قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

مشروع البشير الإسلامي الفاشل في السودان

مشروع البشير الإسلامي الفاشل في السودان
Image result for ‫السودان‬‎
الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، كان محطة فارقة في السياسة السودانية، كونه تجربة استثنائية للحركة الإسلامية، وذلك في بلد عام على الانقلابات منذ استقلاله عام 1956، حيث فشلت كل تجارب الاحتفاظ بالحكم المدني والعسكري، والتي انتهجت سياسة الاستبداد والقمع والتنكيل بالمعارضة، فيما كانت الأزمات الداخلية والتظاهرات تطيح دوما بالرؤوس الحاكمة إما بالخيانة أو الثورات، وذلك بداية من انقلاب الرئيس عبود عام 1958، إلى انقلاب جعفر النميري 1969، لكن تجربة الرئيس عمر البشير الفريدة تمثلت في انقلابه عام 1989 على حكومة ديمقراطية أتت بانتخابات حرة، ثم أحكم قبضته بعدها على الحكم طيلة 30 عاما لم ينجح فيها انقلاب واحد عليه، كما فشلت التظاهرات الموسمية طيلة الأعوام السابقة في التحول إلى ثورات ناجحة ضد حكمه.

البشير كان قد قاد انقلابا ناجحا، حول السودان نحو المشروع الإسلامي وطمس هويتها العلمانية، وذلك بدعم من الجبهة القومية الإسلامية (الإخوان المسلمين) التي رأسها آنذاك حسن الترابي، حيث أعلن البشير الذي تولى مجلس قيادة الثورة، منظومة قوانين السلطة الانتقالية والتي جاء فيها: (يحظر إبداء أية معارضة سياسية بأي وجه لنظام ثورة الإنقاذ الوطني)، كما ونص القانون أيضا على إلغاء الأحزاب وتعطيل الدستور الذي أقره البرلمان قبل عام، وأعطى الحكومة كذلك سلطة الاعتقال التحفظي، أما القانون الأخطر الذي رسم المشهد السوداني في ظل الحكم الإسلامي هو (قانون النظام العام)، والذي يعود إطلاقه في أواخر حكم الرئيس النميري عام 1984 بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية أثناء تحالفه مع الإسلاميين لضرب الشيوعيين، حيث فرض القانون عدة محاذير تتعلق بتجريم السلوكيات الشخصية مثل: (الزي الفاضح، وشرب الخمر، والأعمال الفاحشة، والعروض المخلة بالآداب العامة).

كما سار البشير على خطا جعفر النميري فأسس جهاز الأمن الوطني، بينما اتجه الإسلاميون بعدما أسسوا حزب المؤتمر الوطني الحاكم لإنشاء جهاز الأمن الداخلي الخاص بها، والذي تلخصت مهامه في التأكد من ولاء أعضائه للأفكار العامة للحركة، لتبدأ بعدها معركة استكمال أسلمة أجهزة الدولة من الداخل والتي ترجع بداياتها لأواخر عهد النميري، بحيث تم فيها فرض الصورة الأكثر تشددا في الإسلام في بلد متعدد العرقيات والأديان، وهو ما ساهم في توسيع فجوة الهوية بين السودان الشمالي والجنوب والتي انتهت بالانفصال عام 2011.

هذا ولم يجد البشير بعد ذلك خطة للإطاحة بخصومه سوى إضعاف الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها من الداخل، وهو الذي كان سببا أيضا في انقسام الحركة بعدما انقلب على قاداتها، مما أدى إلى انشقاق (الحركة الإسلامية) وبروز إشكالية كبرى، وهي أنه بدلا من أن يبحث الإسلاميون عن شكل لعلاقاتهم مع الدولة، انخرطوا في صراع داخلي، حيث خاض الإسلاميون المنقسمون صراعا ضد الأحزاب الأخرى، وكان الرئيس السوداني هو المنتصر الوحيد في تلك الحرب، فيما لم تكن المعارضة أشد تماسكا، والتي اتبع معها البشير سياسة الشد والجذب بهدف بقائه في السلطة، إضافة إلى أن البشير كان مدعوما من الأنظمة العربية والإفريقية على حد سواء.

وهكذا لم تمض الحركة الإسلامية في السودان كما رسم لها مؤسسوها بشأن الفصل بينها وبين أدوار السلطة والأجهزة التنفيذية في الدولة، كما وبقيت الحركة تروج لنفسها دوما إلى أنها كيان مستقل عن الدولة، وأن لديها مصادر تمويل خاصة بها من استثماراتها واشتراكات أعضائها، ولا دخل للحكومة بتمويلها، وذلك على خلاف الحقائق الموجودة على أرض الواقع، والتي تشير إلى تحول الحركة إلى  ذراع للسلطة، ولتصبح مع مرور السنوات بفعل سياسات السلطة الحاكمة الممثلة في الرئيس عمر البشير أشبه بجهاز من أجهزة الدولة، حيث انحصرت أدوارها في تعزيز شرعية الرئيس، وتقويض أي تحركات للمعارضة، تحت دعوى حماية الإسلام والشريعة، وربط أية تغييرات داخلية في الحركة بمصالح السلطة.

التجربة الإسلامية في السودان قدمت حكم سياسي عرف بالفساد، البطالة، نفوذ الشركات، التبعية، البراغماتية، اللعب على الحبال وتفسخ الدولة من دارفور إلى انفصال الجنوب، والأسوأ من ذلك كله أن كل هذا الفشل الذي تركه الإخوان وحكمهم في السودان، في كافة المجالات والأصعدة، كان في بلد غني بالموارد، بل أن تقارير الفساد حول حكمهم، تشير إلى أنهم لم يكتفوا بإطلاق يد الشركات لتنهب وتستغل عمال وفقراء السودان، بل وضعوا أيديهم على قطاعات واسعة من القطاع العام بإسم إعادة الهيكلة والخصخصة.

هذا وتعتبر المعارضة السودانية أن مشكلة نظام البشير ليس في كونه إسلاميا، إذ تخطت الأزمة الأبعاد السياسية، وانحصرت الاتهامات في عنصرية النظام وإعلائه للعنصر العربي ضد كافة الأعراق التي كانت تجمع السودان قبل انفصاله إلى شمالي وجنوبي، فالنظام الإسلامي انتهج سياسة التمييز ضد القساوسة، وفرض قانون (النظام العام) زيا شبه إسلامي على المسيحيات، كما واستغل النظام بعض فتاوى رجال الدين الإسلامي المحسوبين على السلطة، الذين أصدروا فتاوى تبيح هدم الكنائس وحرقها، وتحرم تشييد أي كنائس جديدة أو إعادة ترميم ما هو موجود منها، إضافة إلى أن الحكومة أوقفت منذ عام 2011 الاحتفالات الرسمية بأعياد الميلاد، وألغت العطلة الرسمية لها، ومنعت قيام مسيرات الاحتفالات الاجتماعية بأعياد الميلاد في الشوارع وفي وسائل الإعلام كذلك، وذلك في إشارة إلى حديث البشير عن شمال السودان عقب الانفصال قائلا: (الشمال سيغير الدستور في حالة انفصال الجنوب، ولن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع ثقافي أو عرقي، والشريعة الإسلامية ستكون المصدر الرئيسي للدستور، وسيكون الإسلام الدين الرسمي للدولة، واللغة العربية هي اللغة الرسمية)، وهو ما اعتبر حينها إعلانا لمحاربة الدين المسيحي في البلاد.

قصة بقاء البشير في الحكم كان لها عدة روابط ضمنت له الصمود لأكثر من ثلاثة عقود، حيث بدأ حكمه بالدعم الداخلي من الإسلاميين، وحصوله بعد ذلك على الأموال التي دخلت خزينة الدولة بعد رحيل بن لادن، الذي استضافه البشير خمس سنوات كاملة في الخرطوم، لكنه ما لبث أن تخلى عنهم جميعا حين ضاقت عليه اللعبة، وبدأ بتسويق الحركة ممثلا للإسلام الوسطي، خصوصا في ظل التراجع الكبير للإسلاميين في العديد من البلدان العربية وعلى رأسهم مصر.

كما فشلت الأحزاب المعارضة في الإطاحة به على المستوى الداخلي نتيجة تفككها وعدم توحد أهدافها، حيث اعترف المعارضون بأنهم رغم الاحتجاجات المتكررة خلال السنوات الماضية، إلا أنها دوما ما فشلت في إحداث التغيير المطلوب، وذلك نظرا لعدة عوامل أبرزها البطش الأمني ولعبة السياسة الخارجية التي أجادها الرئيس السوداني، كما ونجح في حشد البرلمان لتمرير التعديلات الدستورية والتي ضمنت له البقاء في أعلى هرم السلطة لفترات متعاقبة.

طبعا هنا لا ننسى مطلقا مواقف هذا النظام الداعمة للقضية الفلسطينية وللعراق وغيره في مواجهة الحروب والمؤامرات، والتصدي للمشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي يريد طمس عروبة وتمزيق وحدة المنطقة، وهي المواقف التي عرضته للحصار والقصف، ولكننا لا يمكن أن ننسى أنه أيضا أرسل آلاف الجنود من خيرة وحدات جيشه للقتال في اليمن، مما أدى إلى إلصاق تهمة (الارتزاق) بجيش السودان، وهي تهمة ظالمة، وذلك طمعا في حفنة من المال وأملا في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليه شخصيا، حيث أنه كان على قائمة المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور.

أخيرا وبالمجمل وحتى يغادر السودانيون متاهات التناوب بين العسكر وأحزاب اليمين، لا بديل عن مواصلة الضغط الشعبي من أجل ضمانات سياسية وقانونية واجتماعية وثقافية، كما وأن تستفيد من تجاربها السابقة، وتمنع قوى اليمين والرجعية والليبراليين والجماعات المشبوهة كل حسب مصلحته من إعادة السودان إلى تلك المتاهات.

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart