ليس حبا في قطر.. صراع مصالح الإخوة الأعداء
هذه الأزمة الخليجية المفتعلة، والتي جرى تحريكها من قبل أطراف دولية، لا سيما عقب زيارة ترامب إلى السعودية، تهدف إلى إبقاء المنطقة تحت وطأة الأزمات، ورفع مستوى التوتر والصراع مع قطر ومن خلفها إيران، وذلك لخلق سباق تسلح جديد تكون الرابح الأكبر منه واشنطن، والذي قد يقود لنهاية الحرب بالوكالة بين إيران والسعودية، ودخول مرحلة المواجهة المباشرة بينهما، وذلك كله لتنفيذ مخططات جديدة في تفتيت الشعوب وزرع الفتنة والخلاف بين البلدان الخليجية والعربية.
فحتى الأمس القريب كانت قطر شريكة السعودية تحت عنوان «محاربة الإرهاب»، الذي سوقته الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وكانتا إلى جانب الإمارات المثلث الخليجي الأساسي في التمهيد لقبول «إسرائيل» ككيان مقبول لدى المجتمع العربي والإسلامي، ورأس الحربة في تغيير معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي، لتصبح الصراع العربي – الإيراني، تحت ذرائع عرقية ودينية وطائفية.
لكن السعودية أخذت القرار بإنهاء الحالة القطرية المستجدة تحت شعار «محاربة الإرهاب»، يشجعها على ذلك دعم الولايات المتحدة الأمريكية لها، أو على الأقل عدم ممانعتها لذلك، تساعدها في ذلك الإمارات والتي هي مستاءة من التغول القطري المالي والسياسي في المنطقة والعالم، وكذلك البحرين التابعة سياسيًا للسعودية، والتي يجمعها بقطر تاريخ حافل بالحروب والمواجهات على أكثر من صعيد، بالإضافة إلى مصر التي تجد في إسقاط قطر هدفًا دائمًا يتصل بدعمها لحركة «الإخوان المسلمين»، وذلك بسبب تنامي نفوذ قطر كقوة إقليمية فاعلة على حساب كل هذه الدول.
إلا أن الغريب في الأمر والجدير بالملاحظة، هو أن المملكة العربية السعودية لم تكن في أي فترة سابقة أكثر غضبًا مما هي عليه اليوم، ولم يكن الخطاب السعودي تجاه الدول العربية وخاصة الشقيقة «الخليجية» أكثر حدة مما هو حاليًا، وكأنها أخرجت كل أحقاد الماضي وأفرغته دفعة واحدة، وفي فترة زمنية قياسية، على قطر.
لكن إذا كانت الدول المقاطعة لقطر تدعي دعمها للإرهاب؛ فهي أيضًا تدعم منظمات إرهابية كثيرة، وتشن حروبًا خارجية وتقتل أبرياء، وإذا كان ثمة اتهامات ضد قطر بأنها تدعم الإرهاب، فهناك اتهامات كثيرة تقول إن السعودية والإمارات العربية المتحدة تدعمان الإرهاب، وآخرها إتهام وزير الخارجية الألماني الرياض بدعم الإرهاب، فدول الخليج لم ولن تنجح في درء تهمة دعم الإرهاب عنها مهما حاولت، والتاريخ خير شاهد على عمليات القتل والإجرام والإرهاب التي كانت تمولّها أو تشارك في تنفيذها.
كما أن الحديث عن التصدي للإرهاب من هذه الدول هو بحد ذاته موضوع يثير السخرية والاشمئزاز، فماذا نقول عما يجري في اليمن من قتل وجوع وأمراض تفتك بالشعب اليمني صغيرهم قبل كبيرهم، وماذا نقول عن السوريين الذين يقتلون ويشردون في كل يوم منذ سنوات، إن مثل هذه الأقوال والسياسات لا تقنع مجنونًا فما بالك بعاقل، فالذي يطالب بالتصدي ومحاربة الإرهاب عليه محاربته من جذوره وفي كل الأماكن، لا أن يدعمه في مكان ويحاربه في مكان آخر.
أما الحصار أو المقاطعة التي فرضت على قطر، فقد فشلت في جوانبها الإعلامية والاقتصادية، وأظهرت أن هناك تعاطفًا عربيًا وإسلاميًا معها، نظرًا لحدة الهجمة السعودية الإماراتية البحرينية، والتي لم تلتفت للجانب الإنساني إلا متأخرًا، وذلك بعد أن أظهرت هذه الدول كمية حقد دفينة ضد قطر وشعبها «الشقيق»، وصلت حد تفريق رضيع عن أمه القطرية المغادرة إلى بلادها، وفَرض حالات طلاق على الأزواج في الأسر المشتركة، كما منعت السلطات عائلة مواطن سعودي التوجه للأراضي القطرية لتشييعه، هذا بالإضافة إلى قطع المواد الغذائية عن القطريين والمقيمين العرب فيها، وذلك في عز شهر رمضان، شهر الرحمة والغفران، وكل هذا أيها المسلمون عقاب على كل من هو موجود على الأرض القطرية، وليس له أي علاقة بالتأكيد بسياساتها.
القيادة
القطرية في المقابل كانت أكثر ذكاءً في التعامل مع الأزمة، مظهرة حكمة وتأنيًا
بالغًا في قراراتها، ومعتمدة على أسلوب الاحتواء التدريجي للضغوط السعودية، وذلك
بالرغم من محاولات استفزازها، وربطها بتمويل الإرهاب، والتطاول على رموزها بالسباب
والشتائم، والتي نالت من أميرها، كما أكدت على أنها لن تتخذ أي إجراءات طرد بحق
المقيمين العرب، ردًا على قرار مقاطعة بلدانهم لها، ولم تعامل مواطني الدول
المقاطعة بالمثل، بل ورحبت بهم وبإقامتهم على أراضيها وأكرمت وفادتهم دون أي
تغيير، وتركت لهم حرية البقاء أو المغادرة.
هكذا وبعد
مرور فترة على الأزمة، تقف قطر اليوم في موقف الصامد المنتصر أو على الأقل الذي لم
يخسر المعركة بعد، فعلى الرغم من بعض الأضرار الاقتصادية التي حصلت إلا أنها بدأت
باستجماع أوراق قوتها والعمل على إفشال مفاعيل الحصار الذي فرضته الدول الثلاث
عليها «السعودية والإمارات والبحرين»، حيث تمكنوا خلال أيام معدودة، وبمساعدة
الدول الإقليمية الحليفة والقريبة من الدوحة من استبدال السعودية كمصدر رئيسي
للمواد الأساسية الغذائية بمصادر أخرى هي كل من إيران وتركيا، فإيران بادرت مباشرة
لتأكيد جهوزيتها لتزويد قطر بالمواد الغذائية، وبالفعل بدأت بتصدير مئات الأطنان
يوميًا من المواد الغذائية والخضار والفاكهة عبر خطوط جوية وبحرية، كما وأعلنت
طهران أيضًا عن فتح الأجواء الإيرانية أمام الطيران القطري، أما تركيا فأعلنت وقوفها
إلى جانب قطر وعملت فعليًا على إرسال المنتجات المختلفة إلى قطر، كما سارعت أيضًا
للتصديق على قانون يسمح بنشر آلاف الجنود الأتراك في قواعد عسكرية قطرية، تأكيدًا
على الجهوزية للدفاع عن الأخيرة بوجه أي تدخل عسكري محتمل، وفي السياق نفسه أُعلن
فتح خطين بحريين جديدين مع سلطنة عمان انطلاقًا من ميناء حمد القطري باتجاه كل من
ميناء صحار وصلالة العمانيين، وهذا يؤكد على الرفض العماني الواضح لسياسات
السعودية وحلفائها تجاه قطر، وهكذا تم توفير الخيارات الكثيرة لتأمين مستلزمات
الداخل القطري دون صعوبات تذكر.
هذا ولم تقف قطر عند هذا الحد، فبالموازاة مع التفتيش عن سبل حل للأزمة، بدأت بمرحلة جديدة من الهجوم المعاكس على السعودية وحلفائها، هجوم يعتمد على قوة الأوراق التي تملكها قطر من خلال تحركاتها الدبلوماسية في دول العالم شرقًا وغربًا، بالإضافة إلى ذراعها الإعلامي القوي المتمثل بقناة الجزيرة، والتي هي أحد أهم أسباب هذه الأزمة، حيث تمكنت قطر وبجدارة من احتواء هذه الأزمة حتى الآن، والتي أرادت السعودية من خلالها إخضاع القطريين وإعادتهم إلى بيت الطاعة السعودي.
أخيرًا نقول
إن كل ما سبق لا ينفي أن تكون لدينا انتقادات كثيرة على قطر ودورها في المنطقة،
وذلك بسبب الكثير من سياساتها حمالة الأوجه المتناقضة، فنحن ضد كل سياساتها في
سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها، كما أنها تتحمل مسؤولية الكثير مما لحق بهذه
الدول من دمار، لهذا يجب الانتباه هنا إلى أن الكثيرين الذين يقفون في معسكرها الآن،
ليس حبًا فيها، وإنما نكاية بالسعودية وحلفائها واعتراضًا على سياساتها هي الأخرى،
حيث إن قطر من جهة والسعودية وحلفاءها من جهة أخرى كانوا شركاء وحلفاء في حروبهم
على هذه البلدان، إنما الاختلاف بينهم كان التنافس على المقعد القيادي الأول فيها،
ومن يكون رأس الحربة فقط، وهذا الخلاف المفتوح بين الدولتين سيخلق حالة من عدم
الاستقرار الكبيرة في المنطقة، حيث ستقترب الآن قطر من إيران وتركيا وتكون أحلافًا
مع لاعبين معادين للسعودية في العالم العربي والإسلامي.
رابط المقال
في ساسة بوست:
https://www.sasapost.com/opinion/qatar-and-the-struggle-of-the-interests-of-the-enemy-brothers/