لقد إستطرد أرسطو في تسلسل الأسباب قائلا: إن الكرسي من الخشب والخشب
من الشجرة والشجرة من البذرة والبذرة من الزارع،حتى إضطر إلى القول بأن هذا الإستطراد
المتسلسل في الزمن اللانهائي لابد أن ينتهي بنا في البدء الأول إلى سبب في غير حاجة
إلى سبب،أي سبب أول أو محرك أول في غير حاجة إلى من يحركه،خالق في غير حاجة إلى خالق.
وهذا نفس ما يقوله الإسلام والمسلمين عن الله،فإبن عربي في رده على هذا السؤال (من خلق الخالق ؟) قال: هذا سؤال لا يرد إلا على عقل فاسد،فالله هو الذي يبرهن على الوجود ولا يصح أن نتخذ من الوجود برهانا على الله،تماماً كما نقول إن النور يبرهن على النهار،ونعكس الآية لو قلنا إن النهار يبرهن على النور.
يقول الله في حديث قدسي: (أنا يُستدل بي ... أنا لا يُستدل عليّ) فالله هو الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل،لأنه الله الحق الواضح بذاته،وهو الحجة على كل شيء،فالله ظاهر في النظام والدقة والجمال والإحكام،في ورقة الشجر في ريشة الطاووس في جناح الفراش في عطر الورد في صدح البلبل في ترابط النجوم والكواكب،أي في كل هذا القصيد السيمفوني الذي إسمه الكون،ولو قلنا إن كل هذا جاء مصادفة،لكنا كمن يتصور أن إلقاء حروف مطبعة في الهواء يمكن أن يؤدي إلى تجمعها تلقائيا على شكل قصيدة شعر لشكسبير بدون شاعر وبدون مؤلف.
وأخيرا فإن القرآن يغنينا عن هذه المجادلات بكلمات قليلة وبليغة فيقول بوضوح قاطع ودون تفلسف: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ
مصطفى محمود