علمونا ونحن
صغار أن من ثوابت الإسلام حد الردة،وأن من يترك الإسلام،يحق لباقي المسلمين قتله واهدار
دمه،لذلك قام الخليفة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) بقتل من إرتدوا بعد وفاة النبي
(صلى الله عليه وسلم)،ثم عرفنا أنه لا يوجد أي نص شرعي في القرآن الكريم يبين حد الردة،كما
ليس له أية دلالة على أنه بند رئيسي في الإسلام،بل على العكس من ذلك فقد نهى الله
تعالى في القرآن العظيم عن إكراه الناس على إعتناق الإسلام،حيث قال الله تعالى: (لاَ
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا
وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة 256) كما
قال الله تعالى: (َمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ إنقَلَبْتُمْ عَلَىأَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ
عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران
144).
أما بالنسبة
لحروب الردة فقد كان سببها الحقيقي سياسي وإقتصادي وليس ديني،لأن المسلمين الأوائل
تمردوا ورفضوا دفع الزكاة،وغير المسلمين كفوا عن دفع الجزية،مما هزّ إقتصاد دولة الإسلام
الوليدة وخلخل قواعدها،لذلك وجد الخليفة أبو بكر الصديق أن الحل هو مقاتلتهم وإجبارهم
على دفع ما طلب منهم من مال.
هذا ويقول الشيخ حسن الترابي في حوار له مع إحدى الصحف
معلقا على حد الردة: (في إطار الدولة الواحدة والعهد الواحد يجوز للمسلم كما يجوز
للمسيحي أن يبدل دينه،كما أن الردة الفكرية البحتة التي لا تستصحب ثورة على
الجماعة ولا إنضماما إلى الصف الذي يقاتل الجماعة كما كان يحدث عندما ورد الحديث
المشهور عن الرسول: (من بدل دينه فإقتلوه) فليس بذلك بأس يذكر،فلقد كان الناس
يؤمنون ويكفرون،ثم يؤمنون ويكفرون،ولم يطبق عليهم الرسول حد الردة).
والشيخ يقصد بكلامه هنا عدة أمور،أولها أن الردة السلمية
مقبولة في الدولة الإسلامية كما في الدولة الحديثة،وأن الردة المرفوضة والتي يطبق
فيها حد الردة هي الردة المسلحة أو الإنضمام إلى صفوف الأعداء،وبذلك يكون الترابي
غير منكر لحديث: (من بدل دينه فإقتلوه) وإنما إعتبر أن الحديث خاص بالردة المسلحة،كما
أنه يعتبر أن الردة التي واجهها سيدنا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) وحاربها في
عام الإسلام الأول بعد وفاة الرسول صلى الله عليه والسلام كانت مسلحة (سبب سياسي
وعسكري)،كما ويقصد الشيخ بالإنضمام للصف الذي يقاتل الجماعة المسلمة هو ما فعله (عبدالله
بن أبي السرح) والذي إنضم لقريش بعد أن أسلم،وكان معهم حتى فتح مكة،وكان الرسول عازما
على قتله لولا أن الصحابة لم يتفطنوا لمقصده عندما أخر قبول توبته وإسلامه.
ومن الأمور المهمة التي يجب الإنتباه إليها في موضوع
الردة أن الأحناف رغم أنهم يجيزون قتل المرتد الرجل المسالم إلا أنهم يرون عدم قتل
المرأة المرتدة،مخالفين بذلك رأي الجمهور،وسبب قولهم بذلك يرجع إلى أن المرأة
المرتدة لا يخشى منها أن تحمل السيف ضد الدولة (ليس سبب ديني).
يقول الشيخ الترابي أن الردة حد سياسي وتطبيقاته الخاطئة
والجاهلة خطيرة جدا وستتيح للحاكم في الدولة الإسلامية قتل معارضيه بحجة الردة عن
دين الله،وأعتقد أن الشيخ من خبرته كان ينظر إلى المستقبل،فهذا تنظيم داعش أذاق
أهل العراق والشام وليبيا وغيرهم الويلات وقتل المئات بل الآلاف من البشر بحجة الردة.
أخيرا نقول أن هذه المسألة (حد الردة) من الفروع التي
يجوز الإختلاف فيها وليس ينبني عليها تكفير كما يفعل بعض علماء السلفية والوهابية،كما
أن القول بعدم قتل المرتد يعتبر سدا للذريعة المفضية للدكتاتورية (داعش وأخواتها) ودرءا
لمفسدة إزهاق أرواح الأبرياء بحجة تطبيق حد الردة،وذلك كما فعل الفاروق عمر بن
الخطاب عندما أوقف حد السرقة في عام الرمادة.