أزمة قطر تكشف مستور دعم الإرهاب
التباينات داخل الإدارة الأميركية حيال موضوع قطر من شأنها تقويض المساعي الأميركية لتوحيد صفوف دول الخليج. فتغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب هي في الغالب مؤيّدة للسعودية وتعتبر أن الحملة على قطر هي نقطة أساسية في الحرب على الإرهاب، بينما يرى فريق الأمن القومي بإدارة ترامب أن الدوحة حليف مهم ومعاقبتها تُهدّد المصالح الأمنية الأميركية في الشرق الاوسط، إذ تعتمد واشنطن على بقاء القاعدة العسكرية الأميركية في قطر من أجل مواصلة العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن. ودليل ذلك هو توقيع الولايات المتحدة الأميركية على صفقة لشراء طائرات حربية من طراز إف 15 من واشنطن قيمتها 12 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى وصول بارجتين حربّيتين أميركيتين إلى ميناء حمد في قطر من أجل المشاركة بمناورات مشتركة مع البحرية القطرية. وكل ما سبق ذكره يُشير إلى أن واشنطن لا تزال تعتبر قطر حليفاً أساسياً في المنطقة رغم كلام ترامب وتغريداته عن رعاية قطر للجماعات الإرهابية، لذلك فهي تعمل على إعادة اللحمة إلى مجلس التعاون الخليجي بطريقة أو بأخرى.
لكن كل يوم يمضي في الخلاف القطري السعودي تتكشّف عنه مجموعة من الحقائق عن تورّط الدوحة والرياض وواشنطن في قضايا تتعلّق بدعم الجماعات الإرهابية في سوريا والمنطقة عموماً، وحتى اللحظة يكفي متابعة تصريحات وزارتي الخارجية القطرية والسعودية لإثبات رعاية هذه الدول للجماعات الإرهابية التي انتشرت في العديد من الدول العربية، حيث تتراشق السعودية وقطر مجموعة من الاتّهامات المُتبادلَة بدعم كل طرف للإرهاب.
فدول كالسعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة الأميركية كانت أبرز الداعمين للمجموعات الإرهابية المسلّحة عسكرياً ومالياً. وهذا الدعم تحدّث عنه العديد من المجموعات المسلّحة في سوريا، والعديد من المقالات الإعلامية في الصحافة العالمية. وما لم يُكشف عنه تم افتضاحه عن طريق الخلافات التي نشبت بين الفصائل المسلّحة، حيث تحوّل هذا الدعم في كثير من الأحوال ليكون سبباً للاشتباكات بين قادة المسلّحين لتقاسُم الأموال والمساومات السياسية في ما بينهم.
فقد كشفت تصريحات رئيس الوزراء القطري السابق، حمد بن جاسم حجم التورّط القطري والسعودي في الدعم المالي والعسكري للمجموعات المسلّحة والمتطرّفة أو لمجالس المعارضة في سوريا، حيث أن رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر السابق أقرّ بارتكاب أخطاء في سوريا، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة قدّمت دعماً خاطئاً لبعض الجماعات هناك، قائلاً: "في سوريا جميعنا ارتكبنا أخطاء نحن كدول خليج والولايات المتحدة، كلنا كنا نعمل عبر غرفتي عمليات، واحدة في الأردن، والأخرى في تركيا. وكلنا كنا ندعم ذات المجموعات، ومع الوقت اكتشفنا أن بعض الجماعات تحمل أجندات مختلفة، وكنا نعزلها، وكنا عندما نحصل على معلومات نتراجع"، وأضاف: "أنتم الولايات المتحدة كنتم تقدّمون الدعم لجماعات خاطئة ثم توقّفتم، لا يعني هذا إننا لم نخطئ، لأننا نعلم أنهم عندما ينتهون من سوريا سيأتون إلينا".
يرى مراقبون أن تصريحات بن جاسم هي أكبر اعتراف خليجي حتى الآن عن تورّط قطر والسعودية والولايات المتحدة الأميركية بالإضافة إلى تركيا في دعم الجماعات المسلّحة في سوريا منذ بداية الأزمة. وفي ذلك تأكيد على أن الجهات المانِحة بمنطقة الخليج طالما دعمت تنظيم القاعدة المركزي وكذلك أتباعها في العراق وسوريا، حيث أن لدى تنظيم القاعدة في سوريا شيء من الشرعية داخل قطر كجماعة تحارب كل من نظام الرئيس بشّار الأسد وكذلك داعش. لكن ترامب وفريقه للأمن القومي لم يتطرّقوا أبدا إلى تعاملات السعودية نفسها مع المُتطرّفين ولا إلى سياسات الرياض الطائفية المُتطرّفة.
وهكذا تحارب السعودية وحلفاؤها دولة قطر وتشدّد الحصار عليها، بهدف العودة للسرب الخليجي، والهدف فعلاً هو تغيير مواقف النظام في قطر وسياساته. فالرياض غاضبة لأن الحكومة القطرية رفضت الشروط العشرة التي طالبتها بتلبيتها فوراً من دون نقصان، والتي تتلخّص في قطْع علاقاتها بحركة "الإخوان المسلمين" وإبعاد قياداتها من قطر، وإغلاق محطة "الجزيرة" ومحاربة جدّية للإرهاب، والإنضمام للحلف السعودي العربي الإسلامي بفاعلية ضد إيران.
لكن قطر
أعلنت أنها لن تستسلم للوصاية وإجراءات الخنق والحصار، ولن تغيّر سياساتها الخارجية،
حيث أنها تحافظ على خطوط مفتوحة مع إيران، المُنافِس المرير للسعودية في ما يتعلّق
بالهيمنة الإقليمية. وقد جاء ذلك كله في الوقت المناسب لحرب ترامب تجاه إيران.
فالسعودية تريد تطويع قطر كما أنها هدّدت طهران قبل أشهر بأنها ستعمل حتى تكون
المعركة بالنسبة لهم داخل إيران. لهذا فإن الهجمات الإرهابية الأخيرة في طهران
والتي تبنّاها تنظيم داعش تراها إيران على أنها ضمن حملة سعودية تستهدفها، وذلك
لأنها جاءت في وقت تزداد فيه حدّة التوتّر "الجيوطائفي" في المنطقة.
بالإضافة إلى وصول حدّة التوتّر بين السعودية وإيران إلى أعلى مستوياته، حيث أن
قمم الرياض التي شارك فيها الرئيس الأميركي صنّفت إيران كدولة راعية للإرهاب في
الشرق الأوسط وتبنّت سياسة عزل إيران. وعلى ضوء ما سبق كله فإن هناك مجالاً واسعاً
للحوادث التي قد تؤدّي إلى التصعيد سواء عبر الإلتحام بين إيران والسعودية مباشرة أو حتى نتيجة للتصادم مع تركيا حليفة الناتو
التي تدعم جماعة الإخوان المسلمين والتي أرسلت قواتها لتعزيز حليفتها قطر. إن استمرار الخصومة بين السعودية وإيران وكذلك
استمرار الأزمة مع قطر سيُبطل مفعول التقدّم الذي أحرز ضد داعش، وبالتالي سوف يسمح
للجماعات الإرهابية وعلى رأسها داعش بإعادة النهوض والتموقع، لأن الجهود المُنسّقة
مسألة أساسية في هذه المرحلة من أجل الانتقال إلى المستوى التالي في الحرب على
الإرهاب واستهداف أتباع هذه التنظيمات في أفغانستان وباكستان وجنوب شرق آسيا
وصولاً إلى أوروبا وأميركا.
رابط المقال
في موقع الميادين: