الدولة
الدولة هي عبارة عن رقعة من الأرض موحدة ومنظمة سياسيا ومسكونة من سكان أصليين،كما ولها حكومة وطنية ذات سيادة كاملة وقوة كافية لحمايتها من الإعتداءات الخارجية،ولهذا يجب أن تتوفر عدة عوامل وشروط لقيام الدول وهي:
العامل الأول
وهو وجود أرض محددة بشكل واضح ومعترف بها حتى تمارس الدولة سيادتها عليها وتدافع عليها من الأعداء،وهي تشمل أيضا الغلاف الجوي ومسافات محددة من البحار والمحيطات الملاصقة لها.
أما في أوقات الحروب وعندما تعتدي دولة على أخرى وتحتلها،فقد تضطر حكومة الدولة المغتصبة على ترك أرضها وشعبها واللجوء لدولة صديقة لممارسة حقوقها الشرعية في تحرير أراضيها وإجلاء المحتلين منها.
العامل الثاني
وهو وجود الشعب الذي يعيش على تلك الأرض عيشة دائمة،حيث يجب أن تكون بين أفراده روابط جنسية أو لغوية أو دينية قوية ومصالح وأهداف مشتركة تجعل منهم وحدة سياسية متماسكة.
العامل الثالث
وهو التنظيم السياسي الذي بواسطته تمارس الدولة وظيفتها داخل وخارج حدودها السياسية،ويتكون هذا التنظيم من شخص أو عدة أشخاص يقومون برسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية بما يحقق الخير والرفاهية للشعب بالإضافة لإستغلال موارد البلاد لتحقيق المصلحة والمنفعة العامة والعمل على حمايتها من الغزو الخارجي.
العامل الرابع
وهو الإستقلال الذاتي وحكم الشعب نفسه بنفسه وهو السيادة المطلقة للحكومة على جميع أجزاء البلاد،ولهذا لا يمكن أن نطلق إسم الدولة على المستعمرات أو المحميات أو الدول التي تكون تحت الوصاية الدولية،وفي بعض الأحيان تكون هناك دول لها جميع الصفات الظاهرية للدولة ولكنها تستمد سياستها الخارجية من خارج حدودها،أي لها سلطة خارجية من خارج حدودها وقد تكون هذه السيطرة كإستعمار عسكري أو ضغوط سياسية وإقتصادية أو كما في بعض الحالات الشادة حيث تتدخل القوات المسلحة للحكومة المستعمرة لتزيل الحكومة المعارضة لها وتعين حكومة عميلة لها.
العامل الخامس
وهو وجود القوة الكافية لحماية الشعب،وهذا يعني أن تكون للدولة القوة اللازمة لكي تفرض سلطة القانون وتحقق الأمن والإستقرار لشعبها وتحميه مما يهدده من الإعتداءات الخارجية.
نواة الدولة
معظم الدول لا تخلق فجأة وإنما تولد وتنمو ببطىء ومع مرور الزمن تصل حدودها إلى حدود دول أكبر وأقوى منها فتتوقف وتأخذ الشكل والحجم الذي وصلت إليه،ومن هنا تختلف أشكال وأحجام الدول،فيوجد دول يتوقف نموها وتوسعها لا لضعف فيها وإنما لعدم رغبتها في ضم أقليات كبيرة إليها،كما وهناك دول ظهرت للوجود ليس بناءا على رغبة سكانها ولكن لرغبة الدول العظمى في تفكيك وحدة دولة من الدول الكبرى ومثال ذلك تقسيم كوريا إلى دولتين.
ومن هنا فمهما كانت الظروف التي لعبت دورا في تشكيل أي دولة من الدول،فإن معظم الدول نشأت في أول أمرها في منطقة صغيرة سميت بمنطقة النواة ومنها إنطلقت الحكومة في كافة الإتجاهات لتكوين الدولة،وتتميز منطقة النواة عن غيرها بأنها خصبة الأرض وكثيرة الإنتاج وأنها منطقة محصنة دفاعيا وموقعها الجغرافي يكون على مفترق طرق رئيسي،كما ومن مظاهر منطقة النواة أنها تنتقل من إقتصاد يعتمد على الإكتفاء الذاتي إلى نوع من التخصص الإقليمي في إنتاج السلع وهذا يؤدي بدوره إلى زيادة حجم التبادل التجاري مع المناطق المجاورة،فيرتفع بذلك مستوى المعيشة فيها وتتطور وتنمو شبكة المواصلات ويزداد عدد سكانها تدريجيا بسبب ترك الأفراد لقراهم والإنتقال إليها،فتتحول منطقة النواة هذه إلى منطقة صناعية،وعندما يبدأ هؤلاء الأفراد بتكوين ثروات فإنهم يسعون لإستغلالها،فينتقلون لمناطق مجاورة لإستغلالها والحصول على المواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة ويعملون على فتح أسواق جديدة لمنتجاتهم،وهكذا يبدأ التوسع بضم المناطق المجاورة إلى منطقة النواة بسبب إرتفاع المستوى الإقتصادي فيها والرغبة في النمو والتطور ومن الأمثلة على منطقة النواة:
المملكة العربية السعودية
كانت الجزيرة العربية قديما مقسمة بين القبائل،حيث كان لكل منها مركزها (نواتها) وعندما جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام توحدت الجزيرة العربية تحت رايته وكانت مكة هي المركز والمنطلق،وبإنتقال الرسول إلى المدينة المنورة أصبحت هي نواة الدولة الإسلامية لأن الرسول الكريم إنطلق منها لفتح مكة وجعلها قبلة المسلمين،وبعد وفاة رسول الله توسعت الدولة الإسلامية وإنتشرت وتفككت إلى دويلات لكل منها نواتها،فالدولة الأموية تأسست في دمشق ومن ثم إنتقل الحكم إلى الدولة العباسية التي كان لها أكثر من نواة ولكن أخرها بغداد،وبعد سقوط دولة العباسيين كثرت الدويلات وإمتدت إلى شمال أفريقيا وإسبانيا إلى أن وقعت معظمها تحت سيطرة الدولة العثمانية،ومن ثم جاءت الحرب العالمية الأولى التي مكنت الشريف حسين ملك الحجاز من أن يوحد الجزيرة العربية وبلاد الشام،ولكن ذلك لم يستمر طويلا بسبب السياسة الإنجليزية والفرنسية التي قسمت الدول العربية فيما بينها،فأستولت فرنسا على سوريا أما إنجلترا إستولت على فلسطين وإمارة شرق الأردن والعراق أما الجزيرة العربية فقد قام الملك عبد العزيز آل سعود بتوحيدها حيث كانت مكة المكرمة العاصمة الدينية للدولة السعودية آن ذاك،علما أن منطقة النوة للدولة السعودية كانت الرياض وما يحيط بها وهذا ما جعل الرياض بعد سنوات قليلة تصبح العاصمة السياسية للمملكة العربية السعودية ونقلت إليها معظم الدوائر الحكومية .
وقد مرّ تكوين المملكة العربية السعودية بمراحل عدة،حيث كانت الظروف في الجزيرة العربية قبل وجود المملكة مشابها لما كان عليه الوضع قبل الإسلام من حيث وجود القبائل والتقسيمات والإمارات،ومن هذه القبائل قبيلة درع التي كانت تقيم في القطيف ومن ثم إنتقلت إلى منطقة قريبة من وادي الحنيفة على بعد 12 كلم من الرياض تحت قيادة أحد أفرادها وهو مانع المريدى وقد أقامت هناك لفترة حتى أصبحت المنطقة هناك تسمى بالدرعية وقد حكمها مانع وأولاده من بعده إلى أن جاء الإتفاق بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأمير الدرعية محمد بن سعود آن ذاك على نشر الإسلام والجهاد في سبيل الله،وهذا ما جعل الدولة السعودية تنتشر في مطلع القرن الثامن عشر ميلادي على مساحات واسعة في الجزيرة العربية،وقد أفزع ذلك الدولة العثمانية التي خافت من تأسيس دولة عربية إسلامية تنافسها على الخلافة،وهذا أدى إلى قيام حروب عدة بين الدولتين إنتهت آخرها بتغلب العثمانيين وإحتلالهم للدرعية وإخراجهم للإمام عبد الرحمن بن فيصل والد الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية إلى الكويت،ولكن ما أن لبث أن عاد الملك عبد العزيز ال سعود من الكويت إلى الرياض وقتل حاكمها وإستولى عليها عام 1902 ومنذ هذا العام أصبحت الرياض نواة المملكة العربية السعودية ومنها إنطلق الملك عبد العزيز ال سعود إلى جميع الإتجاهات في الجزيرة العربية لتوسيع المملكة العربية السعودية.
وقد كانت هناك عدة دويلات وإمارات وقبائل تحتل الجزيرة العربية عند بدأ تأسيس المملكة العربية السعودية وهي:
1-منطقة الحجاز وكانت محكومة من الهاشميين الذين كانوا خاضعين للدولة العثمانية.2-منطقة عسير وكانت محكومة من الأدارسة الذين كانوا في حروب مستمرة مع العثمانين.3-منطقة نجد وكانت محكومة من ال رشيد الذين كان لهم مطامع في الكويت وكانوا موالين للأتراك .4-منطقة الإحساء وكانت تحكمها الدولة العثمانية عن طريق ال تركي.5-منطقة وادي السرحان والتي كانت محكومة من ال شعلان.6-منطقة الدويلات الساحلية مثل عدن وحضرموت والكويت والبحرين وعمان وكانت تحت سيطرة الإنجليز حتى يؤمنوا من خلالها طريق التجارة بين الهند وأوروبا.7-مناطق العراق والشام وفلسطين والأردن وعسير واليمن فكانوا جميعهم تحت سيطرة الدولة العثمانية.8-منطقة إيران ومنطقة الخليج حيث كان للروس مطامع فيها.9- منطقة الخليج و كان للألمان مطامع فيها وذلك عن طريق مد سكة حديد بين بغداد وبرلين.10-منطقة البحر الأحمر وكان لإيطاليا مطامع فيها.
وأخيرا فإن الملك عبد العزيز آل سعود قد إنطلق من الرياض إلى جميع أجزاء الجزيرة العربية ووحدها تحت راية الإسلام،حيث بدأ بالرياض عام 1902 ومنها إلى الخرج وشقراء وبعدها القصيم ثم الإحساء وبعدها ترية والخرمة ثم عسير فالحائل والجوف ثم الحجاز وبعدها تهامة وفي سنة 1932 أعلن إسم المملكة العربية السعودية وقد ضمت نجران إليها عام 1934، وهكذا إستغرق توحيد المملكة العربية السعودية ما يقارب الثلاثين عاما.