الزعيم «هو جين تاو» والفكر الصيني الجديد
كان «هو جين تاو» هو جوهر الجيل الرابع من قيادة الحزب الشيوعي الصيني، والذي حصل على الموافقة بسبب ولائه لأوامر الحزب، حيث جرى تعيينه في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي عام 1992، وأشير إلى وضعه خليفة في الانتظار، لأنه كان نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية، ونائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية، ورئيس الحزب المركزي (المدرسة)، وهي المؤسسة الأعلى مستوى لتدريب قادة الحزب الشيوعي الصيني، كما كان من المعروف أن ارتفاعه في عام 2002 إلى منصب الأمين العام للحزب، وفي عام 2003 إلى رئيس جمهورية الصين الشعبية، وفي عام 2004 لرئاسة اللجنة العسكرية، كله بوصفه جزءًا من إضفاء الطابع المؤسسي على الإجراءات الحزبية.
الزعيم «هو جين تاو» أسس أيضًا مكانه الأيديولوجي الخاص به، وذلك بعد وقت قصير من توليه منصب السكرتير العام للحزب الشيوعي الصيني (2002) ورئيس جمهورية الصين الشعبية (2003)، حيث كان «هو جين تاو» شخصًا شعبويًّا من منطلق الدعوة إلى سياسات تناولت بعض جوانب السلبية الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الصين على مدار ثلاثة عقود من النمو المذهل، والتي كان أبرزها توزيع الدخل غير العادل بين الناس والمناطق المختلفة، البطالة وعدم كفاية الخدمات العامة، لا سيما الرعاية الصحية، كما جرى التركيز بشكل خاص على مكافحة الفقر الريفي وتضييق الفجوة الواسعة بين المناطق الريفية والحضرية، إضافة إلى أن المشكلات البيئية الخطيرة للغاية، والتي بدأت تظهر في البلاد مؤخرًا، وضرورة التنمية المستدامة هي أيضًا أصبحت على رأس جدول أعمال «هو جين تاو».
هذا وقيل إن الهدف العام لهذه الأولويات السياسية هو خلق مجتمع اشتراكي متناغم، والافتراض الأساسي هو أنه ما لم تجر معالجة هذه القضايا، فإن عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي سيزيد ويؤدي إلى عدم الانسجام، كما أن حجم الاحتجاجات التي قام بها العمال النازحون، والمزارعون الساخطون والمواطنون الغاضبون لأسباب مختلفة ومتنوعة خلال سنواته في السلطة أثرت بالتأكيد على تفكير «هو جين تاو».
كانت فكرة مجتمع اشتراكي متناغم مع الدعوة إلى العدالة الاجتماعية وتحسين وضع الشعب، لأول مرة بمثابة نقد ضمني للنمو الاقتصادي الذي حققه «جيانغ زيمين» بأي تكلفة، والتي جرى وصفها بالاستراتيجية الاقتصادية النخبوية، ولقد واجه «هو جين تاو» بعض المقاومة لجهوده لتحويل تركيز عمل الحزب في اتجاه أكثر شعبية من هؤلاء القادة الذين لم يرغبوا في تحويل الموارد بعيدًا عن المناطق الساحلية الأكثر ازدهارًا وقطاعات الاقتصاد الحديثة، كما ويشير منتقدو إدارة «هو جين تاو» إلى عدم إحراز تقدم ملحوظ في تصحيح التوازن في التنمية الاقتصادية للصين، وذلك دليل على أن المقاومة سادت في المجتمع الصيني على هذه الأفكار والإصلاحات.
وهذا ما يفسر أنه حتى المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، جرت إضافة الزينة الإيديولوجية لـ«هو جين تاو» إلى مذهب الشيوعية الصيني، والذي كان يوجه النظريات العامة والخاصة مع تعديل سياسة الحزب، ليعلن بعد ذلك أن الحزب الشيوعي الصيني يأخذ بالماركسية اللينينية، وفكر «ماو تسي تونغ»، ونظرية «دنغ شياو بينغ»، والفكر المهم للتمثيلات الثلاثة والنظرة العلمية للتنمية بوصفه مرشدًا للعمل، كما أضيفت فقرة كاملة إلى القسم الافتتاحي للدستور يشرح كيف تمثل أفكار «هو جين تاو» أحدث إنجاز في مواءمة الماركسية مع ظروف الصين الجديدة.
كما أنه وبعد مرور بضع سنوات على حكم «هو جين تاو»، والذي أصبح واضحًا أنه يمثل في طبعه المجتمع المتناغم في أيديولوجية الحزب الشيوعي الصيني، إلا أنه في غضون أسبوعين من تولي زعامة الحزب، بدأ «شي جين بينغ» يروج لرؤيته عن «حلم الصين»، والذي ينذر على الأرجح بتصوره لمساهمته الجديدة في النظريات التوجيهية للحزب.
طبعًا لم ولن يصبح «الحلم الصيني» ومضمونه السياسي واضحًا إلا في الوقت الذي يحصل فيه «شي جين بينغ» على قبضة أقوى على السلطة، ولكن في صيغها الأولية كان المفهوم بوضوح عنصرًا قويًّا من عناصر القومية في جوهره؛ إذ شدد «شي جين بينغ» على أن النهضة العظيمة للأمة الصينية واستعادة مكانها الصحيح بوصفها قوة عظمى، هي أهداف مركزية لإدارته، وأن حديثه عن «حلم الجيش القوي» لا يقصد به كسب الدعم السياسي للقوات المسلحة فحسب، بل أيضًا لتأكيد وجهة نظره بأن القوة العسكرية الصينية يجب أن تكون متناسبة مع قوتها الاقتصادية.
لهذا كان الرجل الذي اختير لخلافة «هو جين تاو» هو «شي جين بينغ»، والذي كان ابن «شيخ حزب» ثوري جرى إعداده للسلطة منذ عام 1997 على الأقل، وعلى الرغم من أن خلافة «شي» في عام 2012 كانت شكلية إلى حد كبير، فإن تسليم السلطة كان مهمًّا في العديد من النواحي، وهذا يعني أنه أصبح بإمكانه أن يروج لسياسات أكثر تميزًا، كما أن «شى جين بينغ» خلال فترة توليه السلطة في الفترة من عام 2002 إلى عام 2012، كان أكثر استجابة لنقد اليسار الجديد، وشرع في سياسات لمعالجة مسائل العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، كما جرت صياغة مفهوم «هو جينتاو» عن مجتمع اشتراكي متناغم، والالتزام بوضع الشعب لأول مرة جزءًا مما يسمى بالتوقعات العلمية حول التنمية، والتي شددت على التحول نحو أكثر عدلًا والنمو المستدام، كما أُدخلت قواعد جديدة صارمة على السلامة الصناعية، والتي خفضت الوفيات السنوية من مناجم الفحم إلى النصف في عام 2008، وللدليل على جدية الحملة على الكسب غير المشروع الرسمي، سُجن رئيس حزب شنغهاي لمدة 18 عامًا بتهمة الفساد في الممتلكات.
هذا وفي عام 2006
أُلغيت ضريبة رأس المال على الأراضي، والتي كانت مفروضة من 48 عامًا على عائلات
الفلاحين المزارعين، كما وقد تسارعت عملية التخفيف من منع الهجرة من الريف إلى
الحضر، حيث ارتفع «السكان العائمون» إلى أكثر من 100 مليون مهاجر في التسعينيات،
كما بدأ «هو» تغييرات في السياسة ألغت واحدة من أكثر الإجراءات الفاضحة التي
تستخدمها الشرطة لاحتجاز المواطنين لفترات طويلة دون تهم رسمية، والاحتجاز
والإعادة إلى الوطن، وجلب المزيد من الضوابط الإجرائية الأخرى.
رابط المقال في ساسة
بوست:
https://www.sasapost.com/opinion/leader-hu-jintao-and-the-new-chinese-thought/