قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

العرب بين العداء لإسرائيل وإيران

العرب بين العداء لإسرائيل وإيران
قد تعتبر إيران أن العرب أعداء لها سياسيا في العراق والشام والخليج، ومذهبيا في طول العالم العربي وعرضه، وذلك انطلاقا من أن العرب بأغلبيتهم الساحقة من السنة، ويتضح هذا من أنها أول دولة إسلامية في التاريخ تحدد هويتها المذهبية (الشيعية الإثنا عشرية) بنصوص دستورية مكتوبة وملزمة، وهي أول دولة إسلامية تمأسس الطائفية دستوريا، وتجعل منها إطارا ملزما للعملية السياسية في الداخل الإيراني وعلى مستوى الإقليم، ففي الداخل تخضع العملية التشريعية لمادتين حاكمتين في الدستور: المادة (12) تقول بالنص: (إن الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الإثنا عشري... وإن هذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد...)، ويتكامل مع مفاعيل هذه المادة سياسيا وقانونيا نص المادة (72) الذي: (يمنع مجلس الشورى من أن يسن القوانين المغايرة لقواعد وأحكام المذهب الرسمي للدولة أو الدستور...)، ثم تكتمل الأطر والمحددات المذهبية للعملية السياسية بنص المادة (115) التي تضع من بين شروط من يحق لهم الترشح لرئاسة الجمهورية أن يكون (مؤمنا ومعتقدا بمبادئ الجمهورية الإسلامية، والمذهب الرسمي للدولة)، وبعبارة أخرى لا يحق بحسب هذه المادة لأي إيراني لا ينتمي للمذهب الإثني عشري ولا يؤمن بولاية الفقيه أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

إيران في هذا تلتقي مع إسرائيل، والتي تعتبر البعد الديني عنصرا مركزيا في تحديد هويتها، فمثلما أن إيران تعتبر أن المذهب الشيعي ركيزة أساسية لهويتها الأيديولوجية، تعتبر إسرائيل نفسها دولة يهودية، وتضع الإعتراف بهذه الهوية الطائفية شرطا لأي حل سلمي مع الفلسطينيين والعرب.

طبعا من حق إيران تحديد هويتها، ورسم معالم عمليتها السياسية على هذا النحو، لكن هذا الحق محصور ضمن حدودها الجغرافية والدستورية، ولكن إيران لا تلتزم بذلك، فهي تعمل على تصدير معادلتها الطائفية إلى جوارها العربي، وذلك من خلال إدخال الميليشيات (الطائفية) كآلية سياسية خارج حدودها، وكرافعة لدورها الإقليمي، تتبناها بشكل رسمي مباشر ومعلن، تدريبا وتمويلا وتسليحا، حتى إن أغلب حلفاء إيران في العالم العربي والإسلامي ينتمون إلى المذهب الذي تشير إليه المادة (12) المذكورة.

وقد يقول قائل أن سياسة إيران في المنطقة لا تختلف عن سياسة إسرائيل التوسعية كما هو ظاهر، لكن خلافنا إن وجد سيبقى مع
 نظام طهران، وليس مع الشعب الإيراني، فضلا عن أننا نتطلع دائما إلى علاقات مختلفة مع إيران، وهذه النقطة جديرة بالإهتمام لأنها تضيف فرقا جوهريا بين إيران وإسرائيل، وهو أن تفريقنا بين الشعب الإيراني ونظامه لا يمكن أن يطبق على إسرائيل، فالإيرانيون شركاء لنا في الدين والتاريخ والثقافة شئنا أم أبينا.

إيران العدو لأنها كما يتهمها خصومها تتبنى إستراتيجية معادية لدول المنطقة، خاصة في الخليج، فهي تتواصل مع جماعات متمردة، وأنشأت معسكرات تدريبية عسكرية لهم في إيران، وقدمت التمويل والدعم بكافة السبل، كما أنها أسست حزب الله في لبنان ولعبت دورا بارزا في تأسيس مليشيا الحشد الشعبي في العراق، هذا وتمددت الذراع الإيرانية لتثير القلاقل في البحرين، ولتساهم في دعم مليشيا الحوثي في اليمن، وذلك كله من خلال فيلق القدس الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني، ليدشن به مرحلة التدخل العسكري غير المباشر في دول المنطقة، وباختصار فإن طهران متهمة بأنها تؤسس وتدعم المليشيات من جنسيات متعددة وتدربها وترسلها إلى دول أخرى، كما ترسل خبراءها العسكريين ليعملوا بصورة مباشرة، وتقدم المال والسلاح لجهات متعددة في عدد كبير من الدول العربية.

وهكذا فإن إيران جاءت بما لديها إلى العالم العربي، وذلك من خلال التدخل السافر في بعض الدول العربية كما تتهم دائما، مستخدمة مبدأ تحالف الأقليات لإثارة النعرات الطائفية، وتشجيع العنف والصدام في هذه الدول، حيث تدخلت في العراق مع الأغلبية ضد الأقلية (على افتراض صحة هذا التوصيف)، وفي سورية مع الأقلية ضد الأغلبية (على افتراض صحة هذا التوصيف)، وفي كليهما تسبب التدخل الإيراني وغيره طبعا (المضاد) بتفجير أبشع أنواع العنف الطائفي والقتل على الهوية، وإعادة تأسيس هذه الدول وغيرها على أسس طائفية لم تكن معروفة بهذا الشكل من قبل.

لكن كيف يمكن، وبأي معيار، اعتبار دولة إسلامية عدوا للعرب وهم مادة الإسلام، ولأن الموضوع يتعلق بدول وقيم ومصالح إسلامية ووفقا لواقع ما يحدث في المنطقة، فيقول الكاتب أبي بكر العربي إن إيران هي عدو للعرب ليس بذاتها، وإنما بأفعالها وممارساتها التي هي أفعال وممارسات عدو، أما إسرائيل فهي عدو للعرب لذاتها وبذاتها وبأفعالها، ما شكل سياجا نفسيا وسياسيا صلبا أمام إمكان تغلغلها في النسيج الثقافي والإجتماعي العربي، وبهذا لا تزال إسرائيل وستبقى مرفوضة في الوجدان الشعبي العربي.

وهكذا فإن إيران ومن خلال استنزافها لشيء من قوة العرب قد قدمت لإسرائيل خدمة الصديق الوفي الحريص على مصالحها أكثر
 حتى من الدول التي تعلن عن ارتباطها الإستراتيجي بها، فما لم تكن إسرائيل قادرة على فعله بالعرب فعلته إيران، كما نجحت إيران والعرب في تحطيم المعادلة الإقليمية التقليدية، وذلك بدلا من أن يتعاوانا في صراعهم مع العدو الصهيوني، ولا أحد يفهم أسرار المسافة التي تفصل ما بين عداء إيران والعرب النظري لإسرائيل وبين عدائها العملي لبعضهما البعض، فإيران التي تحتفل سنويا بيوم القدس ترى كما يبدو أن العرب يقفون حاجزا بينها وبين وإسرائيل، وهي نظرية وضعها النظام في إيران موضع التنفيذ تعبيرا عن كراهيتهم للعرب، في حين كانت تلك النظرية محل تردد قبل الثورة الخمينية على الشاه، فيومها كانت إيران ترتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل غير أن علاقتها بالعرب لم تكن سيئة، وهو ما حفظ للشرق الأوسط الكثير من التوازنات المقبولة، بالرغم من أن العرب كانوا ينظرون بغيظ إلى ما كانوا يعتبرونه نوعا من الإزدواجية في النظر إلى قضيتهم العادلة، ولكن ما لم يتوقعه العرب هو أن تسوء علاقتهم بإيران التي انتقلت إلى مرحلة نصرة الفلسطينيين وإنهاء العلاقة بإسرائيل، بل والدعوة إلى تحرير القدس وباقي الأراضي العربية المحتلة.

هذا وتثبت إيران في السنوات الأخيرة مكانتها كعدو متوحش أكثر بأضعاف من الدول العربية المحيطة بإسرائيل، وذلك بعد أن أعلنت عن نيتها تدمير الدولة الصهيونية، فايران الحالية تحاسب دولة إسرائيل التي ساعدت في حينه الحكم الرهيب للشاه الفارسي، ومنحته يدا من حديد لأفعاله الوحشية، والإيرانيين لا ينسون هذا حتى اليوم، فقد تربوا في الشارع الإيراني على مدى السنين التي تلت الثورة على كراهية إسرائيل وهم مستعدون لأن يروها خربة.

فمنذ انتصار ثورة 1979 م تستخدم إيران الدعاية العدائية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل كغطاء للجزء الأعظم من سياستها الخارجية، وسبق أن أعلن القيادي في فيلق (سيد الشهداء) التابع للحرس الثوري، محمد علي فلكي، أنه تم إنشاء (جيش التحرير الشيعي) بقيادة قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، للقضاء على إسرائيل، وأن هذا الجيش يحارب حاليا في العراق وسوريا واليمن، وأنه ليس من الضروري أن تشارك القوات الإيرانية مباشرة في الحروب، وأنه من الأفضل أن يتم حشد وتدريب الناس من مناطق المعارك نفسها لتشكيل فيالق هذا الجيش، مؤكدا أن هذا الأمر هو ضرورة ملحة لأن الاستكبار العالمي لن يكف شره عن الجمهورية الإسلامية، وشدد على أن سياسات إيران الإقليمية هي امتداد للسياسة الداخلية والمبنية على تعزيز هامش الأمن القومي وضمان المصالح والقيم الأساسية للنظام، وأن محور سياسات بلاده الإقليمية يقوم على أساس معارضة تواجد الدول الأجنبية المزعزع للإستقرار في المنطقة والدفاع عن الشعوب المظلومة ومكافحة الإرهاب، كما أكد أن القدرات الصاروخية الإيرانية تم تصميمها وفقا لتجربة الدفاع المقدس ومدى التهديدات التي تحدق بالبلاد، وأنها قدرات رادعة ودفاعية تماما في إطار العقيدة الدفاعية الإيرانية.

خلاصة القول إن الوضع في المنطقة حاليا يبدو معقدا ومتداخلا إلى درجة كبيرة، والتعامل مع الصراعات بمنطق أحادي لا يصلح، فإيران حتى وإن كانت قد اتخذت من مذهبها الشيعي حصان طروادة لمحاربة خصومها وتصدير ثورتها في بداياتها، لم تعد دعايتها الآن تلجأ إلى مذهبها الشيعي للترويج لسياستها في المنطقة، وقد أبانت عن براغماتية كبيرة في تجاوز عقيدتها الشيعية لخدمة مصالحها الإستراتيجية، وإيران دولة كأية دولة قوية تبحث عن مناطق نفوذ، وهي توسع نفوذها بما يزعج جيرانها بشكل كبير، ولكن جيرانها ليس عندهم دولة مركزية برؤية استراتيجة، بل يتصرفون مشرذمين كرد فعل لا كفعل، أما الفعل فإن الخليجيين يرغبون في تمويل فعل أميركي إسرائيلي ومساندته ضد إيران، فالدول العربية لا تملك مشروعا ضد المشروع الإيراني حتى ينافسه، وعدوانية إيران لا تعفي الدول العربية من مسؤوليتها التي سمحت لمثل تلك السياسات بالتسرب إلى مجتمعاتها، والتخاذل العربي لا يقل وضوحا، ولكن أول وأوجب ما ينبغي أن تفعله هذه الدول هو الإبتعاد عن لعب الورقة الطائفية لأن فيها دمار المنطقة على الجميع.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart