قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

الأحواز دولة عربية محتلة

الأحواز دولة عربية محتلة
الأحواز (الأهواز) هو الإقليم السهلي الخصب الأكبر مساحة من أي محافظة إيرانية أخرى، والذي تبلغ مساحته قرابة خمسمائة ألف كيلو متر مربع، تضم 28 مدينة منفصلة، ويقطنه حوالي أربعة ملايين نسمة أغلبهم من العرب، كما يعتبر هذا الإقليم الأغنى بالنفط بالنسبة لإيران والذي يمثل ما يزيد عن 80% منه، ناهيك عن الأنهار التي تتخلل الإقليم والموانئ البحرية الحيوية المطلة على شواطئه والموارد الزراعية المتنوعة.

هذا وتعد الأحواز وهي المساحة الفاصلة بين العرب وإيران جغرافيا، خلافا للفواصل البحرية والحدود العراقية، إمتدادا للجغرافيا العربية، فهي تتصل غربا بالأراضي العراقية وجنوبا تطل على الخليج العربي، كما أن أراضيها تتشابه مع أراضي العراق في التضاريس الطبيعية والخصائص الطبوغرافية والمناخ والمحاصيل الزراعية والثروات المعدنية وفي مقدمتها النفط، وحتى مناخ الإقليم فهو أقرب كثيرا لجارتيه، محافظتي البصرة والعمارة العراقيتين منه بالمحافظات الإيرانية، ولذلك فإن إختيار الأحواز كبوابة للخليج العربي لم يكن بشريا بحال من الأحوال، فالحدود بين هذه المنطقة وبين بلاد فارس هي حدود طبيعية لا بشرية.

ظلت الأحواز دولة عربية موحدة في الفترة ما بين (637 م - 1925م)، إلا في لحظات ضعف عابرة كتلك التي تمثلت بإحتلال المغول للإقليم والقضاء على الدولة العباسية هناك، وإنتهت هذه الكبوة بقيام الدولة المشعشعية العربية بزعامة محمد بن فلاح عام 1436م، والتي إتخذت من مدينة (المحمرة) مركزا لها، كما وحافظت على بقائها دولةً عربيةً مستقلة لنحو ثلاثة قرون بين دولتين عظيمتين هما (الفارسية والعثمانية).

والجدير بالذكر أن (إمارة المحمرة) بلغت من القوة في بعض الأحيان ما مكنها من إنتزاع أراضي من كلا الجارين القويين، إذ إمتدت بنفوذها شرقا إلى بندر عباس وكرمنشاه وهي مدن إيرانية كبيرة، وغربا إلى البصرة في الداخل العراقي، كما أن المملكة البريطانية وروسيا القيصرية كانتا قد وقعتا معاهدة لتقاسم النفوذ على إيران عام 1907م، ولم تشمل المعاهدة منطقة الأحواز (عربستان) بإعتبارها إمارة عربية مستقلة، وليست بحال من الأحوال جزءا من الدولة الإيرانية (الفارسية).

هذا ويعتبر الشيخ خزعل الكعبي آخر حكام الأحواز العرب، وهو رمز إستقلالية الإقليم عن التبعية الإيرانية، حيث وصل إلى عرش (المحمرة) بعد مقتل أخيه، وقد كان حكمه ذروة عهد الإمارة ونهايتها، ففي عهده  أكتشف أول بئر نفط في الأحواز عام 1908م وتحديدا في مدينة مسجد سليمان شرقي الإقليم، الأمر الذي سبق أي إكتشافات أخرى في الخليج العربي والذي يؤرخ لها من بعد عام 1925م، كما كان شاهدا على إنهيار جاريه الكبيرين إبان الحرب العالمية الأولى، إذ تحولت الإمبراطورية العثمانية الضخمة إلى الجمهورية التركية الصغيرة، وإنهار حكم القاجاريين في إيران وحلت محلهم الأسرة البهلوية.

إكتشاف النفط في أراضي الأحواز وطد علاقات الشيخ الكعبي الدولية وجعل منه مركز قوة في مواجهة الجيران، حيث كان حليفه الأبرز بريطانيا التي منحته في 1910م لقب (سير) وعدة أوسمة أخرى، ومع إندلاع الحرب العالمية الأولى توطدت مكانة الشيخ خزعل نظرا  للموقع الإستراتيجي لإمارة (المحمرة) على الخليج العربي، بالإضافة إلى قتاله بجانب جيرانه وحلفاء بريطانيا (آل الصباح وآل سعود) ضد أمراء حائل من (آل رشيد) الذين كانوا حلفاء الدولة العثمانية، وهو تحالف توجته بريطانيا بأن أرسلت قواتها لحماية المنشآت النفطية في الإقليم وتدعيم حكم أميره، إلا أن وتيرة الأحداث كانت أسرع من أن يدركها الرجل أو يستفيد من تقلباتها، كما فعل حليفاه في الكويت والرياض، فمع نجاح الثورة البلشفية في روسيا قلبت بريطانيا الطاولة على رجلها الشيخ الكعبي، وبدأت في التخلي عنه شيئا فشيئا حتى سقط الإقليم في 1925م في قبضة الدولة البهلوية الإيرانية، وقد كان لهذا التخلي عن حليف قديم لبريطانيا وجاهته الإستراتيجية في ذلك الوقت، إذ رأت بريطانيا أن أولويتها قد تحولت من دعم إستقلال الإمارة الصغيرة إلى دعم قوة وتماسك الدولة الإيرانية الكبيرة لتشكل حاجزا أمام الزحف الروسي غربا.

وقد إندلعت موجات من الثورات في أعقاب الإحتلال الإيراني للأحواز، بحيث كان أولها (ثورة الغلمان) والتي وقعت أحداثها بعد أقل من ستة أشهر من سيطرة الجنود الإيرانيين على الإقليم والتي كانت في عام 1925م، إذ إنتفض الجنود والعساكر التابعون لحرس الشيخ خزعل بعد إعتقاله وإقتياده إلى سجن طهران، وإستولوا على مدينة (المحمرة) لفترة وجيزة هربت فيها وحدات الجيش الإيراني، ما أثار الحكومة الإيرانية المركزية فقصفت المدينة بالمدفعية وقضت على المقاومة بداخلها، ومن المفارقة أن القوات البريطانية شاركت في قصف وإخماد ثورة الإمارة التي كانت فيما مضى حليفتها وحاميتها، وقد كانت هذه أولى الثورات العربية الأحوازية وكان القضاء عليها إيذانا بفرض حالة من العسكرة على أرض الإقليم لتدعيم وجود الدولة الإيرانية والحيلولة دون إشتعال ثورات أخرى.

كما توالت بعد ذلك الإنتفاضات والإحتجاجات ضد حكم آل بهلوي المستبد، وذلك بداية من الحركة التي قادها الشيخ عبدالمحسن الخاقاني مع نفر من رجاله بعدما فشلت (ثورة الغلمان) مرورا بـ (ثورة الحويزة) والتي قضى عليها الجيش الإيراني بمحاصرة مدينة (الحويزة) ومنع وصول المؤن إليها حتى موعد إقتحامها في عام 1928م، كما ويذكر بعد ذلك أن الشيخ عبدالله الكعبي نجل الشيخ خزعل الكعبي كان قد إتفق مع العشائر العربية في عام 1944م على القيام بثورة على التواجد الإيراني لكن لم يكتب لها النجاح.

أما من أبرز ما شهدته الأحواز هو مشاركة أبنائها في الثورة على نظام الشاه عام 1979م وتعطيلهم كامل الإنتاج النفطي وإرباك الإقتصاد وشل حركة البلاد، بحيث كان الشيخ الخاقاني - القائد الروحي للأحواز في هذه الفترة - على إتصال بالخميني قبل مجيئه إلى إيران، حيث إستبشر الأحوازيون خيرا بالثورة وأرسلوا وفدا من ثلاثين رجل على رأسهم آية الله الخاقاني لمقابلة الخميني وتهنئته بالثورة وعرض مطالب الأحوازيين عليه، والتي تضمنت إثني عشر مطلبا أبرزها أحقيتهم في الحصول على الحكم الذاتي، كما إستقبلهم أيضا آية الله طالقاني ورئيس الحكومة المركزية مهدي بازركان، إلا أن تغيرا لم يحدث على حياة الأحوازيين، بل إزدادت قبضة الحكومة المركزية في طهران وطأتا على هذا الإقليم الصغير.

وقد كان آخر الإضطرابات الأحوازية الكبرى في عام 2005م، وذلك على إثر ظهور وثيقة منسوبة لمكتب رئيس الجمهورية الإسلامية في حينها السيد محمد خاتمي، تفيد بإعتزام الحكومة المركزية في طهران تهجير ثلثي العرب الأحواز من الإقليم وإستبدالهم بآخرين من الفرس والأتراك في خلال عشر سنوات، وكذلك تغيير ما تبقى من أسماء المدن والقرى العربية للفارسية.
ورغم نفي الحكومة الإيرانية أية صلة لها بهذه الوثيقة المزعومة، إلا أن ذلك لم يمنع قيام إنتفاضة أحوازية واجهتها وقضت عليها الحكومة الإيرانية بالقوة، مدعية تأليب القوات البريطانية والأمريكية المرابطة في البصرة العراقية لعرب الأحواز، لزعزعة إستقرارها وإيجاد مبرر للتدخل في الشؤون الإيرانية على غرار إحتلالهم للعراق عام 2003م.

الأحواز سميت في عهد رضا بهلوي (عربستان) والذي يشير لأصول سكانه العربية، وذلك على ذات نسق المسميات المناطقية الأخرى مثل (كردستان) و(بلوشستان)، حيث تعني كلمة (استان) بالفارسية القطر أو الإقليم، إلا أنها تحديدا وخاصة دون بقية الأقاليم تم تغير إسمها الدال على القومية التي تسكنها إلى (خوزستان)، وقد أعتمدت هذه التسمية منذ عام 1936م إلى يومنا هذا، وذلك بعد أن ضمت الجمهورية الإيرانية إقليم (عربستان) لإدارتها العسكرية المباشرة وإعتبرته الإقليم العاشر ضمن دولتها في عام 1925م، وقضت على كافة المطالبات الأحوازية بحق تقرير المصير، وقد تبع هذا التحول تغيير أسماء أغلب مدن الإقليم إلى مسميات ذات أصل فارسي بعد قيام الجمهورية الإسلامية في إيران.

وهكذا شهد إقليم الأحواز فترات من التجريف المتعمد من قبل السلطات الإيرانية المتعاقبة بداية من الدولة البهلوية إنتهاءا بالجمهورية الإسلامية الحالية، حيث كان الهدف من ورائها محو كل ما هو عربي على أرض الإقليم ومسخ الهوية العربية وطمسها وإحلال الروح الفارسية بدلا عنها.

كما أن الحكومة الإدارية المركزية في طهران إقتطعت من مساحة الإقليم لصالح محافظات إيرانية مجاورة، لذلك دائما ما تجد إختلافات في المعلومة الواردة بشأن مساحة الإقليم، ناهيك عن عمليات التهجير المتعمدة لأبناء الإقليم بغرض إعادة رسم الخريطة الديموغرافية للإقليم وتفكيك الكتلة العربية هناك وإذابتها داخل المجتمعات الإيرانية المتعددة الأعراق، وهو ما إستدعى تشكل جبهات نضال عربي أحوازي عديدة، مما جعل القبضة العسكرية الإيرانية على الإقليم هي الأبرز من بين التوجهات المركزية الإيرانية إزاء أبناء الإقليم، إذ أقيمت الثكنات والحاميات العسكرية على مختلف مساحات الإقليم، لمراقبة أبناء الإقليم والسيطرة على أعمال العنف التي يثيرونها من حين لآخر.

ثورة تلو ثورة وإنتفاضة في أعقاب إنتفاضة وقتلى بالمئات دون جدوى، هذا ما دفع بظهور أول حزب سياسي أحوازي يتبنى قضايا عرب الأحواز مستندا في خطابه التأسيسي إلى السلمية كخيار إستراتيجي، ويلائم الوضع الإيراني الحالي والأحوازي بشكل خاص، هذا الحزب هو (حزب التضامن الديموقراطي الأحوازي) والذي أعتبر منذ تأسيسه نضال الشعب الأحوازي جزءا لا يتجزأ من نضال الأعراق والأقليات الإيرانية الأخرى، حيث تحالف مع تنظيمات سياسية تمثل هذه القوميات أمثال (الحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني) و(حزب كادحي كردستان إيران) و(حزب الشعب البلوشي) و(الحركة الوطني لبلوشستان) و(المركز الثقافي الأذربيجاني) و(منظمة الدفاع عن حقوق الشعب التركماني).

هذا بالطبع لا ينفي بقاء الأحزاب والتنظيمات الأحوازية الداعية للإنفصال التام عن حكومة إيران المركزية، أمثال (الجبهة العربية لتحرير الأحواز) و(المنظمة العربية لتحرير الأحواز- ميعاد) و(حزب النهضة العربي الأحوازي)، كما نشأت بجانب هذه التنظيمات أحزاب ترفض العنف (الحزب الوطني العربستاني) و(التجمع الوطني للأحواز) وكلاهما قريب من (حزب التضامن الديموقراطي الأحوازي).

إجمالا يمكننا اليوم تقسيم الأحزاب والحركات الأحوازية إلى ثلاثة إتجاهات رئيسية، حيث يتبنى الإتجاه الأول: أساليب المقاومة العسكرية في مقاومة الدولة الإيرانية بوصفها دولة محتلة للوصول إلى الإستقلال التام، بينما يتبنى الثاني: الإعتدال في مطالبه المتجسدة في حق عرب الأحواز في تقرير مصيرهم والحصول على الحكم الذاتي، والثالث: يتعامل مع الدولة الإيرانية كواقع مفروض عليه ويسعى فقط للحفاظ على القومية العربية بين أبناء شعبه العربي دون المطالبة بالإستقلال أو الحكم الذاتي.

أما أخيرا فإن الأسباب الحقيقية وراء اللا مبالاة العربية تجاه شعب الأحواز وتناسيهم، هو كون أهلها مسلمين على المذهب الشيعي الإثنى عشري (مع إحتفاظ أقلية صغيرة من عرب الجنوب بالمذهب السني لصلاتهم بالإمارات وعرب الخليج)، بالإضافة إلى كونهم لم يكونوا يوما جزءا من أي من الدول العربية الحالية، والدليل على ذلك هو ما نراه من حالة التشظي العربي والإنقسام الطائفي بين أبناء الأرض الواحدة والبلد الواحد مثل ما هو حاصل في العراق والبحرين ولبنان وسوريا وغيرها، بحيث تم تغليب النبرة الطائفية المذهبية على القومية العربية الإسلامية الجامعة، وهذا هو السبب الذي يمنع الزعماء العرب من الدفاع عن قضية الأحواز العرب الشيعة، وطبعا لا يمكن إغفال مدى تمسك إيران بسيطرتها على الإقليم، وهو ما يبدو منطقيا في إطار الأهمية الإقتصادية والجيوسياسية، علاوة على أهمية النفط والغاز الطبيعي الأحوازي بالنسبة للإقتصاد الإيراني، وهكذا تعد وتبقى مظلومية العرب الأحوازيين أحد أهم المظلوميات المغفول عنها في واقعنا العربي المعاصر.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart