قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الدنيا ليس فيها مساواة

الدنيا ليس فيها مساواة
الدنيا ليس فيها مساواة،فلا مساواة في أي شيء.

كما ولا يتساوى أخوان في العائلة الواحدة.
كل وردة لها رتبة مختلفة من حيث الشكل والرائحة والجمال،وهكذا لا تتساوى وردتان.
وفي نفس عائلة القطن نجد طويل التيلة وقصير التيلة.

وفي الفاكهة نجد في عائلة واحدة كالبلح مثلا عشرات الرتب والدرجات والأصناف،الزغلول والسماني والحياني والأسيوطي والرشيدي وبلح عيشا،وكل صنف له طعم ونكهة ومذاق.
وعلماء الحشرات يصنفون لنا من الحشرة الواحدة كالنمل أكثر من ألف نوع،وكل أسرة من أسر النمل يقولون لنا إن فيها أكثر من مائة مصنف ومصنف.
وفي الإنسان يزداد التفاوت والتفاضل،فنجد الذكي والغبي والأحمر والأسود والأصفر والأبيض والطويل والقصير والسمين والأصلع والكثيف الشعر،كما نجد من يولد بحنجرة من ذهب ومن يولد بحنجرة من خشب،ومن يولد جميلا ومن يولد قبيحا.

بل إن كل إنسان يحمل بصمة إصبع مختلفة.
كل إنسان هو رتبة في ذاته،فكل إنسان يتسلم لحظة ميلاده بطاقة تموين وإذن صرف وشيك وثروة من المواهب والتسهيلات الخاصة به،وأكثر من هذا يولد كل مولود بعدد من خلايا المخ محدودة غير قابلة للتجدد أو التكاثر،وما يموت من هذه الخلايا لا يستحدث،ولكل واحد منا عدد من هذه الخلايا هي كل ثروته،ولكل واحد يوهب عددا من هذه الخلايا مختلفا عن الآخر.
ومعنى هذا أن الدنيا كلها تقوم على قانون التفاضل والتفاوت،وأن عدم المساواة هو القاعدة في كل شيء،في النبات والحيوان والإنسان والجماد،حتى الجماد كل مادة فيه لها بلورتها الخاصة،ولها وزنها الذري ووزنها الجزئي ولها هندستها الخاصة في توزيع الإلكترونات وعددها.
لا مساواة على الإطلاق،فهكذا أراد خالق الكون لخلائقه،هو أراد لحكمة يعلمها أن يخلقنا درجات،ولعله خلق فينا القوي والضعيف ليختبرنا وليظهرنا على نفوسنا.

فهل يأكل القوي الضعيف أو يحنو عليه ويعطف عليه ويساعده ؟

وهل يدرك القوي أن قوته من الخالق وأنها هبة بأجل وأن مصيرها الزوال ؟

فلو أدرك هذا،فإنه سيكون المؤمن الذي يوظف قوته لنجدة الضعيف،لأنه يعلم أنه سيصبح يوما ما أضعف منه،أم أنه سيخيل إليه أن القوة قوته هو والعنفوان عنفوانه هو،ويمضي يضرب باليمين وبالشمال،ولو فعل هذا فهو الملحد المنكر الذي لا يتصور وجودا لقوة أعلى منه.
والواقع أن الفرق بسيط،فرق شعرة بين أن تحس بأنك قوي وبين أن تحس أنك وهبت هذه القوة،وأن قوتك عطية ومنحة،ولكن هذا الفرق البسيط هو فرق هائل بين عقليتين وبين سلوكين،وهو مفرق الطريق بين الإيمان والإلحاد.
ويبدو أن الدنيا هي الفرصة التي أتاحها الخالق لمخلوقاته لتختار طريقها بالفعل ليظهرنا على نفوسنا ويعرفنا على حقيقتنا،وهو يعلم من البداية إستحقاق كل واحد منا وقيمته ولكن نحن لا نعلم،ويتصور كل منا أنه الكامل الفاضل الذي يستحق الجنة،لهذا أراد بالدنيا أن تكون المحنة والإمتحان الذي يعرف فيه كل واحد نفسه وقيمته،حتى إذا إنتهت الدنيا وإنتهى الزمن وأعيد ترتيب النفوس في درجاتها الحقة ونزلت النفوس منازلها ومراتبها الصحيحة،علمت كل نفس أنه العدل وعلم الأسفل أنه الأسفل بالفعل،وأنه لبث في هذه المنزلة السفلى إلى الأبد ولا ظلم في ذلك،لأن هذا مكانه وهذا هو الجحيم وهو حق.
كما أن الجنة حق،وما الجحيم إلا الرتبة السفلى وما الجنة إلا الرتبة العليا،وهذا هو التفاوت والتفاضل الطبيعي بين أعمال تتفاوت وتتفاضل بطبيعتها،وقانون التفاوت والتفاضل هو قانون الوجود وهو العدالة بعينها،وإنما الظلم بعينه أن يتساوى غير المتساويين،وقصارى العدل الأرضي هو أن يساوي بين الفرص والتسهيلات،وأن يمنح كل فرد حق الدواء والكساء وفرصة التعلم،ولكنه لا يستطيع ولا يصح له أن يساوي بين الناس ذواتهم.
وإلى أن تنتهي الدنيا سوف يظل هناك الأعلى والأدنى،وفي العالم الآخر سوف يكون هناك الأعلى والأدنى،وكل الفرق أن الأرواح في عالم الأبد سوف تنزل منازلها الحقيقية،على حين يحاول كل إنسان في الدنيا أن يغتصب ما لا يستحق ويحاول أن يعلو على الآخر غدرا وغيلة.
مصطفى محمود

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart