قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

تصالح العقل الديني الإسرائيلي الصهيوني مع الإجرام والدعم الأمريكي له

تصالح العقل الديني الإسرائيلي الصهيوني مع الإجرام والدعم الأمريكي له

الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) لنفسها بعد السابع من أكتوبر لم يتحقق منها شيء حتى الآن، ولذلك اضطرت إسرائيل عبر مراحل مختلفة إلى تغيير الهدف الاستراتيجي، حيث بدأت أولا بتدمير واستئصال وإنهاء المقاومة بشكل تام وإبادتها، بعدها قالوا سندمر قدراتهم العسكرية فقط، بعدها بدأ الكلام عن منع حماس من حكم غزة، ثم جاءت مسألة الأسرى وأنه لا يمكن وقف إطلاق النار إلا بعد خروج جميع الأسرى، كما لا ننسى فكرة اجتثاث غزة كلها ورميها في البحر أو حتى تهجير أهلها إلى سيناء.


هنا يجب أن نعرف أن هناك تيارات في العقل الصهيوني، تدعو بأشكال متنوعة إلى الإبادة والتخلص من الناس (الفلسطينيين) وأن تكون الأرض (فلسطين) من دون سكان، وهذه النظرية الأصلية للصهيونية، أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، والشعب الموجود فيها يجب إلغائه والقضاء عليه تماما، وهذا الأمر لم ينجح حتى الآن، ولهذا فإن إسرائيل تحاول دائما أن تحيط نفسها بجدار حديدي (حقيقي ومعنوي)، وذلك لتحقيق الأمن المطلق لها، وهنا وصلنا إلى لحظة تريد إسرائيل فيها أن تطبق فكرة الردع الشامل من خلال أنهار الدم التي تراق في غزة اليوم، وهذا هو التيار الإبادي (جينوسايد)، وهو الذي يعتبر أن فلسطين التي هي من البحر إلى النهر هي لهم فقط، ويجب أن يخرج منها الفلسطينيين والعرب إلى أي مكان وكل مكان خارج فلسطين، أي يجب أن يتخلصوا منهم بطريقة أو بأخرى، وبهذا يتم حل مشكلة الديموغرافية والتفوق السكاني العربي الفلسطيني.


وهذا نموذج بالمناسبة ليس مخالفا للأخلاقيات التاريخية والدينية التي ينتمي إليها كثير من زعماء إسرائيل اليوم، وهي قتل الرجال والنساء والأطفال وحتى الحيوانات كما ورد عن الرب في قصص التوراة عندهم، وهذا طبعا تفسير ديني أو تشريع ديني يسمح لهم بارتكاب المجازر في حق الآخرين، باعتبار أن هؤلاء الآخرين ليسوا كائنات جديرة باحترام حياتها، حيث أن الإسرائيلي يعتبر نفسه من الشعب المختار، وبما أنه من شعب الله المختار، فالآخر ليس من شعب الله المختار، أي أنه أدنى منه منزلة في التراتب الإنساني.


كما أن الهولوكوست الذي وقع على اليهود في الحرب العالمية الثانية، طور لدى الشخصية الإسرائيلية حالة تقول أنه بإمكانه أن يفعل ما يشاء باعتبار أنه الضحية دائما حتى عندما يكون هو القاتل، لأن فكرة الضحية عنده ثابتة ودفع ثمن كبير جدا لها ويجب استمرارها، إضافة إلى التبرير لأنفسهم بالقول أن ما يرتكبه اليهود ليست أكبر المجازر التي ارتكبت في التاريخ الإنساني، حيث ارتكبت مجازر كثيرة في أفريقيا وآسيا وأمريكا وأستراليا وحتى في الشرق الأوسط (العرب والمسلمين)، وبالتالي تتصالح إسرائيل مع حالة القتل والإبادة التي تقوم بها، وذلك كما كان بإمكان الآخرين التصالح والتعايش معها.


وهناك فتاوى من كثير من الحخامات يقولون لك أن قتل الأطفال الصغار والرضع شيء مشروع باعتبار أن هؤلاء سوف يكبروا يوما ما ويكونوا إرهابيين، وهذا رآيناه ونراه بشكل يومي في الإعلام وفي الصحافة من غزة وفلسطين عموما، وهذا التكييف الديني خطير جدا لأنه يحولك إلى كائن من غير ضمير أو إنسانية، حيث أن الديانة اليهودية الأصلية (التوراة) ليس فيها أشياء كثيرة جدا من هذه الأفكار، ولكن ما يجري هو أنه يتم اختزال نصوص دينية والعمل على محاولة تكييفها وتوظيفها سياسيا من قبل مجموعة من الملاحدة أصلا، لأن نتنياهو مثلا ليس مؤمنا أصلا باليهودية كدين ومنهج، لا بل هو رجل علماني متطرف، وذلك كما كان معظم قادة إسرائيل منذ تاسيسها، حيث لم يكونوا مؤمنين وعلى رأسهم هيرتزل، المؤسس الأول للصهيونية، والذي كان يهزأ بفكرة وجود الرب، واستخدم ذلك من أجل تبرير الصهيونية بالشكل الذي نراه اليوم.


وهنا يجب ألا ننسى أيضا أن القيادة المتصهينة في الولايات المتحدة الأمريكية أعطت الحق التام لإسرائيل، والذي يعبر عنه دائما بمصطلح (حق إسرائيل في الدفاع عن النفس)، وهذا حق القوة الغاصبة الغاشمة، أي حق المغتصب المحتل للأرض بالقتل والسلب والنهب والتدمير، مع أن القانون الدولي يعطي الحق لمن وقع عليه الاحتلال بأن يدافع عن نفسه، كما وأنه ليس بإمكانك أن تستبيح دماء الناس الذين تحتلهم، وقتل الرجال والنساء والأطفال (المدنيين) يعتبر من هؤلاء المحتلين كما هو منصوص في القانون الدولي، حيث أن غزة تحت الاحتلال وذلك حتى وإن كانت إسرائيل قد انسحبت من داخل غزة، لكنها بقيت مسيطرة على المداخل والمخارج (حصار)، وهذه مسألة ليس فيها أي شك، لكن إسرائيل تحت هذا الشعار (حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها) استطاعت أن تحقق ما تريده من تدمير للبنى التحتية والمرافق الحيوية، وقتل المدنيين من النساء والأطفال والمسنين، وتدمير كل ما يمكن أن يكون من مقومات الحياة من مصادر الغذاء والمياه والكهرباء وغيرها، وكله في سبيل محاولة دفع السكان باتجاه الجنوب، أملا مستقبلا أن يتم اخراجهم باتجاه سيناء ودول أخرى (طرد)، وهذا الأمر يبدو أنه أصبح الآن عسيرا (ممكن بوجود ظروف قاهرة).


لكن في الحقيقة أن أهل غزة أثبتوا أن لديهم الوعي التام والكامل بأنهم لابد لهم من أن يصمدوا مهما كان الثمن، وهذا شيء لا يدخل إطلاقا في حساب إسرائيل ولا يدخل في النفسية الإسرائيلية الصهيونية، ولهذا فإن أهم شيء في الحرب على غزة هو صمود الشعب الفلسطيني في الداخل رغم كل هذه المآسي، كما أن إسرائيل تحاول أن توهن من عزيمة المقاومة وتدمرها كما تقول أو حتى تضعفها، وهذان العنصران هما من سيحدد نتائج هذه المعركة العسكرية والسياسية، حيث أن السياسة الدولية (أمريكا وأوروبا) اليوم تعمل على تبرير أعمال إسرائيل الدموية (الإبادة)، وذلك لأنه أي معركة في الوجود عسكرية يجب أن يكون لها نتائج سياسية في النهاية.


كما أنه بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فهي في البداية أعلنت أن طوفان الأقصى بالنسبة لإسرائيل كأحداث سبتمبر بالنسبة لأمريكا، وأن حماس هي القاعدة وداعش، وكان متوقع أن كل العالم سيتبنى هذا القول، لكن الحقيقة أنه بعد آيام قليلة من الأحداث والتحاليل الإعلامية والسياسية والعسكرية، بدأ العالم ينتبه إلى أن المسألة ليس كما تقول إسرائيل وأمريكا، خاصة أمام الوحشية الإسرائيلية في غزة، حيث أنه في الآيام الأولى لم يكن هناك صوت في العالم إلا ما ندر يستطيع أن يدافع عن ما يحدث في غزة، ولكن بعدها بدأت بعض الدول تدعو للالتزام بالقانون الدولي من إسرائيل.


أيضا الموقف الأمريكي بدأ يتراجع نسبيا لأسباب رئيسية، أهمها أن الولايات المتحدة الأمريكية تعرف أن الذي يحدث الآن لا يمكن أن يؤدي إلى النتائج العسكرية التي وضعتها إسرائيل أساسا، وهي الاقتلاع والتدمير التام لمقومات المقاومة، وقد نصحت إسرائيل أن تستعيض عن هذه النظرية بنظرية أخرى، ولكنها لم تستمع لذلك وآثرت الدخول في حرب طويلة الأمد نسبيا في غزة لتحقيق أهدافها، والتي هي من المستحيل أصلا برأي كثير من المحللين السياسين والعسكريين.


أخيرا هناك شيء مهم جدا وهو تغير الموقف الشعبي المفاجئ، وذلك على الرغم من أنه في الأيام الأولى في الدول الغربية كانت تسن تشريعات وقوانين تمنع مجرد حمل الشعارات الفلسطينية أو الحديث عن قضية غزة، أو أي أحداث فلسطينية أخرى، وصولا إلى منع حتى تقديم الدعم في مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى أن هذه الدول كانت تنصب محاكم تفتيش عمليا ضد الناس المتعاطفين إنسانيا مع غزة، ولكن رد الفعل الشعبي العفوي كان مفاجئ للجميع في هذه الدول، حيث أصبحت تجد فيها مظاهرات ضخمة ترفع شعارات قوية ضد دولة الكيان وداعميها، كما أن الأقليات الإسلامية والعربية كلها في الغرب اتحدّت على دعم قضية غزة وفلسطين بشكل واحد، حيث أن المسلمين وحلفائهم من جماعات حقوق الإنسا،ن وجماعات اليسار، وطلاب الجامعات وكل الناس الشرفاء اتحدّت ضد هذا الظلم بشكل لم يسبق له مثيل في الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا وفي ألمانيا وفي فرنسا وعدد كبير من دول العالم.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart