قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

كيف تقود إسرائيل أمريكا خلافا لمصالحها ودور العرب والمسلمين في ذلك

كيف تقود إسرائيل أمريكا خلافا لمصالحها ودور العرب والمسلمين في ذلك

الموقف الأمريكي من الحرب على غزة تراجع نسبيا لأسباب كثيرة، أهمها أن الولايات المتحدة الأمريكية تعرف أن الذي يحدث الآن لا يمكن أن يؤدي إلى النتائج العسكرية التي وضعتها إسرائيل أساسا، وهي الاقتلاع والتدمير التام لمقومات المقاومة، وقد نصحت إسرائيل أن تستعيض عن هذه النظرية بنظرية أخرى، ولكنها لم تستمع لذلك وآثرت الدخول في حرب طويلة الأمد نسبيا في غزة لتحقيق أهدافها، والتي هي من المستحيل أصلا تحقيق نصر شامل وكامل من خلالها، وذلك برأي كثير من المفكرين والمحللين الاستراتيجيين السياسيين والعسكريين.


كما أن مواقف كثير من الدول الأوروبية تراجع من الدعم العلني وغير المشروط لإسرائيل في حربها على غزة، حيث أنه في الأيام الأولى للحرب كانت الدول الغربية تسن تشريعات وقوانين تمنع مجرد حمل الشعارات الفلسطينية، أو الحديث عن قضية غزة أو أي أحداث فلسطينية أخرى، وصولا إلى منع حتى تقديم الدعم في مواقع التواصل الاجتماعي، كما وأصبحت تنصب محاكم تفتيش عمليا ضد الناس المتعاطفين مع غزة، لكن رد الفعل الشعبي كان مفاجئ للجميع في هذه الدول، حيث أصبحت تجد فيها مظاهرات ضخمة ترفع شعارات قوية أساسها ردّ الفعل الشعبي العفوي، كما أن الأقليات الإسلامية كلها في الغرب اتحدّت على دعم قضية غزة وفلسطين بشكل واحد، حيث أن المسلمون وحلفاء المسلمين من جماعات حقوق الإنسان وجماعات اليسار والطلاب الجامعيين وغيرهم الكثير اتحدّت ضد هذا الظلم بشكل لم يسبق له مثيل في كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وصولا إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وعدد كبير من دول العالم.


وهكذا نرى كيف بدأ العالم الغربي يتراجع قليلا إلى الخلف تحت الضغط الشعبي، حتى أن أحد المسؤولين الأوروبيين قال أن سفرائهم في العالم العربي والإسلامي كلهم يرسلون لهم رسالة مفادها أنه إذا لم يتوقف الذي يحدث في غزة، فالعلاقات مع العالم العربي والإسلامي قد تصل إلى لحظة اللاعودة، وهذا طبعا مخيف لأن الأمريكان والأوروبيين الشرّ الأعظم لهم اليوم هو شيء اسمه الصين، وحلفائهم في الحرب على الصين أساسا سيكون العرب والمسلمين، وهذا أحد أسباب أن الولايات المتحدة الأمريكية تثير موضوع الإيغور من فترة لأخرى وتدعمه، حيث أنها تريد أن تتحالف مع العرب والمسلمين ضد الصين في الحرب القادمة، والتي تراها حربا أساسية وجوهرية، لكن إذا العالم العربي والإسلامي بدأ يأخذ مواقف مضادة من الولايات المتحدة الأمريكية ومن الغرب الأوروبي عموما، فإن المواجهة ضد الصين أصبحت ناقص الحليف العربي والمسلم، بل وناقص روسيا وناقص الهند وناقص أمريكا اللاتينية وناقص إفريقيا، والسؤال هنا هو من بقي معك أيها الأمريكي في حربك القادمة؟!


ولهذا كان الحديث قبل طوفان الأقصى والحرب الهمجية على غزة، هو أن أمريكا ستنسحب من المنطقة وتسلمها إلى تحالف إسرائيلي عربي لإداره شؤونها حتى تستقر، وذلك بمعنى أن يتم تسليم الشرق الأوسط لتحالف من إسرائيل والدول المطبعة معها، وبعد ذلك تتفرغ أمريكا للصين ومنعها من ملأ أي فراغ تتركه، وما يؤكد ذلك هو أن الرئيس الأمريكي بايدن أكد في أكثر من مناسبة أنه لن يسمح للصين ولا حتى لروسيا بأن تملا هذا الفراغ وخاصة في الشرق الأوسط، والذي بدوره يثبت أن الزعماء العرب لا قيمة لهم (فراغ) وغير موجودين، كما وللأسف أيضا أن لا أحد منهم شعر بالإهانة من هذه العقلية التي تلغي وجودهم ودورهم في المنطقة، حيث أن الأمريكان والأوروبيين حقيقة يستخفون بأولئك الذين لا قيمة لهم بين شعوبهم.


أمريكا هنا ترتكب حماقة لم ترتكبها في تاريخها إلا مرتين، مرة ارتكبتها في أفغانستان ومرة ارتكبتها في العراق، وقد ترتكبها مرة ثالثة كحرب مع العالم العربي والإسلامي على المسجد الأقصى وعلى غزة وفلسطين ككل، بحيث أنه عندما اندلعت الحرب على أفغانستان والعراق تمكنت الصين وروسيا من أن تعيد بناء نفسيهما والتسلح والاستعداد لمواجهة أمريكا والغرب عموما، وقد اعترف أوباما أنها كانت حروب خاطئة وشغلتهم عن الأولويات الأخرى، والتي هي جنوب شرق آسيا (الصين) وشرق أوروبا (روسيا)، والحرب على الإرهاب العالمي (الإسلام).


لكن حرب غزة جعلت أمريكا تظل موجودة في المنطقة (دعم إسرائيل)، ومعنى ذلك أنها ستخسر مرة ثانية في مواجهة قوى أخرى تستعد لقيادة العالم وهي الصين وروسيا، وذلك لأن إسرائيل تقود أمريكا خلافا للمصلحة الغربية، وهي نقطة مهمة حيث أننا دائما نقول أن أوروبا وأمريكا توظف إسرائيل لمصلحتها الاستراتيجية، لكن الحقيقة أنه في هذه الحرب إسرائيل توظف الولايات المتحدة الأمريكية ضد مصالحها الاستراتيجية في العالم وتجرها إلى صراعات غير مضطرة لها، لهذا فأمريكا بدأت بالفترة الأخيرة تعي أن هذا الصراع يجب منع توسعه في المنطقة، وحتى لا يتوسع الصراع في المنطقة، يجب وقف إطلاق النار الفوري في غزة.


وهنا بالنسبة لنا يجب ألا تكون النتيجة تفرد أمريكا وإسرائيل بغزة، ونحن كعرب ومسلمين يحب أن لا نسمح بتحييد الجبهات الأخرى، وغير هذا الكلام حقيقة يدل عن عدم وعي، بحيث أن وقف توسع هذا الصراع يجب أن يكون فقط بتوقف الحرب على غزة، وذلك لأنه مع استمرار الحرب على غزة فمن ذا الذي سوف يستطيع وقف تعاطف الناس في العالم معها، كما أن توسع الصراع قد لا يكون بقرار، بل كرد فعل طبيعي على حالة الظلم والقتل والتدمير والقهر الذي يحصل في غزة، وهو الذي سوف يتمثل برد فعل الشعب والأمة الذي يرفض الذل ويرفض حالة القتل والدماء التي ترى على الشاشات منذ شهور، وقوة هذه الأمة (العربية والإسلامية) عادة تكمن في الشعوب، وحالة المناعة لديها تظهر عادة عبر تشكلات عفوية (غير منظمة) وغير رسمية، ولهذا لا أحد يستطيع ضمان عدم توسع الحرب في المنطقة، ولا يكون ذلك إلا بتوقف نتنياهو عند حده ومنع الحرب في غزة، عندها تستطيع وقف توسع الحرب في المنطقة، وإطلاق سراح الأسرى ومناقشة ما بعد حماس في غزة حسب الأجندة الإسرائيلية والأمريكية.


أما عن المستقبل فإن هناك جو عالمي اليوم يفرز مبادرات جديدة، كما أن القرارات التي في صف غزة (نسبيا) أصبحت تتخذ دون عواقب خطيرة وسوف يكون لها تاثير حقيقي مع تقدم الوقت، وذلك لأن العالم اليوم بدأ يسمح بمثل هذه الشقوق التي يستطيع أن يخرج من خلالها المعارضين للحرب على غزة، كما وهناك دول خارج السرب الغربي، مثل الصين وروسيا على الأقل في مجلس الأمن، وبعض الدول في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا مواقفها أفضل بكثير من دولنا العربية والإسلامية، وهذه المواقف نستطيع أن نستند إليها، وبامكاننا أن نرفع السقف من خلالها، والمطلوب فقط أخذ مواقف سياسية حازمة وقوية، ونهدد بما لدينا من مقومات اقتصادية وحتى عسكرية (ليس بالضرورة حروب)، ولو كنا رجالا يجب فعلا أن نوحد مواقفنا ونقدم شيء مذكور، ويكون بذلك لنا شأن بين دول العالم الأخرى، ولهذا نحن نحتاج إلى أن نطرح أنفسنا مع ضامن أو ضامنين لعملية سياسية مستقبلية عالمية، نحاول من خلالها حل المشكلة الفلسطينية على المدى البعيد.


لابد من مبادرة من طرفنا نحن معشر العرب والمسلمين باتجاه المرحلة الإنتقالية القادمة، لأن ما يحصل في غزة فوق الوصف وفوق الاحتمال مع كل هذا التدمير الممنهج للبنى التحتية وللبشر، ولذلك لابد من مبادرة بعيدة المدى، كما وينبغي هنا ألا نسمح دائما للآخرين بطرح المبادرات عنا، ولهذا يجب أن نستبعد العملية السلمية برعاية الأمريكان، بناء على قواعد حل الدولتين وقرارات الأمم المتحدة، وأن نبحث عن ضامنين آخرين غير الولايات المتحدة الأمريكية أو على الأقل نجعل مقابلها الصين وروسيا، والدول الأوروبية مقابلها دول أخرى داعمة لنا مثل دول الجنوب، وبذلك نصل إلى هذه البداية الموعودة لعملية سلام جادة كما يسمونها بالإعلام، سواء استطاعت إسرائيل أو لم تستطع أن تدمر البنية التحتية للمقاومة في غزة، لأن الأكيد أن إسرائيل ستبدأ تبحث عن حلول منطقية وعقلية قطعا، وذلك بعد هذه الحالة الهستيرية التي سيطرت على العقل الإسرائيلي بعد طوفان الأقصى.


أخيرا نقول أن الذي يحدث الأن هو معركتان بالتوازي، معركة حصلت في بداية 7 أكتوبر وانتهت، ونتائجها ستبقى ثابتة لسنوات طويلة جدا، وستؤثر على موازين القوة كما وستؤثر على تصور إسرائيل لوجودها وتصور العالم للصراع، وأيضا أعادت وضع القضية الفلسطينية على الطاولة، والمعركة الثانية هي حرب إبادة، وهذه يجب أن تتوقف بأي ضغط ممكن إن استطعنا، وذلك في مقابل أنه نستثمر سياسيا في يوم 7 أكتوبر ونحاول أن نبني عليه شيء جديد، وحل الدولتين أعتقد أنه لن يحدث وسندخل مرة أخرى في دوامة معادة، وذلك لأن حل الدولتين في حد ذاته فيه خلل جوهري في أساسه من حيث المبدأ، والإسرائيليين عندما يفشلوا في الحرب البرية سيواصلوا عملية التدمير المدنية، وهذا طبعا بالنسبه لنا لن يغير قواعد اللعبة على الأرض لكنه في الحقيقة مؤلم لأهل غزة، حيث بيوت مدمرة وبنى تحتية مدمرة وشهداء وجرحى بعشرات الآلاف، ويجب قدر الإمكان أن نخفف منه، كما ويجب على العرب والمسلمين أن يتقدموا بمبادرة ما للمجتمع الدولي ويضغطوا باتجاه تحقيقها حتى نستطيع أن نحقن ما نستطيع من الدماء في فلسطين العزيزة.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart