هل أنت معاق؟
المعاق بشكل عام هو الشخص الذي لا يستطيع القيام بعمل ما إلا بمساعدة الغير حتى تسهل ظروف حياته لتأدية وظائفه بشكل مستقل، ومنه وحسب هذا التعريف أو هذا التصنيف فإن كل البشرية على سطح الكرة الأرضية معاقة بشكل أو آخر، لأن كل فرد أيّا كان بحاجة إلى مساعدة في أي مجال من المجالات لكي يقوم بواجبه خير قيام، فكلنا معاقون وكلنا من ذوي الاحتياجات الخاصة.
المعوقون أو ذوو الاحتياجات الخاصة هم ذاتهم الأشخاص غير العاديين أو الفئات الخاصة كما يسمون في المؤسسات والجهات المعنية، والإعاقة بشكل عام هي عجز أو قصور في جسم الإنسان تؤدي إلى التأثير على قدرة الفرد على الحركة والتنقل، أو على قدرة الإنسان على التناسق في حركات الجسم أو على قدرته على التواصل مع الآخرين.
وقد يظن كثير من الناس أن المعاق حقيقة هو من فقد الأهلية على الحياة الطبيعية من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذه الطائفة ممن أصيب بعاهة ذهنية أو فكرية أو نفسية مأجورون في الإسلام كما أن لهم منزلتهم من الاحتفاء والاعتناء، لكن المعاق حقيقة هو من عطّل عقله وجمد حواسه وأمات مشاعره، ولهذا قال الله تعالى عن هذا الصنف: (لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ)، فمن لم يفكر بعقله التفكير الصحيح، ولم يعتقد بقلبه الاعتقاد السليم، ومن لم ينهج النهج القويم ويسلك الصراط المستقيم فهو معاق حقيقة.
فنحن عندنا ألوف مؤلفة من الشباب القوي المتين الثخين السمين البدين إلى درجة أن أحدهم قد يصارع الثور ويطرح البغل ويقلب الحمار على ظهره، ولكنه فاشل في الحياة فلا علم ولا فهم ولا إيمان راسخ ولا خلق قويم ولا مشاركة في الحياة ولا نفع يرجى منه، كما قال حسان بن ثابت في بعض الناس: (لا بأس بِالقَوم من طول ومن عظَم، جسم البِغال وأَحلام العصافير)ِ.
كما وقد ذم الله تعالى المنافقين لخبث سيرتهم وقبيح سريرتهم، وذلك على الرغم من قوة أجسامهم وفصاحتهم، حيث قال عنهم الله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ)، فنحن نحتاج إلى عقول ذكية وأفكار سوية وأخلاق راشدة وهمم عالية، أما الجثث الهامدة والأجسام البالية التي لا روح فيها ولا نور ولا مشاعر، فهي العبء الثقيل والعذاب الوبيل على الناس وعلى الحياة.
أما من أصيب بعاهة في جسمه فقد تكون هذه العاهة سببًا لعظمته ونجاحه وتفوقه، فإذا طالعت حياة العلماء والمشاهير والنجوم في العالم فستجد أن طائفة منهم أصيبوا بعاهات في أبدانهم، فها هو ابن عباس عالم الأمة عمي في آخر عمره وقتادة أعمى وعطاء بن أبي رباح عالم الدنيا أشل والأحنف أعرج والزمخشري مبتور الرجل وروزفلت مقعد وبتهوفن أصم وغيرهم الكثير.
كما وقد وجد من ذوي الاحتياجات الخاصة من صار قصة في النجاح ومثلًا شرودًا في الإبداع، فمنهم من حصل رغم شلله على درجة الدكتوراه، ومنهم من ألّف الكتب وهو مقعد، ومنهم من أسهم في مشروع نافع مفيد وهو فاقد لبعض أعضائه، فقصص النجاح لهذه الفئة من الناس فيها الكثير مما يثلج الصدور، حيث أصبحت المحنة منحة والبلية عطية، وكما قال أبو الطيب المتنبي (لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل)، وقال أبو تمام (قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم).
وفي تاريخنا الإسلامي فإن من ذوي الاحتياجات الخاصة قادة وعلماء ومصلحين وفلاسفة وشعراء وأطباء وأدباء أكثر مما نتصور، ملأوا الدنيا نجاحًا ومجدًا وأثرًا طيبًا، ونذكر هنا بعضًا منهم على سبيل المثال لا الحصر:
– أبو حازم سلمى بن دينار (شيخ المدينة الأعرج والذي كان حكيما وكثير الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الحق ويعظ به ولا يخشى لومة لائم).
– أبان بن عثمان (كان لديه ضعف في السمع ومع هذا كان عالما فقيها).
– محمد بن سيرين (كان ذو صعوبة سمع شديدة ومع هذا كان راويا للحديث ومعبرا للرؤى).
– الأحنف بن قيس (أشتهر بهذا اللقب لعوج في رجليه، إلا أنه كان أبين الناس وأطبهم كما وكان من قائدي الجيش في معركة صفين).
– موسى بن نصير (القائد الأعرج الذي غزا قبرص وفتح الأندلس في عهد معاوية ولم يهزم له جيش قط).
– أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري (ذو رجل واحدة وهو إمام كبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان، كما وكان رأسا في البلاغة والعربية والمعاني والبيان، واشتهر بين علماء عصره بوصفه العلامة، ومن كتبه البديعة “الكاشف في تفسير القرآن- الفائق في غريب الحديث- أساس البلاغة” وله كتب أخرى كثيرة بلغت نحو الخمسين).
– عبد الرحمن بن هرمز الأعرج – حاتم الأصم – سليمان بن مهران الأعمش – أبو العباس الأصم – عمران بن الحصين – الكميت بن زيد الأسدي – سليمان بن عبدالملك – سلمة بن دينار – الإمام الترمذي – أبو العلاء المعري – ابن سيده – دعبل الخزاعي – القاضي عبده السليماني – ابن منظور…)، ويلاحظ أن إعاقات هؤلاء متنوعة فقد كان منهم (الأعمى والأصم والأعرج والأعشى والأعور والأحول والأحنف والأحدب والمفلوج والمبتور…) وإنهم برزوا في مجالات متنوعة منها (العلم – الفقه – التفسير- الأحاديث الشريفة – الأدب – الشعر – الخطابة والقضاء – الحكم والخلافة…) كما امتازوا بأخلاق رفعت من درجتهم واحترام الناس لهم، فقد كانوا من العقلاء والأبطال وأصحاب السيادة والحلم والحزم والمروءة والصبر على البلاء والورع والتواضع، بل وكتب كثير من علماء المسلمين عن المعاقين مما يدل على اهتمامهم بهم مثل الرازي الذي صنف (درجات فقدان السمع) وشرح ابن سينا (أسباب حدوث الصمم).
إن الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة ليس عندهم إعاقة، بل إن المعاق حقيقة هو الفاشل والمحبط والكسلان الذي عاش بلا رسالة ولا هدف في الحياة، وصار لفظا زائدا وجملة غير مفيدة في كتاب الحياة، فالإعاقة لا توقف عجلة التاريخ ولا تنهي العطاء، وتبقى المعاني الشامخة تسعى إلى بلوغها العزائم والإرادات التي لا تصيبها الإعاقات.
كما إن رسالة الإسلام هي رسالة الإنسان تحمل له الخير كله، تسعى في صلاحه وإصلاحه وتعمل على تحقيق سعادته والارتقاء به، لا انحياز أو تمايز في تعامل الإسلام مع الإنسان، فالمعوق إنسان مبتلى بما أعاقه عن بلوغ ما يبلغه الأصحاء.
فهنيئًا
للمصابين في أجسامهم المعافين في عقولهم وإيمانهم، وطوبى لمن صنع من الليمون شرابا
حلوا، وسلام على من حول الخسائر إلى أرباح، فلم تعطله آفة ولم تقعده عاهة عن
المواصلة والعمل والإنتاج والإبداع، وتبًا لمن عطّل مواهب الله عليه فعاش صفرا
ومات صفرا، حيث قال تعالى: (أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ
أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).
رابط المقال
في ساسة بوست:
https://www.sasapost.com/opinion/are-you-disabled/