مسلسلات التطبيع الرمضانية خيانة… فاحذروها
تتوجه الدراما العربية في بعض البلدان العربية (الخليجية) في هذا الشهر
الكريم، إلى تمرير خطاب إعلامي مشفر، الغاية منه تطبيع العلاقات مع الكيان
الصهيوني، وغسل جرائمه في حق المسلمين عامة، والشعب الفلسطيني خاصة، وتصوير
الصهاينة على أنهم لطفاء وإخوة في الدين، ولهم أيادي بيضاء على الإسلام والمسلمين،
وذلك في مقابل شيطنة الفلسطينيين وتصويرهم على أنهم ناكري الجميل، وأنهم خونة
وباعوا أرضهم ويعيشون على الإعانات والمساعدات التي مصدرها خزائن الخليج.
الدراما بشكل عام تعتبر من أكثر الوسائل تأثيرا في الشعوب، واستخدامها بهذا
الشكل يدلل على رغبة بعض الجهات في تغيير الانطباعات لدى الشعوب العربية، تجاه
القضية المحورية، والدعوة لإقامة علاقة عادية مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يمثل
سقوط قيمي وأخلاقي، لا سيما أنه خرج من بعض الدول والجهات التي يجب أن تكون
بالأساس من أول المدافعين عن الحقوق الفلسطينية والمناصرة لها.
فقد أثار مسلسلان خليجيان، يعرضان منذ بداية شهر رمضان المبارك، ردود أفعال
وجدلا شديدا، وذلك في ظل اتهامات لهما بالترويج للتطبيع مع إسرائيل على حساب
الفلسطينيين، والمسلسلان هما "مخرج 7" و "أم هارون"، وتبثهما
قناة "أم بي سي" (MBC)
السعودية، حيث أن سياسة هذه القناة أصبحت تعتمد على تكرار موضوع التطبيع حتى يصبح
واقعا، وذلك في تبني واضح لسياسات حكومات دولهم الخاصة بالشؤون العربية والإقليمية
والدولية، فقناة "أم بي سي" تستخدم سياسة شل الذاكرة التاريخية، كما واعتمدت
مع هذه السياسة، الغرس الثقافي (التعايش مع اليهود، اليهود مظلومين، تناسي الظلم
على أهل فلسطين)، وذلك للتأثير على الجمهور وتهيئتهم للتعايش مع اليهود مستقبلا.
هذا ويذكر أن مسلسل "أم هارون" عمل فني تطبيعي يتحدث عن حياة
سيدة يهودية تعاني مصاعب ومشاكل كثيرة في إحدى دول الخليج، وهو إنتاج مشترك بين
شركتين إماراتية وكويتية، ويحمل رسائل مبطنة عن اليهود ومعاناتهم، وتسويق فاضح
للتعايش مع اليهود من خلال قصص حب بين مسلمين ويهود، وإظهار لحاخامات يرتدون ثيابا
يهودية، وطرق تعبدهم في ديانتهم، بالإضافة إلى الإشارة إلى الصراع بين اليهود
وفئات المجتمع الأخرى التي يغلب عليها المسلمون، وذلك كله في إطار خالي من ثوابت
ومقومات الثقافة العربية الإسلامية، والتي تراهم مجرمين ومحتلين لأرض عربية
إسلامية، كما تم في المسلسل بث رسائل سياسية ومغالطات تاريخية، إذ ادعى أن إسرائيل
قامت على (أرض إسرائيلية)، فيما سبق للانتداب البريطاني أن أعلن في أيار/مايو عام
1948 عن قيام إسرائيل على أرض (فلسطين العربية)، ولم يكن وقتها هناك أصلا كيان
يدعى إسرائيل.
أما مسلسل “مخرج 7″ وهو من بطولة ناصر القصبي ونادر الشمراني، فقد تطرق في
إحدى حلقاته، إلى موضوع العلاقات مع إسرائيل، وجاء فيها مشاهد تؤيد إقامة علاقات
اقتصادية وثقافية معها، وتسيء للشعب الفلسطيني، وتصفه بالعدو وليس الصهاينة!، حيث
أثنت القناة "12" التلفزيونية الإسرائيلية (خاصة)، على المسلسل بقولها:
"هذه هي المرة الأولى التي يتحدثون فيها علانية في السعودية عن أن إسرائيل
ليست عدوا"، وأضافت: "يدور الحديث عن تغير جوهري، يتجاوز حتى عتبة
التطبيع، ويدعو إلى تعزيز السلام والعلاقات الدافئة بين مواطني الدولتين (إسرائيل
والسعودية)"، كما قامت بعرض المسلسل وترجمة مشاهد منه إلى اللغة العبرية،
خاصة مشهد ناصر القصبي وراشد الشمراني، والذي يظهر من خلاله حوارا يجسد التطبيع
بين السعودية وإسرائيل.
المسلسلان الخبيثان يهدفان لتزوير التاريخ وإدخال المجتمع الخليجي تدريجيا
في إطار التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وتصوير الوجود الإسرائيلي اليهودي في منطقة
الخليج وجود تاريخي وطبيعي، حيث أننا أصبحنا اليوم نشهد التزييف العربي لمصلحة
إسرائيل على الشاشات العربية، كما أننا نعيش تحقق حلم الصهيونية الكبير في دولة
إسرائيل من النهر إلى البحر، ونحن بغبائنا نفتح لهم الطريق ومن دول الخليج العربي
تحديدا.
أخطر جبهات التطبيع هو التطبيع الثقافي الذي معناه ابتداء التخلي عن كل ما
يحويه المخزون الثقافي من النصوص التي تصنفهم أعداء إلى السماح للفكر اليهودي
والصهيوني بالتمدد باتجاه كل القطاعات، كما لو أنه إحدى حالات الفكر السائدة التي
يحق لها البروز في عالمنا بشكل عادي، حيث إن أخطار التطبيع الثقافي تتمثل في تدمير
مقومات الأمة، باعتبار أن الهيمنة على روح الأمة وعقلها وفكرها ووجدانها يشكل
بالنسبة للعدو هدفا رئيسيا وسياسة ثابتة، لهذا فإن هذه المسلسلات تمثل ضربة تاريخية في خاصرة الشعوب
العربية والإسلامية، ووصمة عار على جبين من قام بالإشراف عليها وتنفيذها، لأنها تمثل
أخطر أشكال التطبيع الثقافي التي يجب محاربتها بكل الوسائل، وذلك لأجل الإبقاء على
الصورة الذهنية الصحيحة داخل العقول العربية، كما أنها لا تعبر عن الشعوب العربية،
وإنما عن سياسات أنظمة حاكمة تخلت عن مبادئها وثوابتها.
طبعا لا يمكن التعامل مع هذه المسلسلات بشكل منفصل عن كل ما يجري في
المنطقة، حيث هناك تقارب سياسي بين أنظمة عربية وبين الاحتلال الإسرائيلي، وهناك
رهان لدى بعض الأنظمة الخليجية على أهمية التقارب مع الاحتلال الصهيوني في حفظ
أنظمة الحكم فيها، لذلك تأتي هذه الأعمال الدرامية من بعض وسائل الإعلام في الخليج،
والتي وصلت إلى القاع ونزلت إلى الحضيض، لتصب في خانة التسلل الفكري والثقافي
والإعلامي للتطبيع مع اليهود، وذلك في محاولة جادة منهم لتمرير صفقة القرن وغسل
دماغ عموم العرب، وتأهليهم للقبول بالعدو الصهيوني الغاصب للعرض والأرض والمقدسات.
فالحوار السري الخليجي مستمر مع إسرائيل وعلاقاتهم باتت واقعا عمليا لا
يمكن إنكاره، وفضيحة إقامة العلاقات مع العدو الصهيوني لم تعد تثير خجل أنظمة
الخليج، والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي ما هو إلا محاولة خبيثة لاختراق المجتمع
العربي الخليجي، خاصة أنه يأتي بعد سلسلة أنشطة وفعاليات تطبيعية تصدرتها السعودية
والإمارات وقطر والبحرين في منطقة الخليج، والهدف هو تمرير المشروع الصهيوني إلى
عمق المجتمع الخليجي، وهذا ستكون له نتائج وخيمة ومرعبة، لأن نهاية أي تطبيع مع
الاحتلال هي الدمار والخراب، وأكبر مما يتصوره المطبعون المنبطحون وأصحاب السذاجة
السياسية، حيث أن المشروع الصهيوني يريد أن يغتصب فلسطين كلها ليجعلها بعد ذلك منطلقا
للوثوب على بقية البلدان العربية عامة والخليجية خاصة واحتلالها، وذلك في إطار ما يسمى
بمخطط إقامة إسرائيل الكبرى، فمستقبلنا واحد ومصيرنا واحد ويتهددنا خطر واحد هو
الخطر الصهيوني.
الضمير العربي يصنف هذه المواقف الإجرامية بالعمالة والخيانة العظمى، وأنه
يجب أن يعاقب عليها القانون بالإعدام أو السجن المؤبد، والمسلسلان المنحطان، لا
يمثلان بطبيعة الحال من قريب أو بعيد مواقف الأشقاء السعوديين والكويتيين والخليجيين
الغيورين العروبيين الأصالى، ففلسطين لم تكن يوما إلا قضية الأحرار والشرفاء
وحدهم، كما أن من محاسن هذه المسلسلات التطبيعية، أن السحر قد انقلب على الساحر،
فما حدث بكل بساطة أن هذه المسلسلات جوبهت بردود أفعال شعبية مهولة معاكسة لرياحها
المسمومة، فحصدت أعلى نسب الانتقاد والشتائم، وفجرت حالة من السخط والغضب الشعبيين
في الشارع العربي ضد الكيان الصهيوني وأذنابه من دعاة التطبيع الساكنين بين
ظهرانينا، فتوحدت الجماهير العربية المناوئة لكيان الاحتلال وخدمه من العرب
العاربة ضدهم، وأعيد تسليط الضوء من جديد وبزخم على احتضان الجماهير العربية
للقضية الفلسطينية، رغم تجيير بعض مواقف الدول العربية لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
هذا ويعتبر رد فعل الجمهور العربي لمحتوى المسلسلين، من خلال منصات التواصل
الاجتماعي، تأكيدا ورفضا قاطعا لأي سلوك “تطبيعي”، وعزلا لأي جهة تسعى لجعل
العلاقة مع الاحتلال طبيعية، فالإنسان العربي المسلم لا يمكن أن تخدعه بعض أفكار
واتجاهات المطبعين، وأن إسرائيل ستبقى العدو الأول للأمة العربية، وذلك لأنها تمثل
طعنة في خاصرتها، وتشكل خطرا على كل مكوناتها ووجودها.