تطبيق الحدود في السعودية قديما
نورد هنا طبيعة الحياة التي كان يحياها
السعوديون، وذلك من خلال مذكرات الدكتور بيرجرونفيل، وهو أحد الأطباء
الأمريكان الذين عملوا في السعودية منذ بداية الخمسينات، حيث منح الدكتور بيرجرونفيل عام 1952 م عقدا بسنتين ليعمل في مستشفى الملك
سعود في السعودية، وفي خلال هذه المدة تجول في داخل البلاد، وهو هنا يتكلم عما
أبصره بعينه وسمعه بأذنيه في السعودية قائلا: (عدت من المملكة السعودية قريبا بعد
أن كنت أزاول مهنة الطب في عدة بلدان مختلفة، وصرح لي بالعمل حتى في البقاع
البعيدة التي لا يصرح بدخولها إلا لعدد قليل جدا من غير العرب، ولن تجد في أية
بقعة من بقاع العالم من الوحشية والمذابح والجوع مثل ما تجده اليوم في السعودية،
حيث أصبحت تفوق قصص ألف ليلة وليلة الخرافية).
الزيت (النفط) الموجود
في باطن الأرض قد جذب الشركات الأمريكية، كما أن موضع السعودية الجغرافي جعلها
حليفة مرتبطة أشد الإرتباط بالولايات المتحدة الأمريكية التي أنشأت المطارات
العسكرية، وتكلفت الكثير في بناء القواعد والمؤسسات الحربية، والثروة التي تنفق في
سبيل الفساد والإفساد والترف وبناء القصور المجهزة بتكييف الهواء ووسائل اللهو
والعبث والمليئة بالرقيق والحريم التابع للملك سعود وعائلته، لم يكن لها ولو تأثير
بسيط على مستوى الحياة العامة للشعب التي تشبه حياة الحيوان، والتي لا يمكن للمرء
أن يصدقها أبدا، والتي لم تتحسن (هذه الحياة) منذ عدة قرون.
وإذا خطرت ببالنا
مسألة الجريمة وكيفية العقاب عليها، نرى أن العربي الفقير الذي يتهم بالسرقة - وهي
الجريمة الشائعة - يلقى القبض عليه ويودع في سجن حقير كاللحد ليس به نوافذ، ومن
الناحية النظرية نجد أن البوليس هو السلطة التي تتولى عمل التحريات الخاصة
بالجريمة المزعوم إرتكابها، ولكن التحريات تستدعي أناسا على جانب من الذكاء أكثر
من رجال البوليس السذج البسطاء الذين معظمهم أميون لا يمكنهم القراءة أو الكتابة، والطريقة
المألوفة في معاملة المتهم هي أن يضرب بالسياط حتى يعترف، وإن لم يعترف، فهناك
طريقة أخرى، وهي قلع الأظافر والكي بالنار، وربط عضوه التناسلي بسلك معدني دقيق مع
إطعامه أشياء مدرة للبول، وتكبيل يديه وتعذيبه، وسيعترف بعد ذلك ! حتما ! ولو في
غيبوبته !.
وقد أدخلت على
السعودية وسائل هذا النوع من التعذيب من قبل شخص جاء به (جون فيلبي) من العراق، ووضعه
مديرا للأمن العام ويدعى (مهدي بك)، وفي إمكاني أن أذكر من نتائج الكشوف الطبية
التي كنت أقوم بها أنه يكفي المتهم سبع جلدات (دون ما سواها) حتى يعترف سواء كان
مذنبا أو بريئا !، ثم يحضر المتهم بعد ذلك أمام القاضي، وهو رجل الدين الجاهل الذي
يصدر الأحكام إرتجالا في كل منطقة حسب مزاجه !، ومعظم هؤولاء القضاة والذين يكون
تعيينهم الحقيقي تعيينا من الناحية السياسية، هم أميون مثل رجال البوليس سواء
بسواء، فإذا تصادف إن كان مع المتهم ثمة نقود (وهذا من النادر أن يحدث)، فإن
المتهم يمكن إنقاذه بالرشوة وتكون العقوبة في هذه الحالة هي مجرد ضربه عددا من
السياط، ولكن النتيجة العادية من المحاكمة، والمحاكمة هنا كلها تتلخص في أن رجل
الدين أو البوليس يقول: إن المتهم قد إعترف بالجريمة !، هي صدور النطق بالحكم
السعودي بصورة مباشرة من القرآن الذي يصرفونه حسب أهوائهم، هذا بصرف النظر عما إذا
كان السجين قد سرق ريالا واحدا أو تمرة أو قطعة خبز لإنقاذ حياته من الجوع، فإن
الحكم يستوي في ذلك، فإذا سرق لأول مرة فإن يده اليمنى يجب أن تقطع من ناحية
المعصم، وإذا سرق مرة أخرى فيجب أن تبتر رجله اليسرى، وثالث مرة تقطع قدمه من
ناحية المفصل، ولا تظنوا أن فيما أقوله مبالغة، فقد أشرفت بنفسي على بعض هذه
العمليات المضحكة التي ذهب ضحيتها أحد الفقراء، أما اللص الحقيقي فهو ذلك الحاكم
الذي يأمر بقطع ثلاثة أعضاء من جسم الفقير العاطل عن العمل، وليس هناك أي خلاف في
تطبيق الحكم كما قلت حتى إذا كان المتهم قد سرق كسرة من الخبز ليطعم بها عائلته
التي تموت جوعا، فإن الحكم لا يخفف وهو واجب التنفيذ في هذا الصدد !، وبصفتي طبيبا
فقد كنت أحضر مئات من هذه المحاكمات العلنية، وذلك لكي أعالج السجين بعد أن ينتهي
منه هؤولاء الموظفون والعبيد.
هذا ولقد صممت
على أن أقدم تقريرا عن هذه الوحشية إلى العالم الخارجي مهما كان في ذلك الأمر من
مخاطرة، حيث قد أدخل الحكام أخيرا بعض التحسينات على هذه التشويهات في المدن
الكبيرة فقط، فعندما تجري هذه التشويهات في إحدى المدن الكبيرة يحضر بعض الأطباء لإستعمال
ضاغطة الشرايين ويعالج الضحية من الصدمة ثم يأخذ بعد ذلك إلى الصيدلية، وتجري هذه
التحسينات كما قلت في المدن التي يوجد فيها عدد من الأجانب الذين يهزأون ويبكون
أحيانا لهذه المناظر المؤلمة، أما في المدن الصغيرة فإن الأيدي والأرجل تغمس في
الزيت المغلي بعد قطعها لإيقاف نزيف الدم !، وغالبا ما يموت الضحية، وأما في القرى
البعيدة فإن السجين يترك ليعالج نفسه بنفسه، أي يموت موتا بطيئا، وفي البلاد
المتمدنة التي يسيطر عليها الأمريكان كالظهران مثلا، تعطى للسجين حقنة ضد
(التيتانوس) وهي إحدى الوسائل التي تميز المدن المتمدنة عن المدن المتأخرة في
المملكة العربية السعودية السعيدة !.
وقد صرح لي شخص
مطلع جدا ومن الحاشية بأنه قد زاد عدد الذين قطعت أيديهم وأرجلهم عن (100) ألف رجل
وطفل وإمرأة منذ أن حل في البلاد حكم العائلة السعودية، فليتصور الأوروبي مصير هؤولاء
الناس وعائلاتهم بل ليتصور العرب الذين يهاجمون الإستعمار الغربي ووحشيته، بينما
يغمسون رؤوسهم في رمال الصحراء عن مخازي بعضهم وهمجيتهم، هذا وإذا كانت
الجريمة المرتكبة هي القتل (سواء كان صادرا عن إرادة أو غير إرادة) فلا تختلف عما
إذا كان القتل مقصودا به مجرد الدفاع عن النفس أم لا ! فإن النظام السعودي لم يميز
بين هذا وذاك ! والعقاب يجب أن يطبق تطبيقا حرفيا، وهذا على الفقير فقط كما أسلفت.
أما عقوبة الزنى
فهي التي تبدو أكثر بربرية ووحشية من جميع العقوبات السعودية، وإنني قد رأيت تنفيذ
هذه العقوبة، ولكني لم أتحمل تنفيذها بهذا الشكل البشع على الرغم من طبيعتي كطبيب،
فالمرأة الفقيرة التي يلقى القبض عليها بتهمة الزنى، تجرد من ثيابها حتى تصبح
عارية ثم تربط بالحبال، وتؤخذ إلى المدينة أو القرية لتجوب الطرقات ليتمكن كل
إنسان من مشاهدتها، وفي الميدان الرئيس حيث توجد حفرة ما، تدفن هذه المرأة هناك
وهي حية ما عدا رأسها يكون مرتفعا نوعا ما عن سطح الأرض، ثم تحضر عربة محملة
بالصخور إلى هذا الميدان ويتسلح كل فرد من الخدم والعبيد لرجم الفقيرة بهذه
الصخور، ثم يقفون خارج دائرة معينة حول هذه المرأة، وعندما تعطى إشارة من رئيس
الشرطة، فإن هؤولاء القوم يبدأون بقذف الحجارة وتصويبها إلى هذه الضحية المسكينة، التي
تكون قد إرتكبت الخطيئة لتطعم أطفالها، وتستمر هذه العملية حتى تموت هذه المرأة، ثم
بعد ذلك يأخذون في إخراج الجثة الخاصة بهذه المرأة لإعادة دفنها بطريقة صحيحة هناك،
ولا فرق في هذا التشريع بين الرجل والمرأة، وغالبا ما يؤتى بالرجل والمرأة معا
فيربطان ظهرا لظهر ويرجمان حتى الموت بالطريقة سالفة الذكر، هذا إذا كانا من
الفقراء.
أما الأمراء
والكبار فإنهم يختطفون النساء والغلمان من الشوارع دون حسيب أو رقيب، وغالبا ما
تذبح الضحية بعد إتيان الفاحشة بها، وتعاد مذبوحة لترمى على عتبة باب أهلها، وماذا
يفعل الأهل بعد ذلك ؟ ولمن الشكوى؟ فالخصم هو الحاكم، وليس هناك منازل علنية
للدعارة، ولكن في الحقيقة فإنا نجد أن الدعارة موجودة وتمارس بصورة وحشية في
القصور (حكم العبيد !) وهناك حركة كبيرة في شراء وبيع الجواري والعبيد، وليس هناك
تحديد للجواري والعبيد من البنات وخاصة بالنسبة إلى الملك وأمراء العائلة المالكة
والأتباع، وأكبر سوق علني للرقيق موجود في مكة، ومن سخرية القدر أن هذه المدينة
تعتبر من أقدس المدن العربية والإسلامية على الإطلاق، فهناك يمكن للعبيد من النساء
أو الجواري (العبدة هي إمرأة إفريقية أما غير الإفريقية فتعتبر جارية) أن تباع
بثمن يتراوح بين 150 جنيها إلى 300 جنيه، وهذا يتوقف على مقدار جمالهن أو جمالهم
إذا كانوا ذكورا، وتذهب البنات إلى السوق بطرق مختلفة كثيرة، فبعضهن قد أختطفن من
أطراف الجزيرة الصحراوية الفقيرة حيث كن يعشن عيشة الحيوانات، والبنت الجميلة الجذابة
التي يشتريها رجل سعودي غني، تعيش عيشة راضية، وهناك عدد كبير من البنات يفضلن هذه
العلاقة أو هذه العيشة الفخمة نسبيا على حياة الصحاري المفزعة، ومع ذلك فإن غالبية
البنات اللائي يعرضن للبيع يحضرن إلى السوق بواسطة تجار الرقيق الذين يبيعونهن كما
تباع المواشي. ويعمل تجار الرقيق على ربط هؤولاء البنات مع بعضهن بالسلاسل ثم
يعرضن في السوق بالجملة (من خمسة إلى خمسين وستين) دفعة واحدة، والذين يرغبون في
الشراء يعطى لهم الوقت الكافي الذي يرغبونه لفحص البضاعة، وتكون البنات لابسات
ثيابهن ولكن لا يلبسن النقاب على وجوههن (وهو النقاب الذي تلبسه المرأة السعودية)،
فالعبدة يجب أن تكشف وجهها! وإذا رغب المشتري في شراء إحدى هؤولاء الفتيات، فإن
الوسيط يخلي سبيلها ثم يأخذها المشتري إلى خيمته ليجري عليها إختبارا خاصا لفحص
الثدي والسن والبطن وكافة أنحاء جسمها، فإن الدين السعودي يقول: (من إشترى ولم يرى
فله الخيار حتى يرى)، والمشتري المرتقب يجوز له أن يصطحب معه طبيبا لفحص الفتاة
ومعرفة ما بها من أمراض، وفي إحدى الحالات التي طلبت بها للكشف على فتاة عمرها خمسة
عشر عاما أراد أن يشتريها أمير سعودي معروف بالشذوذ الجنسي والتعذيب، فإنني لم أساعده
بشهادة طبية في صالح الفتاة، وذلك حتى لا تقع هذه الضحية بين قبضتيه، وذلك على الرغم
من الحقيقة، وهي أن الفتاة كانت ملائمة وحالتها الصحية لا بأس بها، فإنني قد
أعطيتها شهادة طبية غير حسنة وألغيت بذلك صفقة البيع.
