الاضطرابات الإنفعالية وبطء التعلّم
لقد تناول عدد لا بأس به من علماء النفس تحديد المقصود بالاضطراب الإنفعالي، وهو أنه يتمثل في صورة الفرد المضطرب نفسياً، الشقّي بنفسه وشقّي مع غيره وعاجز عن إنشاء علاقة سليمة مع نفسه ، وبالتالي يعجز أن يكون مع غيره في علاقات فعّالة ومُشبعة، أيّ أن المضطرب نفسياً يعاني أنواعاً من الصراع النفسي وهو ما يسبّب إضطرابه، وهو شخص لا يدرك سبب إضطرابه لأن ما يعانيه عملية لا شعورية نشأت عن محاولة كبت خبرات إرتبطت بإنفعالات مؤلمة، وأن هذه المحاولة لم تكن ناضجة ولذلك عاودت هذه الخبرات بما إرتبطت بها من إنفعالات مؤلمة للظهور بصورة مقنّعة على هيئة أعراض مرضية.
أسباب الإضطرابات الإنفعالية
تتمثّل أسباب الإضطرابات الإنفعالية في كثير من العوامل التي تحول دون تحقيق رغبات الفرد أو إشباع حاجاته وسعيه وراء دوافعه التي يرفضها الواقع الإجتماعي الذي يعيش فيه وينتمي إليه، وذلك خوفاً من عزله عن أفراد المجتمع أو عقابه، وكذلك ما يقوم به الإنسان من كبت دوافعه، إضافة إلى إرجاء إشباع حاجاته خوفاً من غضب مَن يحبّونه أو شعور (الطفل) بغضب والديه عليه وما يترتّب على هذا من إحساس بالألم والشعور بالذنب، وسعيه لإخفاء إنفعالاته وإبعاده عن بؤرة شعوره حتى لا يقع في إصدار ألفاظ سلوكية عدوانية تجاه من يحب، هذا وتشكّل الحيل اللاشعورية وإستخدامها بشكل مستمر ودائم سبباً أساسياً من أسباب الإضطرابات النفسية، حيث تعتمد هذه الحيل على إخفاء وكبت الحقائق، إضافة إلى قصور يرجع إلى بناء ونمو الشخصية بطريقة خاطئة.
خصائص المضطربين إنفعالياً:
يختلف العلماء والباحثون حول الخصائص التي يمكن أن يعتمد عليها للتعرّف على المضطربين إنفعالياً، حيث يرى بعضهم أن مستوى الذكاء يعتبر خاصية يمكن إعتمادها كمؤشّر لهذه الفئة، وذلك لأن المضطربين إنفعالياً أقل من أقرانهم غير المضطربين في مستوى الذكاء (متوسّط الذكاء)، حتى أن بعضهم وضعهم في حدود التخلّف العقلي البسيط، إلا أن علماء آخرين أشاروا إلى أنه ليس من السهل تطبيق إختبارات الذكاء على هذه النوعية والحصول على مستوى فعلي لهذه الفئة، وأن هناك بعض الأفراد من المضطربين إنفعالياً قد حصلوا على درجات مرتفعة من الذكاء.
وقد فسّر المشكّكون في تحديد خاصية الذكاء كمؤشّر للمضطربين إنفعالياً بأن الإضطراب الإنفعالي لا يتيح الفرصة لإكتساب وتعلّم وإدراك مضامين إختبارات الذكاء، وبذلك لا تكون نتائج هذه الإختبارات مؤشّراً حقيقياً لمستوى ذكائهم، كما أنه يوجد عندهم إنخفاض في مستوى التحصيل الدراسي وذلك على أساس أن ما يعانيه هؤلاء الأفراد من إضطرابات سلوكية لا يمكّنهم من إكتساب المهارات الضرورية للتحصيل الدراسي، وإن وجد بعضهم قد إكتسبوا هذه المهارات إلا أنهم لا يستطيعون حُسن إستثمارها في عملية التحصيل الدراسي الشامل.
هذا وإن أبرز ما يميّز هؤلاء الأفراد هو سلوكهم العدواني والذي يعتبر مؤشراً واضحاً لإنفعالاتهم، وكذا السلوك الإنطوائي والإنسحابي حيث يميلون إلى العزلة والبُعد عن الآخرين، إضافة إلى الشعور بالخمول والكسل وعدم المبالاة في التعامل مع الآخرين، وإفتقاد المهارة لإنشاء العلاقات الإجتماعية، هذا فضلاً عن معايشة أحلام اليقظة بصفة دائمة ومستمرة.
