كيفية تطبيق الأفكار اليهودية الصهيونية عالميا
الأفكار اليهودية الصهيونية الأساسية تؤكد أن السياسة لا تخضع للأخلاق والقيم، وأن اليهود
سينفذون مخططهم الإرهابي التدميري (العالمي) عن طريق الكذب والغش والخداع، وعلى
مستوى المجتمع سيقومون بتقويض دعائم الأسرة وصلات القرابة وإشاعة الإباحية واستغلال
الحريات العامة، بالإضافة إلى تخريب المؤسسات المسيحية وإفساد أخلاق العالم
المسيحي الأوروبي والعالم المسلم العربي لاحقا، أما على مستوى الدولة فإنهم سيسعون
إلى تقويض كيان الدول عن طريق الإيقاع بينها بحيث تندلع الخصومات والحروب بين
الجميع، على ألا تؤدي هذه الحروب إلى تعديلات في حدود الدول أو إلى مكاسب إقليمية،
وذلك ليتمكن رأس المال فقط من الخروج بالربح والغنائم، كما وينبغي التركيز على
المنافسة في المجتمع وعلى تصعيد الصراع الطبقي، ليجري الجميع نحو (المال والذهب)، والذي
لا بد أن اليهود سيحتكرونه أخيرا من خلال البنوك المركزية والعالمية، وهكذا تصاب
المؤسسات الدينية والسياسية والاجتماعية بالاهتراء والفشل، ويسود تحكم رأس المال في
مختلف مناحي الحياة الأخرى.
هذا ويهتم المخطط اليهودي الصهيوني بأن يسيطر اليهود على الصحافة ودور
النشر وسائر وسائل الإعلام، وذلك حتى لا يتسرب إلى الرأي العام العالمي إلا ما
يريدونه، كما أنه يرى ضرورة أن يسيطر اليهود على الدول الاستعمارية وأن يسخروها
حسب أهوائهم، إضافة إلى سيطرتهم أيضا بطبيعة الحال على الدول الاشتراكية المعادية للاستعمار
والنامية، فالأفكار اليهودية الصهيونية تدعو إلى جعل اليهود مشاركين ومسؤولين عن كل شيء: (الخير والشر، الثورة
والثورة المضادة، الاشتراكية والرأسمالية)، فمثلا تكون الدعوة إلى زيادة أجور
العمال (اتجاهات اشتراكية)، ثم العمل على تعريض الصناعة للخراب والعمال للفوضى (اتجاهات
فوضوية).
وهكذا فإنه بعد تزايد معدلات العلمنة في الغرب خاصة والعالم عامة، وبعد
تفكك المجتمع التقليدي الذي كان يوفر للإنسان الأوروبي وغيره قدرا كبيرا من
الطمأنينة، حتى وإن سلبه جزء من حريته وفرصه في الحراك الاقتصادي الرأسمالي، أصبح إحساس
الإنسان الأوروبي هذا منذ أواخر القرن التاسع عشر يشعر بأزمة كبيرة وعميقة، وذلك على
الرغم من أن المجتمع الذي يحاول اليهود فرضه على العالم، ليس عالما شريرا بشكل
شيطاني ميتافيزيقي، وإنما هو في الواقع العالم الغربي الصناعي الذي سادت فيه قيم
العلمانية والنفعية، ومن هنا كان الجمع بين الرأسمالية والاشتراكية باعتبارهما
نظامين يبشر بهما اليهود، كما كان الجمع بين (نيتيشه وماركس) باعتبارهما فيلسوفين
يبشر اليهود بفكرهما، فبرغم الاختلافات العميقة بين النظامين المذكورين والاختلاف
بين الفيلسوفين، فإن العامل المشترك الأعظم (أو نقطة البدء أو التلاقي) هو تأسيس
مجتمع علماني يستند إلى قيمتي المنفعة واللذة، لا إلى القيم الدينية الأخلاقية
المطلقة.
وهنا تكون ووجد أعضاء الجماعات اليهودية في مختلف القطاعات والاتجاهات
في العالم، بحيث كانت توجد أعداد كبيرة من كبار الممولين الرأسماليين اليهود، كما
كان كثير من أعضاء الجماعات اليهودية يشتغلون بالتجارة الصغيرة والربا، وكان من
بينهم عدد كبير من المفكرين الرجعيين والليبراليين الذين يدافعون عن حرية التجارة
وعن أكثر الأفكار الداروينية الاجتماعية تطرفا، بل ونجد أن بعض اليهود ارتبطوا
بالتجارب الاستعمارية الغربية غير الصهيونية كما حدث في جنوب أفريقيا (في صناعة
التعدين)، أو في شركة الهند الشرقية الهولندية أو في شركة قناة بنما، كما وتركز
أعضاء الجماعات اليهودية بأعداد كبيرة في قطاعات اقتصادية مشينة مثل البغاء
(قوادين وعاهرات) ونشر المجلات والمطبوعات الإباحية، وقد ربط هذا بين اليهودي من
جهة، وكل من (اليمين) و(التحلل الرأسمالي) و(التفكك الليبرالي) من جهة أخرى، ولكن
إلى جانب ذلك كانت هناك أعداد كبيرة من أعضاء الجماعات اليهودية في حركة اليسار
أيضا، فقد كان أكبر حزب اشتراكي في أوروبا هو حزب (البوند اليهودي)، كما وقد انخرط
الشباب اليهودي بأعداد كبيرة في الحركات الثورية، حتى أن 30% من أعضاء الحركات
الثورية في روسيا القيصرية كانوا من الشباب اليهودي، وحينما قامت جمهورية بلشفية
في المجر عام 1919، كان رئيس الدولة يهوديا وكان عدد اليهود من الوزراء كبيرا
لدرجة مدهشة، هذا وكانت هناك أعداد كبيرة من المفكرين الاشتراكيين والشيوعيين من
أصل يهودي، كما كان لليهود حضور واضح في الفكر الفوضوي، وفي نهاية الأمر كان كل من
(روتشيلد) رمزا للارتباط العضوي بين اليهود والرأسمالية، و(ماركس) رمزا للارتباط
العضوي أيضا بين اليهود والاشتراكية، ولذا كان من الممكن تفسير كل شيء بالرجوع إلى
مقولة (يد اليهود الخفية).
ولعل ما ساعد على إشاعة هذا النموذج اليهودي الصهيوني التفسيري،
أن الوجدان المسيحي كان يجعل من اليهودي قاتل الرب رمزا لكل الشرور، وقد شهدت
نهاية القرن التاسع عشر عصر الهجرة اليهودية الكبرى، ولذا كان هناك يهود في كل
مكان، يهود لا جذور لهم في طريقهم من شرق أوروبا إلى الولايات المتحدة، وكما هو معروف
فإن الإنسان المهاجر المتنقل لا يلتزم بكثير من القيم، ولكل هذا أصبح اليهودي رمزا
متعينا لعملية ضخمة لم يكن الإنسان الأوروبي يفهمها جيدا رغم شقائه الناجم عنها، وهي
الثورة العلمانية الشاملة الكبرى (بشقيها الاشتراكي والرأسمالي)، وهي ثورة لم يكن
اليهودي يشكل فيها سوى جزء بسيط من كل ضخم مركب، بل إن العقيدة اليهودية ذاتها
سقطت ضحية هذه الثورة وفقدت قطاعات كبيرة من الجماعات اليهودية هويتها نتيجة لها.
والفكرة الأساسية اليهودية الصهيونية هي فكرة الحكومة اليهودية
العالمية، لكن المعروف تاريخيا أنه لم تكن هناك سلطة مركزية تجمع سائر يهود العالم
بعد تحطيم الهيكل على يد (نبخذ نصر عام 586 ق.م)، وذلك بسبب طبيعة الوجود اليهودي
في العالم، حيث انتشر اليهود على هيئة أقليات دينية لا يربطها رباط قومي، وقد كان
لكل أقلية محاكمها وهيئاتها الخاصة التي تقوم برعاية شؤونها، ولكن اليهود لا
يختلفون في هذا عن أية أقلية دينية أو جماعة وظيفية أخرى، وهنا يمكن أن نثير قضية
مهمة هي قضية الوسائل، وهل أنه للجماعات اليهودية في العالم من القوة ما يمكنها من
تنفيذ هذا المخطط الإرهابي التدميري العالمي الضخم!؟ الجواب يكمن في إن الدارس
لتواريخ الجماعات اليهودية يعرف أنها كانت دائما قريبة من النخبة الحاكمة لا بسبب
سطوتها أو سلطانها، وإنما بسبب كونها أداة في يد النخب، ولأنها لم تكن قط قوة
مستقلة أو صاحبة قرار مستقل، والمصطلحات المتداولة مثل (الشعب اليهودي) و(الشخصية
اليهودية) و(المصالح اليهودية)، هي جميعا افتراضات صهيونية أساسية مزعومة، والهجوم
عليها هو في واقع الأمر تسليم غير مباشر بوجودها.
وهكذا فإن الترويج للأفكار اليهودية الصهيونية يخدم المصالح الصهيونية من الناحية العملية ويعمل على إشاعة الخوف من
اليهود والصهيونية بتبني رؤية تنسب إلى اليهود قوى عجائبية، كما ويساهم بعض أعضاء
النخب الحاكمة العربية في الترويج لهذه الأفكار، ومنها البروتوكولات لتبرير العجز
العربي والتخاذل أمام العدو الصهيوني، وذلك دون أن يدركوا أنهم بهذا إنما يخدمون
مصلحة العدو، وقد صرح المعلق السياسي الإسرائيلي (يوئيل ماركوس) في جريدة هآرتس
(31 ديسمبر 1993) (بأن كثيرا من الدول تغازل إسرائيل وتحاول أن تخطب ودها، نظرا
لأن حكام هذه الدول يؤمنون بأن البروتوكولات وثيقة صحيحة، وأن ما جاء فيها هو
المخطط الذي يتحقق في العالم والذي سيؤدي إلى سيطرة اليهود، وأن اليهود يتحكمون
بالفعل في رأس المال العالمي وفي حكومة الولايات المتحدة، ومن ثم فالطريق إلى
المعونة الأمريكية يمر من خلال اللوبي الصهيوني والدولة الصهيونية)، ويضيف ماركوس
معلقا على هذه المفارقة: (إن البروتوكولات وبسبب أثرها هذا الذي يولد الرهبة في
النفوس ويدفع الناس لمغازلة إسرائيل واليهود، تبدو كأن الذي كتبها لم يكن شخصا معاديا
لليهود، وإنما يهودي ذكي يتسم ببعد النظر).
أخيرا نقول قد أثبتت الانتفاضة الفلسطينية وحركات المقاومة المختلفة أن اليهود الصهاينة بشر وأناس عاديين، وأن إلحاق الأذى بهم وهزيمتهم أمر ممكن، وأنهم قد يهاجمون عدوهم كالصقور حينما تسنح الفرصة، ثم يفرون كالدجاج حينما يدركون مدى قوته وإصراره، والاستمرار في إشاعة هذه الأفكار هو نوع من الإصرار على مد يد العون للعدو الصهيوني، وعلى التنكر لإنجازات الانتفاضة وحركات المقاومة الأخرى في محاربة الفكر اليهودي الصهيوني في كافة أنحاء العالم.