إن سماسرة بيع الرقيق يحتفظون بهؤولاء العبيد
والجواري (ذكورا وإناثا) في غرف ذات قضبان حديدية في منازلهم الخاصة، وذلك ليضمنوا
بقاء البكارة للنساء، ومعظم هؤولاء الأرقاء أختطفوا أصلا من اليمن وقطر ودبي وعمان
والجنوب العربي وسوريا ولبنان والعراق والأردن وفلسطين والمناطق الصحراوية في
الحجاز ونجد، ومتوسط ثمن الجارية الصحيحة البدن ألف وخمسمائة جنيه، ولكن ما يتكبده
(يدفعه) تاجر الرقيق في هذا الصدد هو مبلغ زهيد بخس دراهم معدودة كافية له لكي
يستحوذ على مثل هذه الفتاة، وتعيش الجارية مع زوجات السعودي الحرائر! (وعشرة من
الجواري يعتبرون أقل عدد ملائم لرجل سعودي ثري)، ويجب عليهن أن يعملن في المنزل، أما
الزوجات فهن لا يعملن شيئا من الأعمال المنزلية، وإني لم أرى أي سعودي يمنع من
شراء وحفظ هذه الجواري على الرغم من أنه كانت هناك في الماضي بعض حالات تدل على
تحرير الرقيق.
وتسترا على
الفضائح نلاحظ أن السعوديين يتشددون الآن في طرد غير العربيات من سوق الرقيق
وبإمكان أي واحد أن يحضر هذه الأسواق العلنية، وإن المنظمات الدولية التي تتحرى
تجارة الرقيق في السعودية حاولت من آن لآخر أن تتعرف على بعض الوسطاء الذين يعملون
في تجارة الرقيق، ولكنها لم تحاول منعه في السعودية، وإن حاولت فإنها لا يمكن أن
تتمكن من منعه لوجود هذا الحكم العجيب، وبعض هؤولاء الأرقاء حاول شراء نفسه، وكان
هؤولاء ممن لهم مقدرة على الإندماج بالوطنيين وأراد العيش في عالم أفضل من عالم
العبيد، ولكن كثيرا منهم أكتشف أمره، وكان عقابهم دائما هو القتل أو الخصي أمام العامة
الذي يجتمعون في ميدان عام، ويتركون بعد ذلك ليموتوا.
والفائدة التي تعود
من شراء الجارية - بدلا من إستخدام امرأة تعمل بأجر زهيد جدا - هو أن هناك مخاطرة
في الإتصال الجنسي ومزاولته مع خادمة ليست من العبيد، بينما يمكن للسيد أن يفعل ما
يشاء مع أية فتاة تكون عبدة له أو جارية، وأيضا فإن العبد أو العبدة فيهما إستثمار
حسن، ذلك أن كثيرا من السعوديين يأخذون معهم خمسة أو ستة من العبيد في رحلاتهم ثم
يبيعونهم أثناء السفر على طول الطريق كأنهم شيكات مع المسافرين أو يعلمونهم قيادة
السيارات وبعض الحرف لإستثمار حياتهم.
ومسألة شراء
زوجة ما (بقصد الزواج) هي في الواقع طريقة غير مأمونة العواقب إذا قورنت بشراء
الجارية أو المحظية، ذلك لأن وجه المرأة يجب أن يكون مغطى دائما، ولا يمكن للرجل
أن يرى وجه المرأة العادية التي يريد أن يتخذها السعودي زوجة له، وعلى ذلك فإن
العريس المرتقب غالبا ما يستشير العجائز من أهل الحي نظير أجر معلوم، وهن اللاتي
يخبرنه عن أجمل الفتيات (حسب أذواقهن !)، والمأمول من الزوج أن يتفاوض بعد ذلك مع
والد الفتاة، ويمتد هذا التفاوض في الغالب إلى مدة سبعة أشهر، والفتاة الجميلة
يدفع مهرها مبلغا يتراوح في حدود (265) جنيه، ولن يحظى العريس بمعاينة زوجته
المرتقبة قبل الليلة الأولى أو الثانية للزواج، وغالبا ما يفر العريس أو العروس
عندما يشاهد كل منهم الآخر، ومع ذلك فإن والد الفتاة يحجز لديه النقود التي دفعت
له، وعلى العكس من ذلك إذا حدث أن هربت الفتاة بعد الزواج، عندها يكون والد الفتاة
ملزما بأن يدفع إلى الزوج ضعف المبلغ الأصلي الذي دفعه مهرا لإبنته.