ولقد أشار "بيرت" عام (1927) بشكل واضح إلى مصطلح متأخّر أو بطيء التعلّم، وخصّص هذا المصطلح لأولئك الأطفال غير القادرين على أداء الأعمال النظامية المتوقّعة من أقرانهم، فيما تناول "كيراك" عام (1962) معدّل التعليم كقاعدة لتحديد بطء التعلّم، وطبقاً لما قاله "كيراك" في بحثه فإنه يمكن تصنيف بطيء التعلّم والمتفوّق والأطفال المتوسّطين إستناداً إلى معدل تعلّمهم، لكنه يرفض بشكل قطعي في بحثه المساواة بين بطيء التعلّم والمتخلّفين عقلياً، وذلك لأن بطيء التعلّم قادر على الحصول على درجة متوسّطة من النجاح الأكاديمي حتى وإن كان ذلك بدرجة أبطأ من الأطفال المتوسّطين، أما بالنسبة لبطيئي التعلّم من البالغين فهم واثقون بأنفسهم ومدعمون ومستقرّون ومتكيّفون إجتماعياً، كما إننا نجدهم في المراحل الأولى من التعلّم يكيّفون أنفسهم مع البرامج النظامية التي تناسب مقدرتهم البطيئة على التعلّم.
أما أهم خصائص (بطء التعلّم) فتتمثّل في المشكلات المتعلّقة باكتساب العلم والمعرفة، حيث إن بطيئي التعلّم يتعلمون بمعدل بطيء ويواجهون صعوبة في حفظ ما قد تعلّموه، كما إن انتقال المعرفة لهم يصبح أمراً مستحيلاً، وذلك لأنهم يستفيدون فقط من التعليم المباشر ولا يكتسبون المهارات بالشكل العرضي أو غير المباشر، لهذا يكونون م دون المستوى المطلوب في التحصيل وذلك بسبب مدى إنتباههم القصير جداً (شاردون)، كما أنهم يعانون من نقص في المحاكمة وفي الحسّ العام.
في حين المشكلات المتعلقة باللغة تكون بمعاناة هذا المتعلّم البطيء من صعوبة في التعبير الشفهي لأن التعبيرات والألفاظ صعبة عليه، كما يواجه بطيء التعلّم مشكلات الدقّة والربط وإستخدام علامات للترقيم، وتكون القراءة الجهرية عنده أكثر صعوبة من القراءة الصامتة، إضافة إلى أن التعبير عن أفكارهم يكون في غاية الصعوبة بالنسبة إليهم ولمَن حولهم حتى يفهمهم.
أما مشكلات الإدراك السمعي فتظهر بمواجهة بطيء التعلّم صعوبة في كتابة الإملاء بحيث يتركون اللوازم واللواحق عندما يكتبون، كما يخفق بطيئو التعلّم في فهم التوجيهات الشفوية، وفي العادة يفضلون المواد المقدّمة بشكل منظور (عياني) على المواد التي تقدّم بشكل شفوي، وذلك لأن تحديد الأصوات المختلفة يصبح صعباً عليهم، وهم أيضاً يجدون صعوبة في التمييز بين الكلمات المتشابهة صوتياً، ما يجعلهم يعطون أجوبة غير ملائمة للأسئلة الشفهية، كما أنهم أيضاً يفشلون في تعلّم فن العد من الذاكرة.
هذا وإن بطيئي التعلّم يعانون من مشكلات بصرية حركية، بحيث ينذهلون ببساطة بالإشارة البصرية ولهم حركات خرقاء، كما أنهم يجدون صعوبات في التمييز بين علاقات الألوان والأحجام والأشكال، وغير قادرين على إسترجاع أو إستدعاء الأشياء التي يرونها من الذاكرة، لهذا فإن تمييزهم للأشياء العامة أو تعرّفهم عليها يصبح مشكلة بالنسبة لهم، إضافة إلى أنهم ضعيفون جداً في الكتابة اليدوية ويواجهون صعوبات في الأعمال والحركة، لأنهم غالباً يشكون من مشكلات فيزيولوجية.
أما المشكلات الإجتماعية فتتمثل في أن بطيئي التعلّم لا يملكون القدرة على البقاء أو الصبر فترة طويلة في غرفة الصف، كما أن الأطفال منهم يحبون الإنعزال وهم غير إجتماعيين ولا يشغلون أنفسهم في تكوين الصداقات، وقد يصبح بطيئو التعلم عدوانيين نحو أصدقائهم وأقرانهم لأتفه الأسباب، إضافة إلى أن قضم الأظافر خاصة بارزة لدى هذه الفئة.
رابط المقال في موقع
الميادين: