قوة التأثير على الآخرين هو نتيجة الإيمان بالرسالة المقدمة
ظهر فن الخطابة منذ زمن الإغريق في 2500 قبل الميلاد، حيث عرف عنهم الإهتمام الكبير بعلم البلاغة، والذي يعتبر هو أساس وأصل فن الخطابة، هذا ويعتبر (أرستوتل) الأب الروحي لفن الخطابة، والذي كان لنظرياته أكبر تأثير في ظهور وانتشار الخطابة، لكن نظريات (أرستوتل) التي تتكلم عن البلاغة كانت مرتبطة أكثر بما يقوله المتحدث بعيدا عن طريقة الإلقاء، حيث كان إختيار الكلمات الرنانة والتعبيرات المميزة للتأثير الأقوى على إقناع الحضور.
بعد ذلك ظهر دور الرومان وأهمهم هو (سيسرو) الذي قدم التطور الأفضل لشكل الخطابة، وذلك من خلال إعداد المحتوى لأن (سيسرو) أدرك أهمية تقديم معلومات ومحتوي جديد للجمهور، وهو يعني تقسيم المحتوى بطريقة منظمة وتسلسل واقعي يضمن تحقيق أهدافه وتأثيره في الحضور، أما أسلوب التعبير فيشمل الكلمات المميزة التي يختارها المتحدث للتعبير عن المحتوى الخاص به ورسالته، في حين أن الحفظ هو حفظ المحتوى الذي يقدمه المتحدث وربط الكلمات في الذاكرة بطريقة قوية، كما أن طريقة الإلقاء تشمل استخدام حركة الجسم وقوة الصوت في توصيل الرسالة.
هذا وقد ظهر كثير من الفلاسقة ليقوموا بتطوير مفهوم الخطابة لتشمل أهداف غير سياسية مثل المواضيع المجتمعية والترفيهية، إلا أن مهارة الخطابة تعتبر من المهارات الصعبة والتي تحتاج إلى إصرار وتدريب مستمر، وهذا لأهميتها الكبيرة خاصة في السوق التنافسي الحالي.
توصل (أرستوتل) لـ (3) مكونات أساسية تضمن إقناع الحضور، وهم المنطق والمشاعر والمصداقية، حيث يجب أن يكون (65 %) من محتوى خطابك يركز على المشاعر و(25 %) للمنطق و(10 %) للمصداقية، فالمشاعر كانت الأكثر تأثيرا وإقناعا حسب نظرية (أرستوتل)، والمشاعر هنا يقصد بها احتياجات الحضور الفسيولوجية مثل المأكل والملبس واحتياجات الأمان والإحتياجات الإجتماعية واحتياجات التقدير وتحقيق الذات، فمن المهم جدا تحديد احتياجات الحضور وربط المشاعر التي تصدرها هذه الإحتياجات بمحتوى خطابك والقرارت التي تحفز الحضورعلى اتخاذها، أما المنطق هنا فالمقصود به كل ما يعبر عن التفكير المنطقي والتحليلي مثل الأرقام والبيانات والحقائق، ويؤثر بدرجة كبيرة على قرارتنا، وتكمن أهميته في أنه يشعر الحضور أن القرار مبني على تفكير وتحليل صائب ورؤية منطقية، في حين أن المصداقية هي الإجابة على سؤال، لماذا الحضور يسمعوك أنت بالتحديد في هذا المجال؟، لهذا عليك أن تكون فعلا الشخص المناسب للحديث عن هذا الموضوع، وتكون على علم وخبرة وتضيف للحضورمعلومة جديدة، لكن لا تنسى أن المبالغة بعرض خبرتك ممكن أن يشعر الحضور أن ثقتك هي غرور، حيث أن عنصر المصداقية يجب أن لا يزيد عن (10 %) فقط.
الخطابة أساسها هو القدرة على التعبير بكل الأدوات المتاحة لديك، وتعبيرات الجسم والصوت مهمين جدا، وهدفهم التأكيد على الرسالة والمساهمة في التعبير عنها بأفضل صورة، حيث أن تعبيرات الجسم تخدم المحتوى وذلك يكون حسب الرسالة المراد توصيلها، كما أن تعبيرات الوجه تعطي مصداقية كبيرة لكلامك وتخلق تفاعل ممتع مع الحضور.
أما أهم النقاط الأساسية في تعبيرات الجسد وكيفية توظيفها لخدمة محتوى الرسالة المراد توصيلها، فهي المحافظة على استخدام وضعية جسد ثابتة وظهر مستقيم وذراعين مبسوطتين، فحركات الذراعين واليدين مهمة جدا، واستخدامك لهم تساعد على توصيل الرسالة، لأن ترابط العامل البصري بالسمعي يساعد الحضور على تذكر خطابك بصورة أقوى، كما أن اتصال العين مع الحضور يعطي انطباع قوي عنك ويشعر الحضور أنهم جزء مهم من خطابك، لكن يجب أن لا تستخدم اتصال العين لمدة طويلة حتى لا تشعر الشخص بعدم الراحة، كذلك يجب أن لا يكون اتصال العين سريع وكأنك تقوم بتحريك رأسك بدون تواصل حقيقي، وأخيرا لا تنسى أن التواصل يكون مع كل الحضور وليس مع شخص واحد أو اثنين، وضروري عدم إعطاء ظهرك للحضور، لأن ذلك يعطي انطباع بتجاهلك لهم وعدم اهتمامك بهم، لهذا تحتاج أن تحدد أقرب مقعد من الحضور لك وتحافظ على مسافة بسيطة بينك وبينه، كما يجب معرفة المساحة المتاحة لك حتى تتحرك بطريقة هادئة وانسيابية وتواجه الحضور بصورة أفضل.
هذا ويجب الانتباه إلى وضوح الصوت وكذلك سلامة مخارج الحروف، لأن تجاهل أهمية الصوت يضيع قوة كبيرة من خطابك، لهذا يجب أن تتأكد من تطوير استخدامك لصوتك، وهو أداة قوية لتوصيل رسالتك للحضور بكل ما فيها من مشاعر ومعاني، كما أن الأخطاء التي نعملها عادة في التواصل العادي تضل موجودة ونحن نتكلم أمام عدد كبير من الناس، وفي حالة أنك تتكلم أسرع من الطبيعي يجب أن تدرب نفسك على الكلام أبطأ حتى في الكلام العادي.
ولتضمن وضوح صوتك وسلامة مخارج الحروف تحتاج أخد نفس عميق لمده ثواني ثم تقوم بزفير قوي بفم مفتوح بشكل كامل أكثر من مرة، وأن تستخدم كل عضالات الفك لتضمن أن صوتك لا يكون سطحي، وتستطيع أن تعمل تمارين الفك بأن تضع يدك تحت ذقنك وتفتح الفم لحد ما يصل لكفك وتقفله وتكرر التمرين أكثر من مرة، فهذا يساعدك بالتخفيف من الإحساس بالتوتر، كما ولا تنسى شرب كميات من مياه كافية، فهذا يساعد في ترطيب أحبالك الصوتية ويجعل صوتك أوضح، لأن التوتر يجعلك تفقد مياه كثيرة بالتعرق، مما يجعلك عرضه لنزول الضغط وفقدان التوازن.
التدريب على خطابك من أكثر الأشياء التي تضمن نجاحك وتعزيز ثقتك، فكل دقيقة تقضيها في التمرين على خطابك هي استثمار وتاخد العائد منها عندما تؤدي الخطاب الفعلي، لذلك عليك تخيل نفسك أنك تقوم بتادية الخطاب وكأنك بالفعل أمام حضور، ولا تنسى تسجيل التدريب بالصوت والصورة حتى تستطيع تقييم آداءك.
قوة التأثير هي الإيمان بالرسالة التي نقدمها، وبدون ذلك الإيمان والشغف سيصبح الخطاب بلا روح، لا تخف من تجربة الأفكار الجديدة والتي نرفضها لعدم اعتيادنا عليها، ولكن الشجاعة ضرورة في الكثير من الأمور، والسرد القصصي أداة قوية وقوتها تحتاج تمرين والخروج عن التقليدي والعادي والقدرة على التعبير بدون قيود، لأن البناء القصصي يحفز فضول الحضور بالحدث الإستثنائي وعبرة القصة، كما أن أساس السرد القصصي هو القدرة على التعبير بالصوت وحركة الجسم، لهذا تمرن على إلقاء قصتك وتأكد أن صوتك يوصل المشاعر التي في قصتك، وحركة جسمك تساعد الحضور على أن يتخيلوا القصة ويشعروا أنهم داخلها وقادرين على أن يروا كل تفاصيلها.
فالسرد القصصي له سحره الخاص وتجربة مميزة للحضور تأخدهم من الوقت الحالي لمكان وزمان قصتك، كما أنها أداة قوية وقوتها تحتاج لتمرين والخروج عن التقليدي والعادي والقدرة على التعبير بدون قيود، لذلك عليك اختيار قصة مميزة ومحفزة لفضول الحضور وغير تقليدية ولها عبرة معينة تريد توصلها للحضور، أما بطل قصتك ممكن أن تكون أنت أو طرف آخر أو حتى مؤسسة.
احترافية أداءك ليس فقط أنك تتكلم وتعبر بطريقة ممتعة وجذابة، لكن أن تستطيع التعامل مع المواقف الصعبة والحضور بطريقة تجعلك تكسب احترامهم واهتمامهم بصورة أكبر وتكون فعالا قائد للقاعة والخطاب، هذا وبالرغم أنه في معظم الأوقات أسئلة الحضور تكون مؤشر قوي على أهتمامهم بخطابك ورغبتهم في أنهم يسمعوا منك أكثر، إلا أن طريقتك في التعامل مع الحضور وأسئلتهم سواء كانت صعبة أو بسيطة مهارة مهمة ومؤشر على مدى احترافيتك وثقتك في نفسك وخبرتك، لذلك عليك الاستماع إلى أسئلة الحاضرين بدون مؤثرات مثل شعورك اتجاه الشخص أو انطباعك عنه، وأن تتلقي السؤال بتعبيرات وجه وحركة جسد تشير إلى اهتمامك وتقديرك، وفي حال أنك لا تعرف إجابة سؤال يمكن الإجابة بـ (لا أعرف)، وهذا أفضل كثيرا من أن تقول إجابة غير صحيحة، والتي قد تخسرك مصداقيتك أمام الحضور، كذلك تأكد من استلامك الرسالة الصحيحة وتجريدها من أي معنى شخصي، وذلك في حالة أن السؤال كان حادا واعتراضي أو نقدي على شخصك، وأكبر تصرف خاطيء يمكن أن تعمله هو أنك ترد بنفس الحدة وتبدأ تدافع عن مدى كفاءتك، فعليك هنا أن تدرك أن المتحدث هو قائد القاعة، لهذا اسمع الإعتراض بصدر رحب وابتعد تماما عن الدفاع عن شخصك، وأعد السؤال بطريقة مختلفة واربطه بالمحتوى أو الموضوع بعيدا عن شخصك أنت، كما وبإمكانك أن توضح نقاط الإتفاق المشتركة، لأن ذلك يساعد على تقبل الطرف الآخر لوجهة نظرك ويخفف من حدة النقاش، وإذا شعرت أن أحد الحضور يسأل كثيرا، ممكن ببساطة تطلب منه مناقشة الموضوع بعد خطابك أو في أي وقت آخر خارج القاعة، وحتى الآراء السلبيه تقبلها بصدر رحب، وتذكر دائما أن ما تقوم به هو شيء مميز وليس سهل على الكثير من الناس القيام به.
وأخيرا لا تنسى في
النهاية أن قوة التأثير هي نتيجة الإيمان بالرسالة التي تقدمها، وبدون ذلك الإيمان
والشغف سيصبح الخطاب بلا روح، وأن هدفك ليس كسب محبة الحضور بل احترامهم، فكن
دائما شخص محترف مدرك لأهمية كل كلمة وتأثيرها، واعلم أن كل خطوة تخطوها في تطوير
مهاراتك هي إنجاز رائع سيؤتي بثماره قريبا، سواء في مقابلة العمل القادمة أو عرض
مشروع التخرج أو العرض التقديمي لشركتك، والأساس دائما هنا هو تمكنك من التعبير عن
شخصيتك الفريدة عن طريق تطوير مهارات الإلقاء والخطابة، فكن صادقا وتحدث من قلبك
فالخطابة فن وأخلاق، ابتعد عن كل الآراء السلبية التي قد تحجم حماسك وتحبط شغفك،
وتذكر دائما أن ما تقوم به هو شيء مميز وليس سهل على الكثير من الناس، فكن حسن
اللسان وتقبل النقد من الحضور وتعامل معهم بهدوء واحترافية.
رابط المقال في مجلة تحت المجهر:
https://www.almjhar.com/ar-sy/NewsView/3676/180581.aspx