قلب شجاع - Brave Heart  قلب شجاع - Brave Heart
random

آخر الأخبار

random
جاري التحميل ...

أهمية حوار القوميات في مشرقنا

 أهمية حوار القوميات في مشرقنا

تستند القوميات الكبرى في مشرقنا على أعمدة أربعة هي: (العرب والفرس والأتراك والأكراد)، وقد أغنى وجود هذا التعدد القومي وذلك التنوع الديني واللغوي، الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الإقليم، حيث كانت الهوية العربية منفتحة على التعدد، ويمكن القول إن تاريخنا العربي الإسلامي يشهد أن جوهر الهوية العربية لا يتناقض مع التنوع الديني والإثني والثقافي الذي احتضنته أمتنا منذ قرون.


فالتاريخ والموقع الجيوستراتيجي والجيوسياسي للمشرق يشكلان النقطة التي تربط بين أطراف الكون وتشبك بينها، لكن مما يثير الأسى الآن هو أن يصبح هذا المحتوى الديني والثقافي لمشرقنا مدعاة لتأجيج الصراعات فيه وعليه، وذلك في تناقض صارخ مع كونه مهدا للحضارات ومهبطا للديانات السماوية الثلاث.


الحضارة الإسلامية تاريخيا ضمت تراثا ثقافيا عريقا استند إلى الحوار بين أتباع الثقافات والديانات والإثنيات المختلفة، وإلى قيم العيش المشتركة في أبهى صورها، إلا أن التحديات التي يمر بها إقليمنا اليوم تؤكد الحاجة من جديد إلى تعزيز الحوار بين مختلف مكوناته القومية والدينية والمذهبية، وذلك من أجل مواجهة ظواهر التعصب الأعمى وتداعياتها الإنسانية المريرة، لأنه عندما يضعف الحوار بين القوميات الكبرى في دول الإقليم سوف يصعب الحفاظ على السلم المجتمعي والدولي.


لقد أدت المتغيرات السياسية والاجتماعية إلى تحول العرب في القرن الماضي من كونهم قومية كبرى إلى دول قطرية متنوعة المكونات، ورافق ذلك ظهور تحدي الهويات الإثنية داخل حدود تلك الدول، وأصبحت كل دولة تسعى جاهدة لبناء هوية عربية جامعة تحتضن التنوع الديني والثقافي والقومي فيها بشكل عادل إلى حد ما، لأنه بوجود النسيج المجتمعي المتماسك تخبو التوترات السياسية والنزاعات المسلحة، وتعلو نبرة الحوار بين أتباع الديانات والثقافات بما يحقق الصالح العام، ولا ريب في أن ترسيخ خطاب المواطنة يعزز الانسجام بين مكونات المجتمعات المتنوعة، ويقدم لها الضوابط والضمانات المطلوبة التي تصون دعائم الدولة وتجسد المصير المشترك.


كما أن الإدارة الحكيمة للاختلاف ستسهم في صياغة العلاقات الحضارية بين بلدان المشرق التي تملك إطارا متينا للتعاون والتلاقي، إضافة إلى أن الوعي العام بالهوية المدنية سيقرب بين شعوب المنطقة، خاصة عند ارتكازه على منظومة قانونية تعلي من كرامة الإنسان وتحترم حقوقه وواجباته، لكن العائق الأكبر الذي يحول دون تحقيق هذا الطموح يكمن في الأنماط الفكرية المستندة إلى مبدأ الطوائف أو المذاهب أو الإثنيات.


لقد انتقلنا اليوم في منطقتنا من الحديث عما يسمى بصدام الحضارات إلى صراع القوميات، لأن الحفاظ على مصالح القوميات الكبرى في الإقليم سيكون سببا في المزيد من التشرذم والانقسام والمعاناة الإنسانية، وتفجر الصراعات القومية الحادة سوف يسهم في زعزعة الاستقرار وتهديد وحدة أراضي كل دولة.


لهذا يجب العمل على تحقيق المبادئ والأهداف والقيم التي تطالب بتحرر العرب من الظلم والطغيان، وتحقيق سيادة القانون والعدل والمساواة، وضرورة تواصل الجهود التنويرية لتأسيس نهضة فكرية تغني المشهد الثقافي العربي، وتفسح المجال أمام تعميق مفاهيم الحوار بين أتباع الثقافات بدلا من الصراع الذي يؤدي إلى زعزعة استقرار العالم ويهدد الأمن والسلام الدوليين، فالروح العربية تمثل الوطنية في الانتماء للأصول التي توحد ولا تفرق، وتحترم الآخر وتؤكد التنوع.


هذا وتمثل الثقافة منطلقا للحوار من أجل تعميق التقارب بين الشعوب العربية والقوميات المتعّددة التي تنتمي إلى المجتمعات العربية، فالحوار التفاعلي يضمن الحفاظ على التمايز، كما إن العمل على تحقيق التقارب بين القوميات الكبرى في الإقليم لا يقل أهمية عن بناء التحالفات الدولية، لأنه سوف يصب لا محالة في مصلحة شعوبها التي اشتركت على مر العصور في قيمها الروحية وتراثها الثقافي، ويعزز الأمل بالمستقبل والمصير المشترك، فاليوم هنالك شعور لدى مختلف المجتمعات الإنسانية (عالميا) بوجود أخطار مشتركة تتجاوز حدود الثقافات والعقائد الدينية والقوميات، وذلك مثل تحديات الفقر والعنف والمياه والطاقة والبيئة وغيرها.


رابط المقال في مجلة تحت المجهر: 

http://www.almjhar.com/ar-sy/NewsView/230/180936/%d9%83%d8%aa%d8%a8_%d8%ad%d8%b3%d9%86%d9%8a_%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d9%8a%d8%a8_%d8%a3%d9%87%d9%85%d9%8a%d8%a9_%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1_%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d9%85%d9%8a%d8%a7%d8%aa_%d9%81%d9%8a_%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%86%d8%a7.aspx

عن الكاتب

HOSNI AL-KHATIB

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

قلب شجاع - Brave Heart