التاريخ
إن دوركايم هو صاحب مقولة أن التاريخ هو بمثابة المعمل
بالنسبة لرجل الإجتماع،ولكن قبل أن يوجد علم الإجتماع أو تقوم له قائمة كان
التاريخ وكانت فلسفة التاريخ،وفي أحضانها إنبثقت بذرة الأفكار السوسيولوجية،وهكذا
كان الحال مع إبن خلدون ومن بعده سان سيمون وكونت وغيرهم كثيرين،ومع دعودة دوركايم
إلى الإنضباط العلمي وصياغة محاولات منهجية تستند إلى التحليل الإحصائي أو المادة
الإمبيريقية تراجع الإهتمام بالتاريخ عند علماء الإجتماع الأكاديميين،وعلى الرغم
من ذلك فإننا نجد أن أضخم منجزات نظرية شهدها علم الإجتماع كانت في القرن العشرين،وتجسد
ذلك في آراء كل من كارل ماركس وماكس فيبر التي كانت هي ثمرة من ثمار تحليلات ورؤى
تاريخية،وإن تعارضت نتائج كل منهما وتباينت إلا أن مسرح ذلك كان هو تاريخ الإنسان.
ويتجلى الإهتمام الموسع بالتاريخ من خلال الإهتمام
بالأبعاد التاريخية وعرض المدارس والمفاهيم التاريخية ومناهج التحليل التاريخي في
علم الإجتماع والتاريخ الإقتصادي،وقد كان من أبرز المهتمين بهذا النوع من
الدراسات فرنان برودل ومارك بلوخ،ومن المواد التي تدلل على هذا الوعي الناضج
بالتاريخ مواد مثل: التأريخ وعلم الإجتماع التاريخي والمذهب التاريخي (النزعة
التاريخية) والمادية التاريخية والتاريخ الشفاهي والتاريخ الإجتماعي والديموجرافيا
التاريخية وتحليل تاريخ الحدث والبحوث الوثائقية والوثائق الشخصية (كأداة بحثية)
والبيانات المتسلسة زمنيا والعموميات التطورية والنزعة التطورية وغيرها الكثير،هذا
فضلا عن رؤى نظرية حديثة ذات توجهات تاريخية أو وعي متميز بحركة التاريخ مثل:
نظرية نهاية الأيديولوجيا وتحليلات تاريخية لكثير من الظواهر الإجتماعية
كالكومبرادور والبرجوازية الكومبرادورية والإقطاعية والإستبداد الشرقي وغيرها.
كما أنه يتم عرض مختلف المفاهيم أو النظريات أو المذاهب
المتعلقة بالتطور التاريخي للمفهوم نفسه وتغيير مدلوله ضيقا أو إتساعا قبولا أو
رفضا...إلخ بفعل التطورات الإجتماعية الإقتصادية عبر التاريخ،بالإضافة إلى بروز
الوعي التاريخي،وهذا يمثل نوعا من التعويض عن تراجع الماركسية (المادية التاريخية)
وسيطرة الأساليب الإحصائية الكمية وشيوع إستخدام الحاسب (الكومبيوتر) في العلوم
الإجتماعية.
علم النفس
لقد خاض علم الإجتماع الدوركايمي معارك شرسة ليدافع عن
حدود (السوسيولوجي) ضد التفسيرات السيكولوجية،معتبرا أن الأخذ بالتفسيرات النفسية إنما
هو إختزال للظاهرة الإجتماعية وتشويه لها،ولكن مسيرة علم الإجتماع إتخذت لنفسها
على إمتداد القرن العشرين خطا ظل يتباعد عن رؤية دوركايم ويعدل من نظرته إلى
(السيكولوجي)،وذلك لأسباب عدة لعل من أهمها التحليل النفسي على الأرض الأوروبية في
الفترة ما بين الحربين ثم في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك وحتى الآن،وكذلك
الإزدهار الهائل لبحوث علم النفس الإجتماعي التي أثبتت أهميتها الكبرى لكل حريص
على فهم الظواهر الإجتماعية،وعلى وجه الخصوص موضوعات: الإتجاهات والتفاعل وديناميات
الجماعة والتعصب وغيرها،وذلك لتأكد من أن التضافر النفسي والإجتماعي بات حقيقة من
حقائق العلوم الإجتماعية المعاصرة،وإذا أضفنا إلى ذلك جميعا الإزدهار الواسع والجماهيرية الطاغية التي أصبحت تحظى بها موضوعات الطب النفسي في المجتمعات
الصناعية المتقدمة لإزداد إقتناعنا بهذه الحقيقة،كما أن الإهتمام بالأمراض الجسيمة
النفسية (السيكوسوماتية) والأمراض النفسية ذات الأصول والأسباب الإجتماعية يمثل
إستجابة للتطور الحادث في تلك المجتمعات،حيث إكتسب العلاج النفسي قبولا جماهيريا
وأصبح المعالج النفسي صديقا لأي مواطن وربما لكل مواطن،وتطورت مفاهيمه وممارساته
وهي جميعا ظواهر تحققت نتيجة الإهتمام بالفرد وصحته الجسمية والنفسية على حد
السواء،ولكن هذا الوضع مازال شديد التخلف في بلادنا العربية لأنها مازلت لا ترى
الفرد ولا تقدره ولا تقيم له أي حساب،والأمل هو في أن تثير هذه الكتابات الجديدة
العالمية إهتمام القادة والمفكرين العرب.
وتجدر الإشارة هنا إلى بعض المواد النفسية والطبية
النفسية التي تبرهن على إهتمام دارسي المجتمع اليوم بمثل هذه القضايا كالعلاج
بالتنفيس والمراهقة والعواطف والعلاج السلوكي والإرتباط الشرطي والإذعان والإكتئاب
والقياس النفسي والإستبطان والمرض العقلي وعلاج النفور والحيل الدفاعية والرغبات
والحاجات والدوافع والإتجاهات وتكوين الإنطباع والتحكم في الإنطباع والعصاب
والأحلام ودلالاتها والذات (وما يرتبط بها من تحقيق الذات والوعي بالذات وتصور
الذات وصورة الذات وإدراك الذات...إلخ)،بالإضافة إلى النرجسية والتفاعل وديناميات الجماعة
والجنون والذهان والطب النفسي والتحليل النفسي والقياس النفسي والسيكوباتي
واللاشعور...إلخ.
وطبيعي أن هذا الإنتباه للسيكولوجي في دراسة الظواهر
الإجتماعية سوف يتجلى بصورة ملموسة في الإهتمام بالدراسة السوسيولوجية لعدد من
الموضوعات والقضايا النفسية وأغلبها من فروع علم الإجتماع التي إزدهرت حديثا مثل
سوسيولوجيا النوع (الجندر) والدراسة
الإجتماعية للجسد والدراسة الإجتماعية للجنس وسوسيولوجيا العواطف وغيرها،ولكنها حتى
الآن لم تصادف بعد تقديرا كافيا من علماء الإجتماع في البلاد العربية.
الأنثروبولوجيا
إن الأنثروبولوجيا علم واسع ومتطور وله فروع رئيسية
عديدة خاصة الإجتماعية والثقافية منها،والتي تستعرض أهم مصطلحات الزواج
الأنثروبولوجية وأهم مصطلحات القرابة وأنواعها ومصطلحات الإثنية ومصطلحات
الأنثروبولوجية الإقتصادية (مثل حلقة الكولا ومجتمعات الصيد
والإلتقاط...) والمفاهيم الأنثروبولوجية الدينية والثقافية (مثل الثقافة والثقافة
الفرعية والثقافة المسيطرة والأسطورة والثقافة الشخصية...إلخ).
ولكن يجدر الذكر بأنه تم الإهتمام بالأنثروبولوجية
الإجتماعية (البريطانية أساسا) وإهمال نسبي للأنثروبولوجية الثقافية (الأمريكية
أساسا)،وذلك لعدة إعتبارات منها أن الأنثروبولوجية الثقافية تراث أمريكي أما
الأنثروبولوجية في بريطانيا فهي أنثروبولوجية إجتماعية أساسا،وإن كان ذلك لم يصل
إلى حد الإغفال الكامل للمفاهيم الثقافية أو لعلماء الأنثروبولوجية الثقافية.
ولكن وبالرغم من ذلك فإنه يلاحظ معالجة العدد القليل من المداخل المرتبطة بأغلب شعوب العالم الثالث،خاصة البحوث المتقدمة في أمريكا اللاتينية،كما وتجلى ذلك الإهمال أيضا في تقديم طائفة من المفاهيم الأنثروبولوجية والأعلام الأنثروبولوجيين بوصفهم علماء إجتماع أو بوصفهم مفاهيم سوسيولوجية فقط.