصار من الأنفاق والصواريخ من الشمال والجنوب، خصوصا الأنفاق، سواء تلك التي تحفرها حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى في قطاع غزة، أو نظيرتها التي تحفرها المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني، ولا نستبعد أن تصل فكرة الأنفاق إلى هضبة الجولان المحتل التي تجري الاستعدادات على قدم وساق لإعادة فتحها، حيث تتواجد هناك وحدات خاصة لحزب الله مدعومة بوحدات من الجيش العربي السوري، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وذلك بعد عودة السيادة الكاملة للدولة السورية على جنوب سورية وهزيمة الجماعات المسلحة التي كانت تسيطر عليها بدعم أمريكي وإسرائيلي.
هناك أربع جبهات تطوق دولة الاحتلال الإسرائيلي حاليا وستشكل استنزافا لها، الأولى في جنوب لبنان، حيث تتصاعد قوة حزب الله الصاروخية وخبراته في الحرب البرية، وامتلاكه مصانع لإنتاج الصواريخ الدقيقة وقدرة الردع الهائلة التي أصبح يمتلكها، والأكثر من ذلك أنها تنمو وتتطور وعصبها الرئيسي أكثر من 150 ألف صاروخ وعجز القبب الحديدية الإسرائيلية عن التصدي لها، علاوة على آلاف الطائرات المسيرة (بدون طيار)، إضافة إلى حصوله على أسلحة متطورة من سوريا وإيران كاسرة للتوازن الاستراتيجي ومعادلة لقوى الردع الحالية، والثانية في سورية، وذلك في ظل تنامي القوة الإيرانية، وتعافي سورية وجيشها، وتواجد حزب الله في الجولان السوري في مواجهة الجولان المحتل، ولا ننسى منظومة الدفاع الصاروخي “إس 300” التي باتت في حوزة الجيش العربي السوري، حيث يمثل إمتلاكها نهاية نسبيا لمرحلة العربدة الإسرائيلية في الأجواء السورية، وبداية مرحلة التصدي لها بقوة وفاعلية، فهذه الصواريخ غيرت المعادلات الاستراتيجية في المنطقة، فالمقاتلات الإسرائيلية لم تقم بطلعات قتالية جديدة فوق الأجواء السورية منذ تسلم دمشق للمنظومة، فسوريا الآن تخرج من دمار هذه الحرب أكثر قوة وخبرة، وإسرائيل وأمريكا أدركتا أن الخيار العسكري، أي شن غارات على القوات والمواقع الإيرانية في سورية لم يعد مجديا، وربما قد يؤدي إلى نتائج خطيرة مستقبلا، وذلك بسبب تطور القدرات الصاروخية الإيرانية من حيث المسافات وحجم القدرات التدميرية الكبيرة لها ودقتها في إصابة أهدافها.
والثالثة التنسيق المتسارع بين حزب الله وحركات المقاومة في قطاع غزة، وتزويد الأخيرة بصواريخ “الكورنيت” التي حسمت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع، والرابعة في الضفة الغربية المحتلة، حيث بدأت عمليات المقاومة المسلحة تتصاعد، والذي قد يعيد سيناريو الانتفاضة المسلحة مجددا، حيث إن ما يقلق الإسرائيليين في هذه المرة ليس استخدام الأسلحة النارية وبهذه الكثافة، وإنما التخطيط الدقيق لهذه العمليات من حيث الرصد والتنفيذ، إضافة إلى توعد كتائب القسام بأن على العدو ألا يحلم بالأمن والأمان والاستقرار في الضفة الباسلة، فجمر الضفة تحت الرماد سيحرق المحتل، ويذيقه بأس رجالها الأحرار من حيث لا يحتسب العدو ويتوقع، وهذا يؤشر على بداية ثورة انتقامية على مسلسل طويل من الظلم والإهانات على أيدي الاحتلال وقواته، وفي الوقت عينه رد قوي ومعبر على كل الذين أسقطوا الشعب الفلسطيني في الضفة من حساباتهم وتجاوزوه وصادقوا الاحتلال واعتبروه حليفا وحاميا.
فأهل الضفة الغربية الأبطال لا يثورون على الظلم الإسرائيلي فقط، وإنما على السلطة الفلسطينية الغارقة بالمزيد من التنسيق الأمني، والتعاون مع الاحتلال وأجهزته، فهذه السلطة لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا تحظى مواقفها في التنسيق مع الاحتلال والاعتراف به بأي دعم، ومن ثم تدَعي أنها تتحدث باسم الفلسطينيين، وكل الشرفاء برآء منها ومن أعمالها المتواطئة مع الاحتلال، كما أن حركات المقاومة مثل حماس والجهاد وغيرها فرضت نفسها كقوى رئيسية سياسية وعسكرية، وهو السلاح الذي تخلت عنه قيادة السلطة وذهبت إلى النقيض، أي التنسيق الأمني مع الاحتلال، والتجسس على عناصر المقاومة وتقديم المعلومات عنهم واعتقالهم، وهي سابقة لم تقدم عليها أي من حركات التحرر الوطني في العالم.
جميع قادة وأفراد فصائل المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان هم طلاب شهادة ولا يخشون الموت، وهذا ما جعل خصوصا المقاومة الفلسطينية تخرج قوية من وسط التطبيع والاستسلام الرسميين العربيين، وتفرض هيبتها ومعادلتها القديمة المتجددة في المنطقة بقوة، وها هو السيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كشف مؤخرا عن أسلحة وصواريخ بقدرات تدميرية جديدة، وكنز استخباري عظيم جرى انتزاعه من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ومحاولاتها الفاشلة للتسلل إلى القطاع، كما وأن تهديدات نتنياهو تهدف فقط إلى طمأنة الإسرائيليين الذين باتوا يشعرون بالقلق والخوف من المقاومة وقوتها، ومحاولة لتبديد حالة الإحباط والرعب التي تسود الأوساط الإسرائيلية من جراء التمدد العسكري لحلف المقاومة.
الإسرائيليون أضاعوا كل
فرص السلام واختاروا الاستيطان والعنصرية وإذلال من اعتقد أنه يمكن التفاوض
والتعايش معهم، لكنهم هذه المرة أخطأوا في جميع حساباتهم، واقتربت النهاية ووقت
دفع الثمن، فالمقاومة باتت تحاصر إسرائيل، وتفضح قدراتها المزعومة، وأصبحت قادرة
على تغيير كل المعادلات السابقة، وإلحاق أكبر قدر من الدمار بها في حال اندلاع
الحرب، وتسجيل انتصاراتها الميدانية بالصوت والصورة، كما أنها تملك العديد من
المفاجات التي تبقيها سرا استعدادا للمواجهة المقبلة.
رابط المقال في مجلة تحت المجهر: