التطبيع العربي المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية
تهويد فلسطين كان المشروع التاريخي للاستعمار الغربي لخلق حاجز جغرافي/سياسي يفصل الجناح الآسيوي عن الجناح الإفريقي للأمة العربية، كما أن تهويد فلسطين كان ولا يزال المشروع التاريخي للحركة الصهيونية، فالمعركة منذ البداية كانت على هوية الأرض، وهل هي عربية أم يهودية؟ أما العلاقات الدولية والهجرة والسيطرة على الأراضي ومن ثم احتلالها بالقوة، فلم تكن جميعها إلا أدوات الحركة الصهيونية لتحقيق مثل هذا التهويد.
أما النقيض التاريخي لمشروع تهويد فلسطين فهو مشروع التحرر والتحرير والذي يقوم على مقاومة أدوات التهويد، وعلى رأسها الهجرة والتهجير والاستيلاء على الأراضي وصولا إلى التنسيق الأمني بين أجهزة السلطه الفلسطينية واسرائيل، والسباق التطبيعي من بعض دول الخليج والعرب عموما، في حين أن مشاريع التعايش والتي تحاول الانسجام مع المشروع الصهيوني بتبني حل الدولتين أو باتباع دبلوماسية (البينج بونج) في التطبيع، فليست سوى محاولات من قبل أصحابها لأن تجد موطئ قدم لها في المنظومة الإقليمية الشرق أوسطية الجديدة، وعلى أساس صيغة لا تمس جوهر مشروع تهويد فلسطين (يهودية إسرائيل).
حاليا طبعا نقف أمام خطورة الهجمة التطبيعية المنسقة بين إسرائيل وأغلب الحكومات العربية، وذلك لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، والاعتراف بإسرائيل كدولة جارة وصديقة، دون ربط ذلك مطلقا بالسلام الفلسطيني الإسرائيلي، وكل ذلك بضغوط أمريكية واستغلال لحالة الانهيار الرسمي العربي والخوف من إيران، وذلك تمهيدا لفرض ما تبقى من بنود صفقة القرن، والتي تعني حرفيا السلام المجاني العربي مع إسرائيل وتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.
الهجمة التطبيعية بين إسرائيل ودول الخليج خصوصا، جاءت في ظل حالة من الضعف والتشرذم العربي غير المسبوقة، فالإسرائليون (اليهود) باتوا يجدون الآن الفرصة مواتية للسيطرة على دول منابع النفط العربية في الخليج، وذلك بحجة دعم اقتصادياتها وحاجة هذه الدول للوصول إلى البحر المتوسط عبر ميناء حيفا، وهم في الواقع يريدون التمهيد لزعامتهم للمنطقة وقيادة حلف الناتو العربي السني الجديد، والقول بأنهم أعادوا عرب الخليج إلى إسرائيل دون تقديم أي تنازلات للفلسطينيين، وذلك لتحقيق ما يسمى بالسلام الاقتصادي والإنساني بعد فشلهم العسكري والاستخباري في فلسطين المحتلة على أيدي رجال المقاومة الأشاوس.
هذا التطبيع يأتي ضمن مخطط مدروس يفسر الأسباب التي أدت إلى تدمير العراق وليبيا وسوريا واليمن تحت ذرائع متعددة وكاذبة، وإضعاف مصر وتحييد دول الخليج، والهدف هو بلورة الأرضية السياسية والفكرية لما يسمى بـ (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي) برعاية أمريكية ومشاركة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن وإسرائيل، والذي سيكون هدفه المعلن تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ومساعدة دوله في مواجهة التحديات، أما هدفه الحقيقي هو توفير الغطاء العربي الإسلامي للحرب الأمريكية الإسرائيلية القادمة ضد إيران في المنطقة، ومن ثم استخدامه ضد دول عربية واسلامية أخرى، وذلك حسب أوامر أمريكا وحاجة إسرائيل.
وبسبب هرولة بعض الدول للتطبيع مع إسرائيل، سيؤدي ذلك إلى سلخ القضيه الفلسطينية عن بعدها العربي والإسلامي تمهيدا لتفكيكها وتصفيتها، كما أن المنطقة ستكون مقبلة على كارثة بعد إخضاعها للسيطرة العسكرية والأمنية والهيمنة الاقتصادية، أضف إلى ذلك التطبيع الثقافي والذي يتمثل في تدمير مقومات هذه الأمة (العربية الإسلامية)، باعتبار أن الهيمنة على روح الأمة وفكرها ووجدانها يشكل بالنسبة للعدو هدفا رئيسيا وسياسة ثابتة.
لكن أمام خطورة هذه المرحلة فإننا ما زلنا نرى أن انتفاضة الشعب الفلسطيني المستمرة، والتي يكتبها الشباب والشابات يوميا بدمائهم الزكية، تمثل رسالة واضحة منهم للتصدي للعدوان الصهيوني والتمسك بخيار المقاومة دفاعا عن الحقوق الوطنية المشروعة والعمل على إفشال مخططات إخضاع الشعب الفلسطيني سياسيا وأمنيا تحت عباءة العملية السلمية أو الجدار العازل أو غيره، فدماء الشهداء أكدت للعالم من جديد على وحدة الأرض والشعب والقضية، كما أن سلاح المقاطعة يعد من الأسلحة ذات التأثير الكبير والفعال على الكيان في الخارج، وهو ما يشكل مصدر إزعاج دائم للكيان ويفضح سياسات الإجرام والقتل والتنكيل الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، وهذا السلاح جزء هام من معركة تحرير الأرض وكنس هذا الكيان الصهيوني عن الوجود، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الفلسطيني الكامل من البحر إلى النهر وعاصمتها القدس الشريف.
هذا ولا ننسى أن الشارع
العربي رافض للتطبيع بقوة ويتحرك في مواجهته، كما أن وسائط التواصل الاجتماعي باتت
تمسك بزمام المبادرة، وتتصدى للحكومات المطبعة، وتواجه حتى الامبراطوريات
الإعلامية، والتي جرى رصد المليارات لها لبث سمومها وتضليل الرأي العام العربي،
وذلك لتبرير خطايا الحكام في هذا المضمار، وزبدة الكلام شكرا لكل من قال لا
للتطبيع، أما المتخاذلين اللاهثين وراء المكاسب الوهمية فسيعلمون أي منقلب
سينقلبون والآيام بيننا.
رابط المقال في مجلة تحت المجهر: