دموع التماسيح على حلب وأهلها
استعادة الجيش السوري لمدينة حلب وخروج المقاتلين منها، ليس وقت الاحتفال لأنه لا يمثل انتصارًا لطرف على حساب طرف، فلم ينتصر أحد والهزيمة للجميع دون أي استثناء، فالضحايا المدنيون هم أهلنا في سوريا وفي أي معسكر يقفون، والدمار الذي أصاب المدينة في شمالها وجنوبها وشرقها وغربها سيظل شاهدًا على المؤامرة التي استهدفت هذا البلد العربي المسلم وشعبه لأنه كان يمثل إرثًا حضاريًا وإنسانيًا يمتد لآلاف السنوات.
سوريا عامة وحلب خاصة أوصلها إلى هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في التاريخ الحديث أمراء الفصائل بمختلف أسمائهم وتوجهاتهم، وهم الذين كانوا وما زالوا يتطلعون إلى السلطة ومغرياتها والمال القذر القادم من عواصم الشرق والغرب على حد سواء، وباتوا بذلك أدوات ودمى يعتريها الذل والهوان في يد من يدعم ويريد الدمار والخراب لهذا البلد.
يجب أن ندرك جميعًا أن معركة حلب انتهت، ولكن الحرب لم تنتهِ في سوريا، فهناك معارك عديدة قادمة مثل إدلب والرقة والباب وغيرها، ولكن الخذلان الذي عاشه ويعيشه جزء من الشعب السوري من قبل ما يسمى (أصدقاء وداعمي الشعب السوري) والذين للأسف تخلوا عنه في أكثر أوقاته صعوبة، وتركوه يواجه قدره في حلب وحده، يشكل وصمة عار في جبين هؤلاء وكل من راهنوا عليهم.
نرى كيف تحفل وسائل التواصل الاجتماعي بالعديد من نداءات الاستغاثة لإنقاذ مدينة حلب من إرهاب الطاغية السوري وجيشه وحلفائه الإيرانيين والروس، ووضع حد للمجازر (إن وجدت أو صحّت) التي يرتكبونها ضد أهل حلب العزل، ولكن لا يقول هؤلاء، سواء الذين يقفون خلف هذه الحملات أو ينخرطون فيها، لمن توجه هذه النداءات؟
الدول التي يجب أن تغيث أبناء حلب وتوقف المجازر التي ترتكب في حقهم وتشرد من نجا منهم وتدفن قتلاهم، هي أمريكا وتركيا والسعودية وقطر، وهي نفس الدول التي تدخلت في سوريا منذ ست سنوات، ووعدت الشعب السوري بإسقاط الطاغية بشار الأسد وإقامة نظام ديمقراطي بديل يحقق العدل والمساواة، واستخدموا في سبيل ذلك كل الأسلحة ووسائل التعبئة الطائفية المقيتة، كما وأنفقوا مليارات الدولارات في هذا الصدد وجندوا إمبراطوريات إعلامية جبارة، ولكن النظام لم يسقط ورئيسه ما زال يتربع على قمته.
فلماذا يدس هؤلاء رؤوسهم في الرمال الآن ويتعامون عن الحقائق ولا يشيرون بأصابع الاتهام إلى هذه الجهات المعنية؟
فإذا كانت هذه الدول والتي تسمي نفسها داعمة وصديقة لا تهرع لحماية أهل حلب وتفك الحصار عنهم وتتصدى للطائرات السورية والروسية التي تقصفهم، فمن سيقوم بهذه المهمة إذًا؟ وهي التي تملك الطائرات الحديثة والمتطورة ومئات المليارات من الدولارات، وما هو حكم المقصر المتهاون عن نصرة أهله من المجازر وهو يملك كل أسباب القوة؟
تركيا والسعودية وقطر وأوروبا وأمريكا والأمم المتحدة ومجلس الأمن ومعهم كل شيوخ الفتاوى الطائفية الظلامية وفتنها لم يجيبوا أحدًا من أهل حلب خاصة وسوريا عامة، وتركوهم يواجهون مصيرهم وحدهم، وهم يتفرجون ولم ينطقوا بكلمة تضامن واحدة مع أهلها، وتركوا النواح والبكاء لأجهزتهم الإعلامية، ودسوا رؤوسهم في التراب.
هذه الدول تحاول أن تبرئ نفسها من الجريمة التي ارتكبتها في حق سوريا وشعبها على مدى ست سنوات، في حين تتباكى بكاء المنافقين والتماسيح على الضحايا والجرحى والمهجرين، وهي التي رفضت استقبال لاجئ سوري واحد على أراضيها.
الشعب السوري تعرض إلى أكبر خدعة في التاريخ، وذلك عندما ورطوه في مؤامرة لتدمير بلده وقتل مئات الآلاف من أبنائه على جانبي الخط السياسي، فهؤلاء المزورون الذين حرموا شعوبهم من كل القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والحريات، هم الآن يتاجرون بها على الشعب السوري بعد أن حولوا سوريا إلى ميدان للفتنة والحرب الطائفية والعرقية، وذلك في محاولة منهم لإشفاء غليلهم والتنفيس عن أحقادهم ونزعاتهم الانتقامية، وهم آخر من يحق لهم الحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الرئيس بشار الأسد يتحمل المسؤولية عما حدث ويحدث في بلاده بشكل قطعي، ولكن مسؤولية من ورطوا الشعب السوري في بحر الدماء هذه لأحقاد شخصية ونزعات ثأرية يتحملون مسؤولية أكبر، لأنهم تدخلوا في شؤون دولة عربية وأشعلوا نار الحرب فيها وضخوا آلاف الأطنان من الأسلحة والعتاد والمليارات من الدولارات، بل وهم الذين كانوا وما زالوا يرفضون تدخل أي أحد في شؤونهم.
الغضب الأكبر يجب أن يتوجه إلى هذه الدول والقنوات التلفزيونية التي حرضت على الفتنة وقلبت الحقائق وضللت فئة وقطاعًا من الشعب السوري ودعته إلى الثورة وسلحته ووعدته بإسقاط النظام في أشهر معدودة ثم تخلت عنه، ووقفت تتفرج على ما حصل له في حلب وغيرها، وهي تملك الجيوش والطائرات الأمريكية الحديثة، بالإضافة إلى وسائل إعلامية ضخمة وجيوش إلكترونية جبارة على وسائط التواصل الاجتماعي استغلتها أتم استغلال حتى تقلب الحقائق وتنشر الأكاذيب وتبث كما يقال (السم في العسل).
ولكن هذا لن يدفن الحقائق حول دورهم الرئيسي والمشبوه في تدمير سوريا وبذر بذور الفتنة الطائفية وشن حرب دموية فيها، وقتل الآلاف من أبنائها وتجويع وتشريد الملايين منهم، وما نداءات الاستغاثة هذه وإطلاق الشتائم واللعنات والسباب إلا ذر للرماد في عيون شعوبهم، حتى لا ترى وتنكشف ذنوبهم وخذلانهم للشعب السوري كله وليس لأهالي حلب فقط.
أخيرًا نقول اعلموا أن من دمر حلب هم الذين خذلوها وتخلوا عن أهلها وأغلقوا آذانهم عن استغاثاتها وأطفالها، وهم الذين غرروا بها ووعدوها قبل ذلك بالنصر كذبًا واعتبروها خطًّا أحمر، لهذا يجب أن تعرف الأمة العربية وشرفاؤها والشعب السوري نفسه جرم هؤلاء، وإن شاء الله سيأتي يوم الحساب لكل من سفك دمًا أو ساعد في سفك دم إنسان وطفل سوري، ونأمل أن يكون ذلك قريبًا، حتى يتم معاقبة رؤوس الفتنة والمحرضين على الدمار والخراب والقتل.
رابط المقال
في ساسة بوست:
https://www.sasapost.com/opinion/crocodile-tears-on-the-aleppo/