صحة الإنسان مقدسة في الإسلام
الدين الإسلامي دين إيجابي يطالب الإنسان الصحيح فيه أن يحافظ على صحته ويحمله
مسؤولية هذه الصحة، كما يطالب المريض بالبحث عن الدواء ويحثه على أن يتطبب، لهذا فقد
دعا الإسلام دوما إلى القوة وحفظ الصحة بالطرق الوقائية والعلاجية والعمل على محاربة
الضعف سواءا كان قاصرا أم متعديا إلى السلالات، ولا سيما ما ينشأ من الآفات التي
تتصل بوهن البدن أو ضياع العقل، حيث جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قوله: (فر
من المجذوم، فرارك من الأسد).
كما أن كثير من أسباب الأمراض التي تصيب الإنسان تكون نتيجة إهمال النظافة (نظافة
البدن أو المأكل أو المشرب أو الملبس أو البيئة)، والأدلة على اهتمام الإسلام
بالنظافة كثيرة ولا تحصى، ومنها قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (الطهور شطر
الإيمان)، وقوله: (خمس من الفطرة: الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب).
وإهتمام الإسلام بالنظافة الشخصية ونظافة البيئة تزهر به كتب فقه الطهارة
والغسل والوضوء، فمن حق الإنسان أن يعيش في مجتمع نظيف وأن يحيا في مكان طاهر تتوفر
فيه شروط الحياة السليمة والصحية، لهذا نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن التبول
في الماء الراكد والجاري، كما نهى عن التغوط في الماء وقارعة الطريق وفي الظل.
أما أهم ما تدعو إليه الشريعة الإسلامية هو المحافظة على (النسل)، والذي يعتبر
أحد الضرورات الخمس التي جاء الإسلام للمحافظة عليها، فقد دعا الأنبياء (عليهم
السلام) الله تعالى أن يرزقهم الذرية الطيبة والصالحة، كما ويدعو المؤمنون ربهم بالشيء
نفسه، حيث قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ
أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ
إِمَاماً) (الفرقان 74).
لكن قد لا تكون هذه الذرية قرة عين، وذلك إذا كانت مصابة بمرض أو بإعاقة أو
بنقص ما (غير طبيعية)، والسبب هنا في الغالب هو الزواج من الأقارب إذا تكرر، لأن
في هذا النوع من الزواج إحتمالات كبيرة لظهور الأمراض الوراثية المتنحية، لذا يجب
عمل الفحص الطبي قبل الزواج خشية أن يحمل الزوجان نفس العامل المرضي فتزيد نسبة إحتمالات
ظهور الإعاقة عند الأطفال، هذا وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) تنبيه عن
هذا الأمر، حيث قال: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دسـاس)، وتبعه عمر بن الخطاب (رضي
الله عنه) في الإشارة إلى مخاطر زواج الأقارب قائلا: (إغتربوا لا تضووا) أي تزوجوا
الغريبات حتى لا يضعف النسل، بل حتى أن بعض علماء الدين قد كرهوا زواج الأقارب
لهذا السبب ومنهم الإمام الشافعي، وخاصة إذا إنغلقت الأسرة أو القبيلة على نفسها
بحيث لا تزوج أحد إلا من أفرادها.
كما أن رعاية الأم الحامل رعاية صحية دقيقة أثناء الحمل يمنع كثير من
المضاعفات والإصابات والتشوهات والأمراض التي قد تصيب الجنين بالإعاقة أو المرض، لهذا
وجب العمل على التأمين الغذائي الصحي والسليم للأم الحامل وللأطفال ولجميع الأفراد،
وذلك حتى يتم تجنيبهم الإصابات بأي نوع من أنواع الأمراض المؤدية للإعاقة، حيث يقول
الله تعالى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (طه 81)، ويقول تعالى: (يَسْأَلونَكَ
مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) (المائدة 4)، إلا أنه
من جهة أخرى نهى الإسلام أيضا عن الإسراف في الطعام، حيث قال الله تعالى: (يَا
بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف 31)، كما أنه حرم أنواعا
من الطعام ضارة ومؤذية، حيث قال الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ
وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ
وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَة ُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (المائدة 3).
طبعا العلاقات الجنسية غير الشرعية، سبب رئيسي وكبير في الإصابة بأمراض
كثيرة وإنتشارها، أشهرها وأبرزها مرض (الإيدز) وغيره الكثير من الأمراض الجنسية،
لهذا حرم الإسلام هذه العلاقات تحريما قطعيا، حيث قال الله تعالى: (وَلا
تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) (الاسراء 32)
وقال سبحانه: (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ )
(الأنعام 151)، هذا وقد شدد رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) على ذلك قائلا: (وما
ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها، إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن
في أسلافهم)، والطاعون في اللغة العربية هو المرض الفتاك.
هذا وقد حرم الدين الإسلامي الخمر ومشتقاتها لما فيها من أضرار جسيمة وخطيرة
على حياة وصحة الإنسان، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة 90)، كما
وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن كل مسكر ومفتر، ولهذا فإن المخدرات
بجميع أنواعها وسائر أسمائها تعتبر من باب أولى محرمة ومنهي عنها، وذلك لأنها أيضا
سبب للإصابة بأخطر الأمراض التي تضر بالفرد خاصة والمجتمع عامة، وهكذا فإن تعاطي وإدمان
الخمر والمخدرات والعقاقير المخدرة يعتبر من أهم أسباب إنتشار الأمراض والإعاقات
سواء للشخص الذي يتعاطاها أو لما تبين من آثارها على الذرية، وموقف الإسلام واضح
في منعها.
كما وقد تطرق الإسلام إلى وجوب إتخاذ كل وسائل الحيطة والحذر للوقاية من
الحوادث التي تسبب الإصابات البالغة (الإعاقة) للإنسان عموما وللأطفال خاصة، فمن
المعروف أن إصابات الحوادث بأنواعها من أهم أسباب الإعاقة، هذا وقد وضع الإسلام
القواعد الأساسية للوقاية من الحوادث في المجتمع، حيث يقوم علم السلامة على قاعدة
أن الحوادث لا تقع مجرد قضاء وقدر بل هي نتائج لأسباب يمكن تلافيها، فقد قال عليه
الصلاة والسلام: (إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها
بكفه أن يصيب أحدا من المسلمين منها بشيء).
كما وأن الإسلام لا يكتفي بأن لا يكون المسلم مصدر ضرر للآخرين فقط بل
يطالبه بأن يتخذ موقفا في إزالة الأسباب التي قد ينتج عنها الضرر، حيث قال رسول
الله (صلى الله عليه وسلم): (إماطة الأذى شعبة من شعب الإيمان)، كما قال عليه
السلام في حديث آخر: (إرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة
والعظم عن الطريق لك صدقة)، وقال: (لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون)، لهذا فإن
وقاية النفس من الأذى قاعدة إسلامية صريحة وردت في القرآن الكريم وفي سنة رسوله.
وأخيرا يجب على الدول التي تقع بينها الحروب إبعاد ميادين القتال المشاركة
فيها عن الأماكن المأهولة بالمدنيين وخاصة الأطفال تماما، ولقد ثبت أن رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) كان يبعد ويمنع الأطفال من المشاركة في الحروب والغزوات،
وذلك لعدم قدرتهم على القتال ولتجنبهم التعرض للإصابات المختلفة أو القتل، هذا ويجب
الإتفاق عالميا على منع إستخدام الألغام في الحروب وغيرها لأنها سبب رئيسي ومباشر في
زيادة أعداد المعاقين حول العالم.